أ.د. زياد عويد سويدان

أ.د. زياد عويد سويدان

 مدن اعالي الفرات (العراق) في ضوء التنقيبات الاثارية والمصادر الكتابية المسمارية

أ.د. زياد عويد سويدان / كلية الاداب / قسم التاريخ

    ابدأ مقالتي (سلسلة من مقالات ) عن مدن لم تأخذ حقها في البحث العلمي قديماً وحديثاً بل حتى معلومات الطبقة المثقفة تعتمد على بعض الاساطير والخرافات الدارجة بين سكان المنطقة والمتوارثة بين الاجيال ولاسيما عن الاثار وخرائب وبعض الشواخص الحضارية الموجودة الى يومنا هذا.

    سأسلط قلم معرفتي بشيء من اسبار هذه المدن في ضوء التنقيبات الاثارية والمصادر الكتابية المسمارية لرسم حقل الكرونولوجي (Chronology  ) والذي بدأ عندما طرقت اقدام الانسان ارض المنطقة وتلامست بواعث نفسه بمائها وهواءها منذ الالف السنين .

     في ضوء الاطار الجغرافي للمنطقة تضم إقليمين متباينين هما إقليم البادية ( الهضبة الغربية) وإقليم الجزيرة  ، أما الأول يمثل نصف مساحة العراق إذ يمتد من مجرى نهر الفرات من الغرب إلى قلب الجزيرة العربية وبادية الشام. لذا شكلت هذه المنطقة مصدر خطر يهدد سكان السهل الرسوبي (مزارعهم، ومدنهم) ولكن في الوقت نفسه كانت مصدر لهجرة الأقوام الجزرية إلى بلاد الرافدين منذ العصور المبكرة . لذلك اكسبها موقعها في مبدأ الانقطاع والتواصل في الحركة والتنقل بين الاقاليم اهمية تجارية وسياسية . والثانية منطقة الجزيرة – التي تمتد إلى الشمال من الخط المار ما بين "الأنبار" "الفلوجة أو هيت على الفرات إلى سامراء- تكريت" على دجلة . ففي هذه المناطق انتشرت عدة مستوطنات كانت حدودها الجنوبية سپپار (أبو حبه) ومن الشمال أشور (قلعة الشرقاط) ومن الغرب منطقة حنذانو (تل الجابرية على الضفة الغربية لنهر الفرات) ومن الجنوب مناطق الوديان السفلى والعليا والهضبة الغربية . لذا استقر الانسان وللمرة الاولى ضمن هذا الإطار الجغرافي ولاسيما بالقرب من الرطبة في العصر الحجري القديم والوسيط ولكن عندما بدأت التغيرات المناخية تعكس ظلالها على المنطقة في نهاية العصر الجليدي الرابع والاخير وصل الجفاف الى المنطقة واخذ الانسان يتجه نحو الانهار والواحات والبحيرات .

      اثناء المسح الاثاري لمناطق غرب العراق ولاسيما بين عام (1925-1950م) من قبل الباحث (هنري فلندر ) عثر في مناطق مختلفة من الصحراء الغربية منها بالقرب من الرطبة (نقطة ضخ النفط ج-3) ووادي حوران وجبل عنزه على ادوات من الصوان الكلسي من بينها فؤوس يدوية وسكاكين تعود الى العصر الحجري القديم (Palaeolithique) ومصنفة من النوع المستيري والمسمى (لينالوانس) ويحدد تاريخها بحدود (50 الف) خمسين الف سنة او اكثر وهذه الادوات مشابه للأدوات المكتشفة في كهف شانيدار (الطبقة D) . كما عثر على مجموعة اخرى من الادوات في نفس المواقع ولكنها تصنف الى نوع الاورغنيشي والتي تقدر بحدود (30-25 الف سنة ) وهي تتشابه مع الادوات المكتشفة في كهف شانيدار (طبقة C) . كما عثر مديرية الاثار العراقية وقوات الطيران البريطاني بالقرب من الحبانية والرطبة والفحيمي على مجموعة من الادوات الصوانية التي تعود الى العصر الحجري القديم الادنى والوسيط (Metholithque) وتم عرض قسم منها في المتحف العراقي والقسم الاخر في المتحف الطبيعي في شكاغو( الولايات المتحدة الامريكية ) .  كما عثرت البعثة البولونية في حوض سد القادسية ولاسيما في منطقة الفحيمي وجزيرة بيجان على مخلفات العصر الحجري القديم والوسيط ومتمثلة بحجارة قطع من النوع الفرم وفؤوس حجرية كمثرية الشكل وشظايا ومكاشيط وسكاكين تعود الى العصري الاشولي (Acheulean) والموستيري (Mousterian) بحدود (30 الف سنه ). لم تذكر مناطق غرب العراق في العصور المتتابعة حتى نهاية الالف الخامس وبداية الالف الرابع قبل الميلاد,  اذا جاءت عدد من المستوطنات التي تعود الى هذا العصر منها ( تل جوخة وتل اسود وهيت وتل العويسية وطعس الكفار وعنه ) .