كلمـة منقــول ما لهـــا وما عليهـــا

كلمـة منقــول ما لهـــا وما عليهـــا

 

كلمـة منقــول ما لهـــا وما عليهـــا

The Word unanimous, its Merits and Demerits

أ.م.د. حسان علي عبد الفراجي

مِنْ بِدَعِ(1) النّاشرينَ المُعاصرينَ، كلمة: (منقول) ، فهذه اللفظة المكونة من خمسة أحرف، المُشَار بها إلى مجهول، يستخدمها الناشطون في المواقع الإلكترونية على نطاقٍ واسعٍ، كإشارة إلى أنَّ الكلام ليس من عندهم، ظناً منهم أنها تُبريء ساحتهم، أو أنّها أفضل من عدم الإحالة بالكلية.

 وقد ظهر لي في هذه المسألة اتجاهان: اتجاهٌ قائل إنّ هذه الكلمة لا غُبار عليها، وأنّها مُبرئة للذمة. واتجاهٌ آخر: يرى أنَّ ذكرها أفضل من عدم الإحالة بشيء.

 فأصحاب الاتجاه الأول، وهم القائلون أنها مُبرِئة للذمة فلست مُتَفِقاً معهم بحال؛ لأنه يجب التحقق من المعلومة أو الخبر قبل اعتماده.

أمّا أصحاب الاتجاه الثاني الذين يرون أنَّ كلمة منقول، أفضل من عدم الإحالة بشيء، فهذا قولٌ صحيحٌ إلى حَدٍّ ما.. ومع ذلك فإنَّ الواجب يقتضي عدم الركون إلى هذه الكلمة المبنية للمجهول، وترك الإحالة الحقيقية بذكر اسم الكتاب ومؤلفه ورقم المجلد والصفحة، إن أمكنه الوصول للناشر الأول.

 وفي نظري: إنّ كلمة (منقول) مساوية لكلمة (رُويَ) الدالة على التضعيف عند المحدثين، بل قد تكون كلمة منقول، أشدّ ضعفاً منها !

ثمَّ إنّ كلمةَ منقول غير واضحة التعريف، فقولك: منقول ! منقول من أين؟! من مسلم؟ من كافر؟ من علماني؟ من شيوعي؟ من ملحد؟ مَنْ هذا المنقول عنه ( الشخص الذي نقلت منه؟) وإذا كان له كتاب فَلِمَ لا يذكر كتابه؟

فمن أجل ذلك، أنا لا استحسن هذه الكلمة أبدًا؛ لأنّها من أسباب ضياع العلم، وفيها إشارة إلى ضعف شخصية الناقل، أنه رَكَنَ إلى هذه الكلمة، وترك البحث والاستقصاء عن مصدر المعلومة الأصلي، لذا فهي تعني أنَّ المنقول غير موثوق، فلا يثبت به اليقين.

ربما يختلف معي بعضهم فيما ذهبت إليه لشبهتين:  أولاهما : إنَّ جهد الناشر الحقيقي قد ضاع، فلا يمكن تمييزه أو معرفته.

وهذه يُجاب عنها:  بأنّ كون الناشر الحقيقي(الأول) قد ضاع  فلم يعد بالإمكان التوصل إليه؛ سببه : تساهلنا في نقل العلم، فقد وجدت اكاديميين يفعلون أفعال العوام، فلا يريدون تكليف أنفسهم عناء البحث والتحري.

وثانيهما:  إِنَّ الذي نطالبه بالتحرّي والدِّقة ، إنسان عامي جاهل بهذه الأمور.

وهذه أيضاً ممكن الإجابة عنها: إنَّ الإنسان البسيط لا نعذره في كل شيء، فهنالك أشياء لا يعذر أحد بجهالتها، فنحن لم نطالبه تعلم الأشكال الهندسية المعقدة، أو النظريات الرياضية العويصة ، أو التحاليل الكيميائية الصعبة، فمن المؤكد أنَّ الشخص البسيط لا يُطالَب ولا يُحاسَب بجهلة تلك الأمور، لكنه لا يُعذر في سرقة أفكار وجهود الآخرين.

فالمسألة إذن، ليست بهذه الصعوبة التي يتوهما كثيرٌ من النقلة المعاصرين.

أيها الناقل الكريم : مطلوب منك عند الاقتباس ذكر اسم الشخص الذي نقلت منه، جاعلًا كلامه بين قوسين صغيرين، نحو: قال فلان بن فلان كذا "......". وهذا ليس صعباً حسب تصوري !

وهذا تلخيصٌ موجزٌ للمقالِ آنِفَ الذِّكر في خمس نقاط :

1) إنَّ كلمة: "منقول" لا تبريء ساحة الناقل؛ لأنها سبب من أسباب ضياع العلم، فلا يثبت بها الخبر اليقين.

2) هذه الكلمة علامة دالة على ضعف شخصية الناقل؛ كونه ركن إليها، ولم يكلف نفسه عناء البحث والاستقصاء، عن المعلومة أو الخبر.

3) كلمة "روي" أرحم عندي من كلمة "منقول" المشار بها إلى مجهول.

4) علاوة على ما تقدّم، إنّ منقول غير واضحة فمن هذا المنقول عنه؟! وإذا كان لهذا المنقول عنه كتاب مثلًا لِمَ لا يذكر كتابه؟! أما إذا لم تعرف المنقول عنه فهي قد صارت ضعيفة بهذا الاعتبار.

5) لذلك، فإنَّ هذه الكلمة ستبقى ضعيفة عندي، ولو استخدمها الباحثون الكبار واستدلوا بها، فاستخدامهم لها لا يرفع قدرها، ولا يعطيها صبغة اليقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أعني ببدع الناشرين: (البدعة اللغوية لا الشرعية) وهي "إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق، ولا ذكر، ولا معرفة، والله بديع السموات والأرض ابتدعهما، ولم يكونا قبل ذلك شيئاً". [كتاب العين ، للخليل، مادة: بدع].