أهمية الدلالة الصوتية في القرآن الكريم

أهمية الدلالة الصوتية في القرآن الكريم

 أهمية الدلالة الصوتية في القرآن الكريم

د. اسيل رعد الدراجي- قسم اللغة العربية

  يُطلق على اللغةِ بأنها ظاهرةٌ اجتماعيةٌ وأداة التواصل الرئيسية بين البشر ، وهي إضافةً إلى ذلك ظاهرةٌ صوتيةٌ، لها ما يميزها عن سائر الرموز الأخرى غير اللغوية ، ومن ثم فإن دراسة أي نص أدبي دراسة علمية تستوجب البدء بالأصوات بوصفها وحدات مميزة تنتج منها آلاف الكلمات ذات الدلالات المختلفة .

والقرآن الكريم الذي هو أرقى نص أدبي ،كان قد وظف كل ما يمتلكه الصوت اللغوي ، وذلك بهدف بلوغ أعمق مواطن التأثر في المتلقي ،فغدا الصوتُ فيه صورةً متميزة للتناسق الفني وآية من آيات إعجازه .

و من المسلمات في التاريخ اللغوي عند العرب منذ بزوغ  فجر الإسلام و نزول القرآن على نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وسلم ) ، أن المسلمين أهتموا بقراءته ِ وتلاوتهِ و الحفاظ عليه من التحريف فكان الجانب النطقي من أهم وسائل حفظ القرآن الكريم ولعل ارتباط دراسة الأصوات بالقرآن الكريم ولا سيما تجويده وتلاوته التي تستند إلى النطق الصحيح للأصوات وضبط مخارجها وصفاتها هو الذي يقود إلى أنّ علم الأصوات  قد أرتبط بعلم التجويد . لقد حفل القرآن الكريم بهذه الظاهرة الصوتية فكان لها أثر كبير في المعنى العام للتعبير ، فالقرآن يستعمل الألفاظ ذات الجرس الموسيقي الناعم الرخي السلس الموحِي في المواضع التي يشيع فيها جوّ من الحياة الهانئة السعيدة و الجميلة 0000 ويبدو العكس في مواضع كثيرة أُخرى ، إذ قد تتسم الموسيقى بالقوة و الشدة االمناسبة للمعنى الذي أراد تصويره وبيانه ، ويمكن أن تتبين ذلك في قوله تعالى من سورة البقرة [لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيها ما اكْتَسَبَتْ] إذ يُلحظ أنَّ الفعل اكتسب ورد بصيغتين مختلفتين هما (فَعَلَ) و (افْتَعَل) فبين أنَّ السيئة لما كان أمرها عظيماً ، فُخِّمَ اللفظ المُعبِّر عنها ، فقال سبحانه : (اكْتَسَبَتْ)، وأنّ كسب الحسنة لمّا كان مستصغراً بإزائها قال (كَسَبَتْ ).

وإذا حدث إبدال أو إحلال صوت منها في كلمة بصوت آخر في كلمة أخرى ، أدى ذلك إلى اختلاف دلالة كل منهما عن الآخر 000 مثال ذلك النضح و النضخ الثاني أقوى من الأول ، في التعبير عن حركة الماء في قوله تعالى :[فيهما عَيْنان نَضّاخَتانِ]أي فوارتان بالماءِ والنضخ بالخاءِ أكثر من النضح بالحاء ، استعمل القرآن طائفة من الألفاظ ، ثم أختار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها، واستوحى دلالتها من جنس صياغتها ،فكانت دالة على ذاتها بذاتها ،

لذا كان وقع القرآن في الآذان لا يجري وفق نمط واحد رتيب ، بل يتنوع بتنوع الموضوع فتارة يكون ايقاعه هادئاً وتارةً يكون هادراً .

والله الموفق