البحوث الجغرافية ... بين الغاية والوسيلة

البحوث الجغرافية ... بين الغاية والوسيلة

البحوث الجغرافية ... بين الغاية والوسيلة

الاستاذ الدكتور. كمال صالح كزكوز العاني (قسم الجغرافية)                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

تأتي أولى مهمات البحوث العلمية في التطور والابداع ونقل الانسان الى مستوى افضل من خلال الدراسة الميدانية والتجربة والمقارنة والاستنتاج ومن ثم التوصية بما يراه الباحث ذا قيمة واهمية واستنادا الى ذلك لا يكون البحث غاية بحد ذاته وانما هو في حقيقة الأمر وسيلة ويفترض أن يكون كذلك وعلى هذه الوسيلة تترتب غاية كبرى هي الابداع والمواكبة والتطور بنقل المجتمع الى ما يطمح اليه من خدمات وانتاج واشباع ورفاهية.

ان قلب هذه الحقيقة وعدم الموازنة فيها يعني بخساً لميزان المعادلة بين الغاية والوسيلة أذ ان الغاية هدف و الوسيلة هي الطريق الموصل اليه على امل تحقيقه . اما اذا أصبحت البحوث العلمية هي الغاية , فهذا هو الضياع بعينه بل هو موت الجغرافية أصلا وليس بعد ذلك من أمل يرجى أو نور يشع في الأفق ذلك أن الالتباس والتداخل بين الغاية والوسيلة انما يعني ضياع الهدف وضياع من يسعى اليه وهنا تكون الجغرافية براء من معرفة أساء الإنسان فهمها , وهي براء أيضا من انحدار وتراجع لم تعهده الجغرافية أبدا .

وعلينا من باب الصدق و الانصاف ان نترك الجغرافية جانباً , فليس لها من دور سلبي ?ي نقحمها في أمر ليس لها فيه ناقة أو جمل .فالعلة في المنهجية التي يضعها الإنسان , وهنا يدلهم الأمر على نتائج البحوث، بين التخطيط والتنفيذ . فسياسة الدولة - متمثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي - هي جهة تشريعية مخططة , والجامعات بكلياتها الإنسانية واقسامها الجغرافية هي جهات منفذة لذلك التخطيط ولكن الغموض والالتباس وسوء التنسيق مع العامل النفسي - اضافة لعدم التوازن بين الهدف والامكانية الموصلة اليه , هو الذي يخلق الارباك , فينعكس ذلك على مستوى الأداء وقيمة البحث وفوق كل ذلك ليس هناك تكافؤ بين الحقوق والواجبات , فكتابة البحوث وانجازها أمر موجب التنفيذ من وجهة نظر الجهة المخططة , وتضغط العمادات و رئاسات أقسام الجغرافية في الكليات الإنسانية بهذا الاتجاه , في الوقت الذي يرى فيه الباحث هدراً في جهده وضياعاً في وقته وعبئاً على كاهله . بل هو يعلم مسبقاً وعلى يقين أن انجازه سوف يستقر في المكتبات أكواما من ورق , وليس من اذن صاغية لتوصياته في البحث الذي لم يتوصل اليها الا بشق الأنفس .

 إن هذا المآل المر وهذه النتيجة السيئة غير المعقولة، هي التي قلبت للحقيقة ظهر المحن، وأوصلت الباحث الجغرافي الى اعتبار البحث غاية وانجازه هدف.

أما وسيلة التطوير واستثمار المعرفة الجغرافية في تحويل موارد الطبيعة الى نعمة تخدم أهلها فذلك على ما يبدو أمر بعيد المنال ولابد من تأشير الحقيقة هنا الى أن الباحث الجغرافي يكون معذورا في تحويل الوسيلة الى غاية، تحت وصاية مخطط لا يعرف من أين تؤكل الكتف.