(التيه الجغرافي بين الاختصاصات العامة والدقيقة)

 

لتيه الجغرافي بين الاختصاصات العامة والدقيقة)                

أ.م.د  احمد داود حميد العيساوي    

 قسم الجغرافية -كلية الآداب – جامعة الانبار

ahmed.daood@uoanbar.edu.iq

------------------------------------------------------------------------------------

   مرة اخرى تقف الجغرافية على المحك من الناحيتين العلمية والاجرائية ، واذا كانت هذه المقالة هي الاولى لصاحبها فهي بالتأكيد ليست كذلك في اقسام الجغرافية  ويزيد من حدة ذلك وتفاقمه ان التعليمات بهذا الخصوص عامة وعائمة وتبقي الباب مواربا وتعطي فرصة لمن يريد التفسير، ولا حدود للتفسيرات عندما يفتح لاجل ذلك الباب ، فالى الان لا توجد الية محددة ملزمة للجميع توضع كل المعطيات بأعلى القمع منها، للطالب وللأستاذ ولمصلحة القسم ولمتطلبات سوق العمل وغيرها، فتتوزع اسفله المهام دونما تشكيك او تخوين وبضمانة اكيدة بانه لو اعيد التقسيم والتوزيع لكانت النتيجة واحدة مكررة كمعادلة رياضية لاتقبل التغيير في ظل نفس المعطيات . وتلك المشكلة ليس من السهل حلها لان إيكال امر وضع الالية المعنية الى لجنة معينة سرعان ما تستند الى تعليمات متشابكة ومتقاطعة وستكثر عبارات عامة نحو (  او ،  حسب المصلحة ،  رغبة القسم ، توجهات الطالب ، وفقا لما ترتأية اللجنة العلمية ...)  الامر الذي يعود بالقضية لمربعها الاول من التيه الجغرافي المزمن فكل هذه الجهات هي اصل التقاطع بالرغبات وحظوظ النفس والتنافس بين الاقران فضلا عن فتح الباب لاكثر من جهة مختلفة بالموقع والعلمية والمصلحة العامة او الشخصية وحتى الاهلية للمشاركة بالقرار اصلا (الاستاذ والقسم والطالب).

   ان اس مشكلة الجغرافية هو اختلافها عن العلوم الاخرى في تراتبية تقسيماتها الرئيسية والفرعية فاصل العلم هو(الجغرافية) وتنقسم الجغرافية حسب خصوصيتها الى(الطبيعية والبشرية) ومن هذين الفرعين الرئيسيين اللذان يعدان من اهم صفات الجغرافية بعد كونها علما للتوزيع المكاني(التباين) واشتمالها على الخريطة كعصا يتوكأ عليها الجغرافي (دليل) في عمله ونتاج عمله ايضا اذا انتهى منه.  وتتفرع الشجرة لاغصان كثيرة بعضها مبرر واخر غير مبرر فما كان جغرافيا على الصفات المحددة للجغرافية (الثنائية،الخريطة،التباين المكاني) عد جغرافيا وما سواه كان تجوالا مرحا في علوم اخرى.

   ان هذا التقسيم ضيع الاختصاص ببساطة وبالاخص عند معرفتنا ان هناك قرابة عشرين تخصصا تابعا لهذين الفرعين فضلا عن الدراسات الاقليمية بعضها تدّرس في اقسام الجغرافية كمواد اساسية كالجغرافية الزراعية والصناعية والسياسية والجيمورفولوجيا واخرى تدرس كزيادة معرفة لاحقا باعتبارها ظاهرة بشرية او طبيعية تلحق بها عطفا او ربطا كلمة جغرافية ابتداءً مثل الجغرافية العسكرية وجغرافية التربة وجغرافية البزل وجغرافية الفضاء وجغرافية الفقر وجغرافية الجوع وجغرافية النفط الى مالانهاية من الجغرافيات  !

     ان التنكر لهذه الوسائل التوضيحية والتفصيلية والتطبيقية المهمة كتمزيق تذكرة الصعود لقطار العلم والمعرفة المسرع والذي سيترك بلا شك المتقاعسين والمتثاقلين عن تعلم الجديد وتقبل التطور الذي يحصل في العالم . فقد ذهب زمان الجغرافية التي تستكشف المناطق النائية والتي لا يعرفها احد اقليميا لانه ببساطة لم يعد ثمة شبر على سطح الارض غير مكتشف ولم يتم مسحه جويا وفضائيا وبمتحسسات استخرجت كل شيء بجدول وخريطة وثبتته بدليل ، وذهب زمن نتكلم به باستفاضة عن تنمية الاقاليم واستكشاف امكاناتها فليس من شبر على الارض لاتعرف موارده وقيمه رقميا وحاسوبيا ، وذهب زمن تطور فيه المدن على اساس افتراضي من الزيادة والنقصان في الموراد والسكان والحراك الحضري حول المدينة او داخلها ! فهذه قضايا حسمها التخطيط المسبق وقواعد البيانات الرقمية ولا تحتاج جغرافيا بطلا يتجول بقبعة الكشاف في شوارع المدينة يستفتي اهلها وينتخب ارائهم ويثبت ارقاما تصورية يعدها نتاجا ...  لااااا  الامر اصبح يشبه عمليات جمع لايراد محل نهاية يوم عمل فتوضع المدخلات كلها وتجمع وتحدد نتائج لتسوق الغد ولا اعتبارات سايكولوجية وتوجهات فكرية لاستاذ او طالب  او فريق عمل .

   وسيقال...  ومن يجمع البيانات هذه التي تحتاجها التقنيات الحديثة ؟ اليس الجغرافي ؟

فاذا كان القائمون على الجغرافية من اساتذة ومفكرين اكتفوا بهذا الدور للجغرافية وللجغرافيين فهو الخذلان بعينه لانه في الدول البعيدة عنا في سباق العلم والتعلم تسند هكذا ادوار لطلبة المدارس والعاطلين عن العمل (وبصيغة الاجور اليومية) فتؤخذ منهم البيانات خاما لتحلل لمشتقات علمية لا نقاش في فحواها ومحتواها ، والاولى بالجغرافي ان يبدأ عمله من هنا لا  الى هنا، وعلى الجغرافي العلمي الذي يريد له مساحة على ارض العلوم ان يجد له مكانا بين هؤلاء ينتزعه بعلمية فذة تغطيها فلسفة المكان والتوزيع والثنائية والخريطة والحس الانساني لا ان يقف متفرجا ويتجه الى وضع العصا في الدولاب وذلك لا يجدي فالشمس لاتحجب بالغرابيل وعجلة التقدم لا تنتظر احد  .