( ايوان كسرى في المدائن احد المعالم التاريخية العراقية )

  

 

 ( ايوان كسرى في المدائن احد المعالم التاريخية العراقية )

د.شفيقة جاسم نصيف

جامعة الانبار / كلية الاداب / قسم التاريخ

                                        ( Iwan Kisri in Al-Madaen, one of the historical monuments in Iraq )         

 

الحمد لله والصلاة على اشرف المرسلين والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد ( صلى الله عليه وسلم) وعلى اله واصحابة اجمعين اما بعد :

مثل ايوان المدائن ( ايوان كسرى او طاق كسرى ) دوراً كبيراً في صياغة مفهوم الابهة والفخامة في العمارة الاسلامية ، فقد اشاد المؤرخون بعظمتهِ واتقان بنائهِ ، فقد وصفه ابن جبير الذي زاره عام 580هـ ، بقولهِ : ( وهذا الايوان بناء عالٍ في الهواء ،شديد البياض ، لم يبرق من قصورهِ الا لبعض ،فعايناها على مقدار الميل سامية مشرقة مشرفة ) ،وقال عنه ابو منصور الثعالبي في كتابهِ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : ( يضرب به المثل للبنيان للبنيان الرفيع العجيب الصنيعة المتناهية الحصانة والوثاقة  ،لأنه من عجائب ابنية الدنيا ومن احسن أثار الملوك) ،وهو يقع جنوبي مدينة بغداد ، وقيل ان المدينة نالت هذا اللقب ( المدائن) لكثرة ما بني فيها الفرس من بيوت وتماثيل وان اسمها بالفارسية كان طيسفون ، وقد اتخذها الساسانيون عاصمتهم الشتوية ، كان لاختيارها اعتبارات عسكرية اذ انها محمية بمانع طبيعي هو نهر دجلة من جهة الشرق . 

اختلفت الاراء بحق الباني الاول للايوان ، لكنه على ارجح التفسيرات ان  (سابور الاول بن هرمز الشهير ذي الاكتاف) هو الذي اتخذ من المدائن عاصمة له وسكن فيها بعدما بنى الايوان الا انه توفي قبل ان يتم بنائه فاكمله من بعده الحاكم الشهير كسرى انو شروان وادخل عليه محسنات كثيرة واعتنى بزخرفته ونقوشه وزين جدرانه بالفسيفساء والزجاج الملون ، وكانت ارضه مكسوة بسجاد فخم مطرز بالاحجار الكريمة ، ويذكر المؤرخين ان هذه الفسيفساء جسدت بعض اللحظات الهامة للساسانيين مثل نجاح جيوشهم في اقتناص مدينة انطاكية من البيزنطيين وهو ما خلده الشاعر البحتري في شعره الشهير ، كذلك نصب فيه عدداً من التماثيل حتى اكمله فنُسب باسمه في التاريخ  .

كما يعرف محلياً ، بمدينة (سلمان باك) نسبة الى اسم الصحابي الشهير سلمان الفارسي المدفون هناك ، ورد اسم مدينة سلمان باك في معجم البلدان لياقوت الحموي باسم مدينة المدائن ، وكانت تسمى بالفارسية (توسفون) ومن ثم تم تعريب الاسم الى طيسفون ،الا ان العرب اطلقوا عليها اسم المدائن لانها تضم سبعة مدن وبين كل مدينة واخرى مسافة قليلة .

- ايوان كسرى في مدينة المدائن (سلمان باك)

يعتبر هذا الموقع التاريخي من ابرز واهم ماتبقى من اثار الحضارات القديمة التي عاشت في العراق ، ومكث كسرى في بنائه بضعا وعشرين سنة ، مثل هذا المبنى قصراً رئيسياً للاستقبال في طيسفون العاصمة الساسانية الواقعة على نهر دجلة في العراق ، وكان يمثل ايضا جزءاً من قصر كبير يسمى في المصادر العربية بــ( القصر الابيض ) ، اكمل بناء الايوان على عهد كسرى الاول المعروف بانوشروان (الروح الخالدة) ، بعد الحملة العسكرية على البيزنطيين عام 540م  ، يتكون هذا الايوان من جزئين اساسين هما : المبنى نفسه والقوس الذي بجانبه يبلغ ارتفاع القوس 37متراً ، وعرضه 26متراً ، وارتفاعه 50 متراً ، ويعتبر من اعظم الابنية من نوعه في ذلك العصر ، اذ بني من الحجارة الكبيرة،ويمثل هذا الاثر اكبر قاعة لايوان كسرى مسقوفة بالاجر على شكل عقد دون استخدام  دعامات او تسليح ما يسمى محليا ولدة العامة بــ( طاق او طاك كسرى)، أثار الايوان المغطى لا زال محتفظا بابهته وكذلك الحائط المشقوق وتقوم دائرة الاثار في العراق بصيانة البناء والعناية بهِ ، وفي وسط القصر الابيض (ايوان كسرى) وهو عبارة عن بهو مستطيل هائل الابعاد بعرض قرابة 62متراً وعمق 43متراً اي انها قاعة عرش كسرى وعلى جدرانها رسمت معركة انطاكية التي دارت بين الفرس والروم ، ايضاً كان خلف الايوان الكبير بهو أخر مربع الشكل ، وتحيط بهذين البهوين المركزيين ستة ابهاء اصغر مساحة ، ثلاثة من كل جهة تمتد على كامل طول الواجهة الجانبية في حين امتدت امام الايوان باحة واسعة كانت تعقد فيها الاحتفالات الرسمية على مرأى من كسرى الذي يجلس على عرشه المرصع بالجواهر تحت تاجه المعلق فوق راسهِ من سقف الايوان ،وصف الكثير من الشعراء الفارسيين الايوان واستلهموا منه ، والوصف الاكثر شهرة لخاقاني في القصيدة المسماة بأيوان مدائن ، وباللغة العربية ايضاً قد وصفه البحتري ايوان كسرى في سينيتة المشهورة  .

تعرض ايوان كسرى او مايسمى ايضا بايوان المدائن الى سيل جاء من نهر دجلة في عام 1888م ، ادى الى اختفاء اجزاء منه ، ولم تكشف عمليات التنقيب عما اختفى حتى اليوم ،وما تبقى من معالمه اليوم هو الطوق وبعض الاسس ، يبلغ ارتفاع طوقه عن سطح الارض 30م ، وعرضهِ 25،5مترا ، يطل على الشرق وله ثلاثة ابواب ، واحد من اليمين والاخر على اليسار وكلاهما قرب فتحة الايوان ، والباب الثالث قرب الجدار الغربي لايوان كسرى .   

كان ايوان كسرى قوياً لا تؤثر فيه الفؤوس ، الا انه وفي ليلة مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) سُمع لشق ايوان كسرى صوت هائل وسقط منه 14 شرفة ،وخمود نيران فارس ،  وبعد انتشار الدعوة الاسلامية وتوسع الفتوحات العربية بأمر الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) استطاع القائد سعد بن ابي وقاص  من تحويل الايوان الى مصلى بعد فتح المدائن ، وقيل ان الخليفة علي بن ابي طالب اقام الصلاة فيه ، ومن هنا اوصى الشيخ عباس القمي  في كتابه مفاتيح الجنان بان يصلي الزائر بعد الفراغ من زيارة  ضريح الصحابي الجليل سلمان الفارسي ركعتين او اكثر عند طاق كسرى ، ولاسيما بعدما تولى الصحابي سلمان الفارسي الامارة عليها وبقي فيها حتى توفي ودفن سنة 34هـ . 

 كان الايوان بمثابة قبلة للناس في الماضي ، ولا يكاد يخلو من السياح على مدار العام لاحتوائه على اثار تجسد تاريخ العراق وترمز اليه ، فهو يحظى بمكانة اجتماعية لدى العراقيين ،لاسيما اهل قضاء المدائن للترفيه عن انفسهم وقضاء اوقات ممتعة في ارجائه ، وكان لا يخلو من السياح الاجانب الذين ياتون من كل مناطق العالم للاطلاع على المواقع الاثرية في البلاد .