ازمة الجغرافية والعلوم الاجتماعية

 ازمة الجغرافية والعلوم الاجتماعية

 

 

أزمة الجغرافية والعلوم الاجتماعية

(Geography and social sciences crisis)

ا.د كمال عبدالله حسن الدليمي

 

جامعة الانبار- كلية الآداب- قسم الجغرافية

khmal.abdullah@uoanbar.edu.iq

 

        لا يخفى على أحد ما تعانيه العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر من ازمة، ارتبطت بالتطور الحاصل في العلوم كافة وعلى رأسها العلوم الطبيعية والصرفة (الفيزياء والكيمياء والرياضيات)، اذ ان هذه العلوم كانت أكثر تقبلاً للتطورات التكنلوجية وتعدد الوسائل والاساليب فضلاً عن وضوح مادتها وهي تتعامل مع القوانين والمفاهيم الخاصة بها، وبالتالي اصبحت اكثر يقينيةً واوضح نتائجاً خاصة وانها تتعامل مع الارقام ودلالاتها. في حين ان العلوم الاجتماعية ومن ضمنها الجغرافية بقيت متمسكة بطرقها الكلاسيكية في التعامل مع الظاهرة المدروسة، رغم كل الاساليب والوسائل والمناهج التي ادخلت اليها والتي سببت في بعض الاحيان ارباكاً لدارس هذه العلوم في فهم هوية تخصصه.

     ان ما يجب فهمه منذ البداية ، ان العلوم كافة الصرفة منها والطبيعية والاجتماعية     ( من ضمنها الجغرافية ) تمثل كُلاً واحداً مكملاً لبعضه، فهي تتصل بعضها بالبعض الاخر برباطٍ قوي، اذ توجد مجالات مشتركة عديدة بين العلوم ، ومن ثم فان وسيلة البحث والتحليل والتركيب والمعالجة واحدة في جميع العلوم . فحين ينتهي مجال اهتمام علم ما يبدأ مجال عمل علم اخر.

    ان ما دعاني لكتابة هذه السطور هي نظرة الاستعلاء التي نراها في عيون المتخصصين في العلوم الطبيعية والصرفة نحو تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية ، ولا اجد في الحقيقة سبباً لهذه النظرة المتعالية التي تسود في احيان كثيرة على سلوك هؤلاء، اذ يعتقدون بأنهم وحدهم يمكنهم تقصي الحقائق وبحثها وفق مستويات متقدمة من المعرفة والموضوعية ، ونسي اصحاب هذه النظرة ان العلوم الاجتماعية ( بضمنها الجغرافية) تتعامل مع الانسان ، وهو ذو اهواء وتطلعات واراء وافكار وتوجهات ومستويات ذكاء مختلفة فضلاً عن حرية الحركة والانتقال وبالتالي من الصعوبة بمكان حصره في قانون محدد او علاقة ارتباط او نموذج او هيكل غير قابل للتغيير كما في العلوم الطبيعية والصرفة . يقابل هذه النعرة المتعالية عقدة نقص لدى المتخصصين في العلوم الاجتماعية بأن تخصصاتهم هي ادنى مرتبة في سلم العلم .

وهنا لابد من التساؤل، لماذا هذه النعرة المتعالية؟ خاصةً اذا علمنا انه مع كل التقدم العلمي الحديث وبكل الوسائل والاساليب والمناهج، الا ان العلوم (جميع العلوم) بقيت عاجزة عن الاجابة عن السؤال (لماذا؟) وكل ما توصلت اليه هو الاجابة عن السؤال (كيف؟ ) ، وهذا ما ايده رجال العلم والفلسفة .

اذن لا يوجد مبرر لهذه النظرة المتعالية، فما يوجد من تفريق بين العلوم الطبيعية والصرفة من جهة والعلوم الاجتماعية من جهة ثانية، انما هو في بعض الاحيان تفريق اساسه سياسة بلد ما في التعليم، او سبب مادي صرف.

 ولا يوجد وصف افضل من وصف الاستاذ ( ف.أ. هايك) بقوله " انني حقيقة لا استطيع ان اكتشف السبب الحقيقي وراء شعور رجال العلوم الطبيعية بالاستياء والنفور والتعالي حينما يقرأون ابحاث رجال العلوم الاجتماعية كما لو انهم يقرأون ل اُناس تعودوا على ارتكاب افدح الذنوب التي يحسون انهم حريصون تماماً على تلافيها وكما لو أن الموضوعية العلمية حكرٌ لهم ولهم وحدهم ".