ملامح السرد الروائي العراقي بعد 2003

ملامح السرد الروائي العراقي بعد 2003

  

ملامح السرد الروائي العراقي بعد 2003

أ.م.د. باسم محمد عباس 

 

ــــــ  إرهاصات التغيير في الرواية العراقية الجديدة:-

  لأول وهلة نجد أن المنجز الروائي العراقي مرّ بتجارب/ تغيرات كثيرة في مستوى الموضوع والرؤية؛ لتحاكي حقيقة الحياة وتفصيلاتها المضطربة نتيجة الفوضى والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي حدثت بعد(2003)، فضلاً عن تطور هذا المنجز الذي تخلص من تبعية لغة الشعر، وطوّر من أساليبه وموضوعاته، التي مكنتنا من الحديث عن رواية عراقية لها حضورها الفاعل في السرد العربي والعالمي.

إن الحديث عن تطور هذا الجنس الأدبي في هذه الحقبة من تاريخ العراق، يقودنا إلى إبراز الهوية الجينية لهذا البناء الحكائي المتعدد الأحداث والشخصيات والأمكنة، كما يعبّر (بيرسي لوبوك) بأن الرواية هي شريحة مقتطعة من الحياة.

  يؤكد الروائي والناقد (اياد خضير الشمري) أن الرواية العراقية بدأت تتشكل لها هوية أسلوبية وبصمة لغوية وشكل معماري خاص بها، وهذه العناصر بدأت تترسخ من خلال النماذج الروائية التي بدأت تشكّل مفهوماً جديداً هو الرواية العراقية الجديدة بعد عام 2003، فتبلور هذا المفهوم في نماذج روائية طليعية أخذت مكانتها كرواية (سعد محمد رحيم) الفائزة في مسابقة (كتارا)، أو رواية (فرانكشتاين في بغداد) لـــ(أحمد السعداوي) الفائزة بمسابقة البوكر، وروايات أخرى مثل ( شرق الأحزان) لـــ(عباس لطيف)، و(خان الشابندر) لــ( محمد حياوي)، و(جئت متأخراً) لــ(علي الحديثي) وغيرها.

  خمسة وسبعون عاماً من عُمر الرواية العراقية _منذ صدور أول رواية عراقية في عام 1928 وهي رواية (جلال خالد) لـــ (محمود أحمد السيد) حتى عام 2003_ لم تُقدّم أعمالاً تكفي لتمثيل هويتها الحقيقية، غير أن ما حدث بعد 2003 مثّل انقلاباً حقيقياً في السرد عموماً والرواية على وجه الخصوص، فقد ظهرت ما بعد هذا العام أعمال غيّرت من ملامح السرد العراقي وقدّمته عربياً أولاً، ومن ثمّ عالمياً بعد أن تُرجمت أعمال مهمة لــ (علي بدر) و ( محسن الرملي) و (عبد الهادي سعدون) و (سنان أنطوان) و (لؤي حمزة عباس) وغيرهم الكثير، فضلاً عن وصول أعمال للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية، مثل (يامريم) لــ (سنان أنطوان) و( فرانكشتاين في بغداد) لــ (احمد السعداوي) و (طشاري) لــ (انعام كجه جي). ومن خلال هذه التحولات يمكننا إعادة قراءة الرواية العراقية والتغيير الذي أسهم في رسم ملامحها بشكل مغاير. 

ــــ رؤية جديدة في طرائق النص وأسلوبه:

  لم يكتسب تاريخ الابداع العراقي أهمية تتعلق بخطاب النص الروائي وآليات السرد كالتي شهدتها هذه المرحلة، وهذا يعود إلى تكوين اتجاه بنائي يذهب إلى كسر القيود السالفة، ويرى أحد النقاد العراقيين إن الرواية العراقية بعد الاحتلال تبنّت تصوراً جديداً في طرائق النص وأسلوبيته وحققت منجزاً مختلفاً، ولعل الملفت في السنوات الأخيرة يكمن في رواية( لطفية الدليمي) ( عشاق وفونوغراف وأزمنة)، ورواية (محمد حياوي) ( خان الشابندر) و رواية ( بدر السالم ( عذراء سنجار) وهي روايات شكّلت رفضاً للأنماط القديمة، وهذه الأعمال أسهمت في كسر التابو المقدس مثلما عمل عليها (شهيد الحلفي) في رواية ( كش وطن)، فالذي تحقق هنا جراء آلية النص الجديد المحاكاة والتمثيل البنائي الكاشف لأدلة الواقع ورفضه، وبذلك تكون البنى العميقة حسب ما أسماه (كريماس) قد تكونت بناءً على بناء صوري، وهذا ما جعل الصورة الذهنية مكمّلة لما يبديه الروائي من تصوير لأحداث وأمكنة ووقائع فجاءت بلغة روائية كاشفة وصادمة لنا جميعاً.

ــــــ تحولات الشكل والموضوع:                            

يطغى على الرواية العراقية بعد التغيير الغزارة غير المعهودة في الإنتاج الروائي عمّا كانت عليه قبل هذا التاريخ، صحيح أن لهذا الكمّ أسباباً كثيرة، لكن التغيير ربما يعدّ أهم هذه الأسباب، وقد رافق هذه الزيادة، بطبيعة الحال تكاثر عدد الروائيين، سواء منه من عُرف بكتابة الرواية منذ البداية أومن انتقل إليها بعد أن أبدع في مجالات أخرى كالقصة القصيرة والشعر وغيرهما.

  شهدت الرواية العراقية بعد التغيير محاولات لكتابة رواية جديدة، نجحت بعض هذه المحاولات وفشلت الأخرى، وقد انصرفت أغلب هذه المحاولات للتجريب على مستويين، أولهما: مستوى الشكل واللغة والتقنيات، وثانيهما: مستوى الرؤى والأفكار والموضوعات، إذ سعت الرواية العراقية الجديدة إلى تمثل التحولات الكبيرة التي شهدتها الرواية العالمية، على نطاق واسع، ويشير أحد النقاد أن رواية التغيير عملت على توظيف واستثمار مجموعة من الموضوعات التي كانت غائبة أو مُغيَبة أو مسكوت عنها في المنتج الروائي العراقي، من أبرزها: الهوية والتعددية الثقافية والأقليات والمشكلات الاجتماعية العميقة والجوانب السياسية والتاريخ وما إلى ذلك من موضوعات أصبحت محورية في بنية ومضمون الرواية العراقية.