التعايش السلمي منهج اسلامي

  

      التعايش السلمي منهج اسلامي                                   

                                               Peaceful coexistence is an Islamic approach 

                                                                           

الأستاذ الدكتور بديع محمد ابراهيم / استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية /  جامعة الأنبار – كلية الآداب  

 

 

                                                                                                                                                                                                           

   الحمد لله بجميع المحامد على جميع النعم ,والصلاة والسلام على خير خلقه محمد المبعوث الى خير الأمم ,وعلى آله وصحبه مفاتيح الحكم ومصابيح الظلم .

  الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا، وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقا يقينا، فهو دينه الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله ،   فلا يقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين .

 لم يخل المجتمع الإسلامي في أي عصر او حقبة تاريخية من وجود غير المسلمين , فالإسلام لم يكره الناس على الدخول , ولم يمنع تواجد غير المسلمين في ارض الإسلام ما داموا مسالمين معاهدين لا يضمرون عداوة او ضغينة او دسيسة للمسلمين , وتأمينهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم واجب ما داموا مُحافظين على أحكام الدولة الإسلاميّة، وهؤلاء من اطلق عليهم اسم اهل الذمة, وقد أوجبت تعاليم الإسلام حماية المواطنين من غير المسلمين ومنْعَ مَن ‏يقصدهم بأذى من المسلمين والكفار، فالإسلام يسعى لبناء المجتمع الإنساني الذي يحكمه الإسلام ، ومن يتتبع تاريخ وجودهم وعيشهم في بلاد المسلمين يجد صورة ناصعة لطبيعة التعايش السلمي التي اوجدها المسلمون في كيفية التعاطي والتعامل معهم وبالكيفية التي حفظت لهم حقوقهم ومكانتهم في المجتمع , وعلى الرغم من الإختلاف العقائدي مع غير المسلمين وعلى وجه الخصوص اليهود والنصارى فان الإسلام لم يمنع التعامل معهم بل والزواج من الكتابيات , وفي شواهد التاريخ ما يكشف عن سماحة واحسان النبي (?)  والصحابة الكرام في تعامُلِهم مع غير المُسلمين الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية .

  لقد سبق المسلمون غيرهم من الأمم في منهج التعايش السلمي بل وحرصوا على مراعاة الأحوال التي تحفظ هذا المنهج وتحفظ من كان معنياً به , على العكس من القوى المتصارعة مع المسلمين التي لم تألوا جهداً في الحاق شتى انواع الأذى والتنكيل بالمسلمين كلما سنحت لهم الفرصة لذلك , لا سيما في الأوقات التي استطاعوا فيها فرض السيطرة على بعض البلاد التي كان يسكنها المسلمون , اذ جعلوا القتل والانتقام واذلال المسلمين منهجاً لهم وطريقة تكشف عن الحقد الذي كانوا يضمرونه للإسلام والمسلمين .

ان المتتبع لمنهج  التعايش السلمي يجد كثيرًا من الشواهد التاريخية لذلك التعايش , ومن ابرز تلك الشواهد التي ما ظهر في عصر صدر الإسلام , ويتضح ذلك في هجرة المسلمين الى الحبشة وتعايشهم مع نصارى الحبشة , وتعامل النبي (?) مع يهود المدينة (ضمن بنود صحيفة المدينة) , وتعامله مع أهل نجران وأذرح وأيلة , وما ورد في بنود صلح الحديبية , والتعامل الاقتصادي مع يهود خيبر, ووصايا النبي (?) لجيوش المسلمين باهل الكتاب , ووصيته للمسلمين باهل مصر من الأقباط اذا فتحوها , واكل طعام الكتابيين والزواج منهم , كما نجد من الشواهد في العصر الراشدي ما كان من وصايا الخلفاء الراشدين لجيوش المسلمين بحسن معاملة اهل الذمة , والعهدة العمرية لأهل بيت المقدس التي قدمها امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) لهم بعد تحريرها , ومراعاة الفقراء والمحتاجين من اهل الذمة , الى غير ذلك من الشواهد في العصور اللاحقة التي تكشف الصورة التاريخية لذلك التعايش الذي يعكس صورة أن التعايش السلمي منهج اسلامي اوجده هذا الدين كواقع في حياة الأمة وليس اقوالاً وأن الإسلام لا يقصي ولا يضطهد من عاش في كنفه بل انه سيجد تحت رايته مالم يجده من ابناء جلدته .

      ان التعايش السلمي منهج لم يكن وليد عالم معاصر بل هو وليد تاريخ مجيد يمتد الى عصر صدر الإسلام , وأن اول من ابتدأ بتطبيقه في الواقع المجتمعي هو رسول الله (?) ومن بعده الخلفاء الراشدين( رضي الله عنهم ) .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.