فاعلية التكامل المعرفي في فهم النص القرآني لآية حد السرقة "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (سورة المائدة آية 38).

 

فاعلية التكامل المعرفي في فهم النص القرآني لآية حد السرقة

 "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ  وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (سورة المائدة آية 38).

The effectiveness of cognitive integration in understanding the Qur’anic text in verse of punishment for theft

As to the thief, Male or female, cut off his or her hands: a punishment by way of example, from Allah, for their crime: and Allah is Exalted in power.”. (Surah Al-Maeda, verse 38)

م.د. مها فوّاز خليفة

جامعة الأنبار – كلية الآداب

Maha85@uoanbar.edu.iq   

 

     يعد النص القرآني منطلقا رحبا للتكامل المعرفي بين العلوم لاسيما العلوم الإنسانية منها وتكاد تكون لغته هي الرابط الأوثق في جمع أواصر العلوم المتعددة, لما لها من قدرة على استيفاء المعاني والتجدد والتأقلم مع طبيعة هذه العلوم أو طبيعة الفكرة التي تثيرها وقد تشرفت هذه اللغة بالقرآن فكانت منبع الإعجاز وسبيل التحدي عند انبثاق الإسلام.

  ولا بدّ من التنبه إلى صفة التكامل المعرفي للغة العربية الذي يؤدي إلى اكتشاف أسرار النص القرآني المعجز, فكان هذا النص مفتاحا لانبثاق علوم عدّة متعلقة به في النحو والصرف والبلاغة والفقه والتجويد وغيرها من العلوم, وهذه الصفة ذاتها هي التي ولّدت قراءات متعددة للنص الواحد يكمّل بعضها بعضا لا تتقاطع وإنّما تتكامل  فالمفسرون مثلا  كانوا قراءً  نموذجيين حيث تلقى كل منهم النص القرآني بطريقة مختلفة بإيلاء مرجعيات النص الدلالية والنحوية والصوتية مكانة مهمة فضلا عن المرجعية الفقهية  التشريعية وإحالة للاحاديث النبوية في توضيح المعنى وكشف أسباب النزول في حشد مبهر لكم العلوم والمعارف في آية حد السرقة مثلا من كتاب الله العزيز, يتظافر مع تلك العلوم علم النفس الاجتماعي في الكشف عن الآثار الناجمة من معرفة العقوبات وتطبيقها وطرق التعامل معها.

      إنّ من الأمور التي يمكن اثارتها في هذه الآية ابتداء  (أل) التعريف في لفظتي السارق والسارقة ثم إنّ لفظتي السارق والسارقة مرفوعتان على الابتداء وفي قراءة  بالنصب  وفي قراءة بالجمع, وقد توقف عند مثل هذا الاستعمال النحاة والمفسرون   في تخريج الرفع وفقا لقواعد العربية والتي تخضع للنص القرآني ولا يخضع القرآن لها.

        أما في قوله تعالى( فاقطعوا ايديهما )وقفة اخرى في جمع ايدي وتثنية الضمير أما من أهتم  بعلوم البلاغة فأشار الى المجاز المرسل فالمراد قطع الرسغ فقط فعبر  بالكل وهو اليد وأراد الجزء وهو الرسغ  فعلاقة المجاز هنا الكلية.

     وتكاد تكون الفاصلة القرآنية في  هذه  الآية   دليلا يتردد على ضرورة النظر في السياق الكلي للنص وملاحظة ملاءمة الكلام بعضه لبعض حيث يروى أن بعض الأعراب سمع قارئا يقرأ: والسارق والسارقة الى آخرها وختمها  بقوله :( والله غفور رحيم  ) فقال: ما هذا الكلام فصيح . فقيل له: ليس التلاوة كذلك , وإنّما هي (والله عزيز حكيم ) فقال بخٍ بخٍ عزَّ فحكمَ فقطعَ.

 وفي علوم العربية متسع للحديث وقد أفردت لهذه الآية صفحاتٌ في كتب التفسير  بين من أثارت علوم العربية قريحته التفسيرية والتأويلية وبين من أثار العلوم الشرعية حولها في الأحكام الخمس المترتبة عليها  في السرقة والسارق والمسروق ونوع المسروق وكميته.

      بينما يتصدى علم النفس التربوي للسرقة واسبابها ودوافعها وطرق معالجتها بالتظافر مع علم النفس الاجتماعي في ضمان الاسلام للحقوق الفردية والمال بصورة خاصة. 

 بعد البحث في الآية الكريمة وفي مفاهيمها المختلفة، يتضح وجود عدة مفاهيم ومنطلقات بحثية  لها وليس مفهوما واحدا كما يظن البعض وهذا من بديع الاعجاز  في التعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة.