الاساليب الكمية في علم الجيومورفولوجيا

 الاساليب الكمية في علم الجيومورفولوجيا

Quantitative methods in geomorphology

م.م. زياد فريح مطر

يتطلب الاستخدام الواعي بأسلوب القياس الكمي في دراسة اشكال الارض من الباحث ان يدرك ان الكميات الجيومورفولوجية المتغيرة يمكن تصنيفها في اربع فئات هي : القوة او الطاقة ومن امثلتها كمية التصريف وطاقة الموج ، وتلك المتعلقة بالمقاومة ، وهي الى حد بعيد اكثر الفئات اهمالا ، وتشمل طاقة التسرب ومقاومة الانفصام او القص ، وتلك الخاصة بالزمن وهي تتضمن التاريخ المطلق للأحداث ، ومعدلات سرعة التعرية .. الخ . واخيرا الفئة الخاصة بالشكل . وهذه الفئة الاخيرة التي تضم زوايا الانحدار وكثافة التصريف والتضاريس والارتفاع ، كانت بلا شك اكثر الفئات خضوعا للقياس الكمي فيما مضى بدرجة ان القياسات الخاصة بالقطاعات الطولية للأنهار والخصائص الهبسومترية اصبحت جزءاً من الاساليب المعيارية في دراسة تعاقب التعرية . وفي الواقع ان استخدام الاستنباط القائم على القياس الكمي ليس جديدا في الجيومورفولوجيا الا انه ابتدأ في العقد الرابع من القرن العشرين ، ادت زيادة الفرص المتاحة لهذا النوع من البحث ممثلة في سهولة القياس وتوفر المعلومات ، وقد كانت الرغبة في الربط بين الشكل والعملية هي الباعث على الدراسات النهرية الهامة ، كما كانت الدافع ايضا على البحوث الخاصة بهندسة الماء ، وكذلك البحوث الخاصة بطرق تكوين الكثبان الرملية .

ولعله من الجدير بالذكر هنا ان كثيرا من هذه البحوث قد نبعت حوافزها من بحوث هندسية عملية ومن التحسينات الحديثة التي ادخلت على الخرائط الطبوغرافية والصور الجوية . وقد انتعش التحليل الكمي لهندسة اللاند سكيب ( اي التحليل المورفومتري ) على وجه الخصوص نتيجة لضروب التنقيح التي ادخلت على الاخيرة .

وقد تعرض منهج القياس الكمي في الجيومورفولوجيا لبعض اوجه النقد المنبثقة اساسا من ارتباطات هذا الفرع من فروع المعرفة بالتأثيرات التاريخية الناجمة عن منهج تعاقب التعرية ، ولعل اهم هذه التأثيرات هو الاعتقاد السائد بان معظم هذه الاشكال الارضية انما هي اشكال ( حفرية ) في جوهرها وانها ترتبط بعمليات قديمة كانت تعمل في ظروف مناخية وتكتونية ، تختلف عن الظروف الراهنة .

وانطلاقا من وجهة النظر هذه اصبح دراسة العلاقات بين اشكال الارض والعمليات الحالية ، باعتبارها بؤرة الاهتمام في اسلوب القياس الكمي .

وصفوة القول ان ظهور اساليب القياس الكمي وتطورها في الجيومورفولوجيا يمكن اعتبارها تقدما عاما  لهذا الفرع من فروع المعرفة نحو اساس علمي اكثر احكاما ودقة ، من خلال اهتمامه بالقياس وبتحليل البيانات ، ومن خلال الانطلاق من آسار الاساليب التقليدية الضيقة التي كانت الطابع المميز لتطوره في السنوات الماضية من القرن العشرين ، واخيرا من خلال ارتباطه المتزايد بالعلوم التي تشترك معه في مجالات البحث وميادين الدراسة . وقد اصبح من المسلم به ان الان ان القياس الكمي الواعي لتلك الجوانب التي تتطلب القياس يترجم كثيرا من القضايا المورفولوجية الى لغة مشتركة تجعل من الممكن تناولها في ضوء خبرة العلوم الاخرى ، وبهذه الطريقة تستطيع الجيومورفولوجيا استقطاب ثروة الخبرة العلمية والاسهام فيها سواء بسواء . ورغم ان طرق القياس الكمي ، معضدة بالتحليل الاحصائي ، توفر اطاراً معياريا موضوعيا دقيقا لبحث كثير من مشاكل علوم الارض ، الا انه يجب ان يغيب عن الذهن ان هذه الاساليب والتحليلات هي عامل مساعد فقط للتصميم الوصفي المبدئي ، وربما امكن استخدامها فيما بعد لفحص مدى كفاءة التصميم الوصفي ايضا . بمعنى ان اساليب القياس الكمي والتحليلات الاحصائية هي مجرد ادوات يشحذ بها الباحث خياله وتمكن هذا الخيال من العمل على مستويات اعلى من كل ما سبقها .