أ.د.ياسر أحمد فياض

أ.د.ياسر أحمد فياض

قراءة في ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت

أ.د.ياسر أحمد فياض-كلية الآداب- جامعة الأنبار

وقع في يدي كتاب الأسلوب في الشعر الجاهلي- مقاربة نقدية بلاغية في إبداع شعراء المدرسة الأوسية، للدكتور عبدالكريم الرحيوي، وعلى الفور بدأت بمطالعة الكتاب لشغفي بدراسة هذا العصر- أي العصر الجاهلي- فقرأت منه ما قرأت من مقدمته وبعض فصوله ومباحثه ومصادره، فاستوقفتني عبارة المؤلف في الصفحة الثانية عشرة في اعتماده على دواوين المدرسة الأوسية ومن ضمنها: ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت، دراسة وتبويب د. مفيد محمد قميحة وصدر عن دار الكتب العلمية- بيروت، ط1/1993.

  في الحقيقة سررت بهذه المعلومة التي كانت خافية عني سنين طويلة وربما على غيري من الباحثين، إذ كنا نعتمد على طبعة وتحقيق د.نعمان محمد أمين الذي حقق شرح الديوان برواية ابن السكيت بكل أمانة علمية- وهي من أوفى النشرات وأكملها في استيفاء أصول التحقيق العلمي- معتمداً على مخطوطة وحيدة نفيسة تحتفظ بها مكتبة عاطف أفندي بتركيا تحت رقم 2777 وتقع في 46 ورقة. كما حقق المحقق نفسه ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت والسكري والسجستاني، وقد اعتمد فيه على مجموعة لا بأس بها من النسخ، قسم يعود إلى شرح السكري، وقسم إلى شرح ابن السكيت، وقسم آخر استعان بما رواه ابن الشجري في مختاراته عن السجستاني.

هنا سؤال يوجه إلى د. مفيد محمد قميحة ويتطلب منه الجواب الصريح، أين مسوغات تحقيق ديوان الحطيئة الذي رأى النور مرتين على يد محقق ثبت أمين؟!

الرد على السؤال الذي طرح قبل قليل يدعونا إلى قراءة ما كتبه المحقق د. مفيد محمد قميحة في مقدمته على ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت.

فالمتعارف في ميدان تحقيق النصوص أنه يحق لأي محقق إعادة أي عمل منشور سابقاً، لكن في ضمن شروط وأسس وضوابط علمية رصينة، فكم من الأعمال الأدبية واللغوية أعيد تحقيقها من جديد سواء أكانت كتباً أم دواوين، بعد أن يشفع المحقق تحقيقه بالضوابط والمسوغات لإعادة تحقيق هذا الديوان أو ذاك الكتاب، ومن ضمنها مثلاً الحصول على نسخة مخطوطة جديدة أو عدة نسخ لهذا الكتاب، أو إضافة قيمة لديوان الشاعر والحصول على مجموعة كبيرة من أبيات الديوان؛ لتشكل تلك الإضافة قيمة علمية وأدبية للمجموع الشعري لذلك الشاعر.

كل تلك المسوغات أو الضوابط تدفع بعض المحققين الثقات لإعادة تحقيق الكتب أو الدواوين مرة ثانية، لكن الذي حصل في عمل د. مفيد محمد قميحة، عارٍ عن تلك المبررات والضوابط والأسباب لإعادة نشره أو تحقيقه من جديد، فالديوان بتحقيق د.نعمان محمد أمين كما أسلفت سابقاً قد رأى النور مرتين، وليس بخافٍ على الباحثين وطلبة العلم رصانة وشهرة هذا التحقيق ومحققه، ولا سيما أن له تحقيقاً قيماً آخر لديوان جرير الشاعر الإسلامي المشهور وأحد شعراء النقائض الكبار، ورأس الطبقة الإسلامية الأولى كما وسمه بذلك ابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء.

ولنعد عودة سريعة إلى تحقيق د. مفيد محمد قميحة، الذي لم يقم تحقيقه على أسس التحقيق العلمي الرصين، ولم يذكر لنا سبب اختياره تحقيق ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت، ثم أين وصف النسخ الخطية للديوان؟ وأين صور المخطوط؟ وأين معلومات المخطوط من الناسخ وسنة النسخ ونوع الخط وعدد الأوراق؟ وأين وأين وأين كثيرة هي التساؤلات، فضلاً عن تلاعبه بترتيب قوافي الديوان وتقديمه وتأخيره بحسب الحروف الهجائية، وأين الفهارس الفنية للديوان التي هي الخصيصة الأبرز في تحقيق النصوص، فأين فهرس الآيات والأحاديث والشعر لغير أشعار الشاعر والأماكن والبلدان واللغة والأمم والقبائل والأعلام ؟ فقد اكتفى المحقق بذكر فهرس قوافي الديوان، لأنه حذف كل الشرح من متن الديوان ووضعه في الهامش، وأبقى على شعر الحطيئة فقط، فأين الأمانة العلمية التي يجب أن يتصف بها المحقق؟

لستُ هنا في محل انتقاد عمل المحقق، لأني سأتناوله في موضع وبحث آخر، إذ سيطول الحديث عنه كثيراً من اختلاف الرواية والتوثيق من المصادر، لكني هنا أنبه القارئ على عمل لا ينبغي الرجوع إليه في العمل الأكاديمي والدراسات العلمية الموثوقة؛ لوجود الأصل القوي وهو بتحقيق المحقق الثبت د.نعمان محمد أمين طه الذي أخرج هذا العمل بصيغة أكاديمية تحت إشراف أساتذة متمرسين بهذا العمل، ولهم الخبرة الطويلة في هذا الميدان.

أما نقد الديوان كما أسلفت ستكون لنا إن شاء الله معه وقفة طويلة جداً؛ لكي لا يتجرأ على تراثنا من يشينه ويشوه صورته وينشر عنه بجهله ما يسيء إليه، وهو ما يعرف بنقد التحقيق؛ للحد من ظهور تلك الأعمال الضعيفة على الساحة الأدبية، وأن يكفَّ أصحابها عن العبث بتراثنا وماضينا.