الازمة المائية في العراق الواقع والطموح

الازمة المائية في العراق الواقع والطموح

الازمة المائية في العراق الواقع والطموح

اعداد: أ.د. قاسم احمد رمل (قسم الجغرافية)

ان شحة المياه من التحديات الخطيرة التي تواجه كثير من دول العالم اليوم، والعراق واحد من تلك الدول التي تقع ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة. يعتمد العراق على نهري دجلة والفرات في متطلباته المائية وهي شرياني الحياة له، اذ قامت على ضفافهما أقدم الحضارات والديانات بالعالم فكان ولازال وادي الرافدين رمز الحياة والاستقرار. لقد بقى النهران خالدان في جريانهما لسقيا ارض الرافدين اعذب المياه وانقاها مكونا ارض السواد من البساتين والنخيل الشامخة، لكن دوام الحال من المحال فتغيرت الموازين قبل نهاية القرن الماضي وانخفضت مناسيب المياه تدريجيا في شرياني الحياة لتزداد مساحات الجفاف في ارض السواد مخلفة ورائها اراضي جرداء قاحلة في كثير من المناطق التي كانت تزخر بالعطاء والرخاء.

تراجعت التصاريف المائية بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، فبعد ان كان ايراد نهر دجلة السنوي يقارب (49) مليار م3، تراجع الى (11) مليارم3 ومن المحتمل ان يصل في السنوات القادمة الى (9) مليار م3. كذلك الحال لنهر الفرات الذي وصل ايراده السنوي الى (9) مليارم3 بعد ان كان يصل الى أكثر من(30) مليارم3، في حين حولت إيران كثير من مجاري الروافد والانهار التي تصب في شط العرب صوب إيران كما حصل لنهر الكارون الذي يقدر ايراده (8) مليار م3، مما جعل المعادلة صعبة ليصبح شط العرب مالحا مسببا اثارا بيئية متعددة.

ويرجع سبب شحة المياه بالعراق الى ثلاث امور: الاول يرجع العامل الرئيسي في الهبوط الحاد لكمية المياه وتردي نوعيتها في انهار العراق الى سياسة الدول المائية المشتركة ( تركيا وايران وسوريا)  التي تتحكم بالأنهار ومجاريها كما هو الحال في ايران وكذلك ما قامت به تركيا من انشاء مشاريع مائية عملاقة، تتمثل بالسدود والخزانات مثل مشروع الكاب التركي الذي تكمن خطورته بامتلاكه عدة سدود وخزانات  ضخمة تفوق طاقتها الخزنية سعة نهري دجلة والفرات وبإمكانها قطع مياه نهر الفرات تماما، كما ان سد اليسو هو الاخر مثل تخوفا كبيرا لدى السلطة العراقية من تقليل وارد نهر دجلة والتحكم بمياهه. اما السبب الثاني الذي مثل تحديا لزيادة شحة المياه في العراق هو ما يتعلق بالتغيرات المناخية وقلة التساقط مع ارتفاع درجات الحرارة والتبخر وزيادة الجفاف، اذ تشير التقارير الى ان العراق يقع ضمن المناطق التي سوف تشهد اشد انواع الجفاف في العالم سنة 2030. والسبب الثالث والاخير يتمثل بالإدارة المائية الداخلية والتجاوزات على الانهار بطرق مختلفة، مما انعكس على كمية المياه ونوعيتها وتفاقم مشكلة المياه بشكل ملحوظ.

ان غياب اعتماد اتفاقية حقيقية تحدد الحصص المائية للدول المشتركة بأنهار العراق مع تزايد الحاجات المائية في ظل تزايد عدد السكان وظهور مشكلة الاحتباس الحراري وتكرار سنوات الجفاف، اذ تقدر الاحتياجات المائية لمختلف الاستعمالات العراقية بحدود (60) مليارم3 سنويا عدا ما تحتاجه الاهوار لاستدامتها والتي تقدر بـ(16) مليار م3، الامر الذي ينذر بمشكلة حقيقة مالم يتم توقف دول الجوار عن التجاوز على الحصص المائية التي مازالت قائمة في الاستحواذ على المياه وعلى حساب العراق.

امام هذه التحديات يجب على الدولة ومن خلال تدخل الامم المتحدة للضغط على الجانب التركي والايراني لأنهم دائما يركزون على ان الانهار ملك لهم وهي عابرة للحدود، ويهملون (الاصل) وهي مسألة الحقوق والشراكة الحقيقية لدول المنبع والمصب، وهنا يكتفي الجانب العراقي بالحصول على بعض الاحتياجات المائية، ومع مرور الزمن سوف يتم السيطرة على مصادر المياه، لذلك نؤكد على مسالة الشراكة والحصص المائية. ومن الحلول الاخرى اعادة النظر بنمط السياسة المائية وادارتها واتباع ادارة جديدة تعتمد على الشراكة مع المستخدمين للمياه واعتبار المياه سلعة لها ثمن، مع التركيز على حصاد المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي، وانشاء وتصميم مشاريع اروائية حديثة تركز على المقننات المائية وعلى اساس الموارد المائية المضمونة وليس على ما متوفر حاليا، لاحتمالية فقدان معظمها لتحكم الدول الخارجية بكمياتها.