استشراف الشخصية المركزية والأداء السردي في رواية حرب الكلب الثانية للروائي إبراهيم نصر الله

 

استشراف الشخصية المركزية والأداء السردي في رواية حرب الكلب الثانية للروائي إبراهيم نصر الله

أ.م.د. نهاد فخري محمود الهيتي

جامعة الأنبار – كلية الآداب – قسم اللغة العربية

تعد الشخصية ركنًا مهمًا وأحد مقومات البناء الروائي، إذ تتمدد لتتسع العمل الدرامي في حركة مستمرة عن طريق شبكة واسعة من الأنسجة السيكولوجية والإيديولوجية والتاريخية والاجتماعية...ألخ؛ لذا فهي محور مركزي في بنية النص وتشكل أحداثه فتنمو وتتطور بحسب الادوار والمحيط البيئي الذي تعيش فيه، فتساعد في ذلك طبيعة العلاقة المتداخلة والمتشعبة بينه وبين الشخصية من حيث إنَّها بناء تركيبي تتحرك ضمن العمق المرمز برموز البيئة والمجتمع، ومن كونها بناء تركيبي يرتبط مع الأحداث والشخصيات ضمن دائرة الصراع.

 الشخصية المركزية: شخصية البطل (راشـــــد):

بدأت الرواية بسرد فلم وثائقي تستشرف فيه أحداثًا مستقبلية، وترسَّمت الأحداث قبل التمهيد لها، إذ بدأ العرض من دون مقدمات، وأشار السرد إلى بداية متأرجحة بين الحقيقة والخيال، فتبدأ الأحداث بهذه الشخصية (راشد) وهو يسير في وسط يجمع بين حدثين، المصيدة والذكاء، فهو في فكرة متضادة بدأ معها صراع داخلي، ويستمر في مشاهدة أحداث الفيلم الأكثر خطورة، وقد رأته أمه وأحسَّت عندها أنّه يسير في طريق غير مألوف صرخت قائلة:(هل أنت مجنون لتشاهد فيلمًا كهذا؟!) كانت هذه العبارة عنوانًا مستقلًا في أحداث السرد.

بقي الشخص الذي طلب منه مشاهدة الفيلم مجهولًا غير أنه كان رفيقًا له، لذا تداخلت في ذهنه الأفكار، وبدأ ذهنه بالتشتت، فلم يكن طلبًا عاديًا، بل أكد عليه ضرورة إبداء رأيه فيه في محاولة للخلاص من حرب قادمة مستقبلًا.

بدأ الخوف يدب إلى قلبه، ثم لجأ إلى الحوار مع هذا الشخص المجهول وعندها بدأت أحداث الفيلم تتضح أنها تعود إلى حروب ماضية في هذه النقطة بدأت أولى مقدمات البناء الاستشرافي للأحداث اللاحقة.

تبيِّن الأحداث المشاهدة أنها مقدمات حرب ماضية، فوصفها قائلًا:(حرب الكلب ؟!) وكأن راشد قد عرفها من قبل، فأجابه: (أجل حرب الكلب)

ويستمر الحوار بينهما عن سبب هذه المشاهد، والى ماذا سيؤول الوضع في هذا العالم إن بقي الانسان يكرر أخطاءه، ويستفهم راشد عن سبب اختياره هو بالذات، وتأتي الإجابة بأنه نبيه ولا يمكن أن تسمح بتكرار هذه الأخطاء، وبقي راشد يحاور وكأنه شخصية ما تزال في وسط ضياع واندهاش، وهو يوضع في هذا الاختبار ثم يُطلب منه أن يتلف شريحة الفيلم، ثم بدأت في هذه المساحة الضيقة من الأحداث شخصية راشد بالتبلور والبناء، ولم يتم اختياره عبثًا، بل توافرت فيه صفات (رجل المبادئ، الرّجل الحديدي) .

فهو على معرفة بهؤلاء الذين طوّروا حواسّهم، وأصبحوا بإمكانات كبيرة على الاستشعار والرؤية، فمثَّل بعضهم بأنهم وصلوا إلى قدرة طائر البوم في حدَّة الإبصار ليلًا، وميزة الخفاش على التحليق في الكهوف حالكة الظلام وشهد له (خصومه قبل أصدقائه، بأنَّه من سلالة أولئك القادة الذين لا توجد كلمة "مساومة" في قاموسهم) ومن هنا بدأت الشخصية المركزية تفهم ماذا يجب عليها أن تفعل حتى تستمر وتنفذ إلى عالم القلاع الكبير الذي يسيطر على تحرك الشخوص والأحداث التي من المتوقع أن تحدث فعلًا، فالسارد أحسَّ بأهمية الشخصية المحورية ومدى فاعليتها في أحداث العمل الروائي، ومنحه المساحة الواسعة للتحرك فيها بحرية، فلم تكن عملية اختياره لتمثيل دور عادي، بل إنَّ دوره أخذ نصيبًا من الخيال الذي منحه مساحة كافية حررت فكر الروائي في التحكم بشخصيته المحورية في الرواية كونه يرسم لأحداث يتوقع أن تحصل في المستقبل، فأودعه الصفات التي تجعل منه بطلًا دمويًا ظلاميًا يحرك الأحداث بوحشية، ويتبادل الأدوار في قبحها وبشاعتها، فنجده يتحرك ويشارك في رسم الأحداث في 345 صفحة، أي الرواية بأكملها، وربَّما يصدق عليها واقعنا الذي نعيشه.