تقنين لغة الغزل في النقد القديم

تقنين لغة الغزل في النقد القديم

   تقنين لغة الغزل في النقد القديم

-----------------------------

الدكتورة هدى مخبر صياد / قسم اللغة العربية

     حاول النقاد القدامى البحث عن خصائص لغة الشعر وتقرير خصائصها المشتركة   وتقديم ثوابت مقنّنة يسير الشاعر على وفقها ،فقرروا أن للشعر ألفاظا    معروفة وأمثلة مألوفة لا ينبغي للشاعر أن يعدوها ولا أن يستعمل غيرها    فيجب على الشاعر  أن يستعمل في كل طريق الألفاظ المستعملة فيه عرفا لأن ما كثر استعماله في غرضة أو صار كالمخصص لا يحسن إيراده في غرض مناقض    فالكثرة والاعتياد تفرض سلطة فنية على النص لا يمكن خرقها ، فلكل غرض معان وألفاظ  تختص  .

  وفي ضوء هذه التخصيص وضع النقد ملامح للغة  شعر الغزل  تعتمد على حقيقة أساسية يتم قياس جودة اللغة على وفق قربها أو بعدها منها وهي حقيقة كون الغزل ( رقة محضة)   ؛ لذلك يجب أن يكون شعره   حلو الألفاظ  غير كز ولا غامض وأن يضمن من الكلام  ماكان  قريب المعنى لين الإيثار  رطب المكسر شفاف الجوهر   ، فالمذهب  في  لغة الشعر الغزلي  هو الرقة واللطافة   والدماثة  واستعمال الألفاظ اللطيفة  المستعذبة  المقبولة غير المستكرهة ،فإذا كانت  جاسية مستوخمة كان ذلك عيبا ، فكل ما كانت اللغة موحية أو دالّة ، على الرقّة والخضوع  حقّقت المراد ،  وهذه الرّقة  تراعي كل ما تحبه المرأة وتتجنب كل ما تبغضه ؛لذلك منعوا ذكر الشيب في شعر الغزل ؛ لأن النساء تكرهه وتنفر منه.

  إنّ جماليات اللغة المعتمدة على دلالات الرّقة قد تصف نصوصاً قيلت في زمن يخضع لجو ثقافي معيّن ، لكن فرض هذه الجماليات وجعلها قاعدة مطلقة  يجب التزامها ومحاكمة من يخرج عليها أمر لا يتوافق مع طبيعة الشعر والنقد ، فالشعر بطبيعته  متمرد لا يخضع للقواعد تتغير أحكامه ومقاييسه الجمالية  إذ ما من جيل يمكن أن يحس بنفس الطريقة  التي كان يحس بها من سبقوه ، ولا بد لكل جيل من أن يستعمل الألفاظ استعمالا مغايرا .

 

    كذلك  النقد لا تكون أحكامه مطلقة وخالدة ،فالذوق يتبدل ويتغير بتغير الزمان والمكان ، كما أن طبيعة شعر الغزل نفسه لا تتقبل الإخضاع لقاعدة جمالية مطلقة ، فالغزل يتعلق بالمرأة وبقيمتها وخصوصيتها في المجتمعات وهي كذلك قيم  متغيرة ، لذلك يجب على الناقد أن يراعي تلك الحركية  ويطارد تلك التبدلات وينطلق من مقام النص وسياقه ،  عند ذلك لن يقع الناقد في إشكالية الحكم وفق تصور مسبق خارجي عن النص ، ولن يلغي الناقد قصد الشاعر وفاعلية المقام في التكوين الجمالي للنص الشعري .