أ.م.د. حسان علي الفراجي

أ.م.د. حسان علي الفراجي

  مُخرجات الدّعم الأعمى للجهلة في منصات التواصل الاجتماعي

أ.م.د. حسان علي الفراجي

قسم اللغة العربية، كلية الآداب

 

بات الدّعم في صفحات التواصل الاجتماعي موجّهاً إلى الجهلة وأهل الفسق والفجور خاصة، كما أضحت مقاطع أهل التفاهات والمحتويات الفارغة تلقى رواجاً واسعاً، فظن المتصفحون في البلدان الأخرى أنّهم أعلام العراق ونخبه الواعدة الواعية .

رأيت مقطعاً فيديوياً متداولاً لمهندسة اتصالات وإلكترونيات لديها ماجستير إدارة أعمال، واهتمامات علمية أخرى، تناقش فيه شاباً عراقياً فارغاً اعتلى منصات التواصل الاجتماعي، حسبتُهُ عالماً أو شخصيةً اجتماعيةً مرموقةً ، فانضمت إليه في لقاء بث مباشر، لتتعرف عن قرب سرَّ هذه الشخصية العظيمة ! ثمّ انسحبت من اللقاء قائلة :

  "كلّ شخصٍ يعكس بيئته" .

 عزيزي المتصفح:

 إنّ دعمك التافهين لا يؤثر على سمعتك الشخصية فحسب، إنما يؤثر على سمعة بلدك فانتبه ؛ لأنَّ الناس في البلدان الأخرى يرون المتصدرين واجهات البلد وأعلامه !

إنّ الدّعمَ في منصات التواصل الاجتماعي ينقسمُ -حسب رؤيتي الشخصية- إلى قسمين لا ثالث لهما :

أولهما : دعمٌ متعمد :

 وهو أن يكون المتصفح عارفاً وواعياً التعامل مع الواقع الإفتراضي، فيسجل لأصحاب التفاهات إعجابات وتعليقات ظاهرها الرضا والقبول للمحتويات الفارغة التي لا قيمة لها ولا هدف من ورائها، فهذا دعم متعمد؛ لأنّ المتصفح يعلم بما سيؤول إليه الإعجاب إلى سرعة انتشار المحتوى الهابط أو الزائف، فهذا الشخص الداعم كان سبباً رئيساً في وصول الأخبار الزائفة التافهة إلى أكبر عدد من الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وحال هذا الداعم المتعمد كحال التافه لا فرق .

ثانيهما : دعم غير متعمد : وهو أن يكون الإنسان جاهلاً التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي، فتراه يدعم المفسدين ويناقشهم، ويبدي رأيه فيما يجده عندهم ويتفاعل مع  محتوياتهم التافهة ناصحاً أو منكراً أو مصححاً يفعل ذلك على سبيل الإمتعاظ وعدم الرضا لما يقولون ويفعلون، وهو لا يدري أنّ تعليقه بحد ذاته دعم لهم على البقاء والاستمرار !

 فهذا جاهل ينبغي توعيته وإفهامه خطر دعم الباطل وأهله، فيقال لهذا :

إنَّ الدخول في صفحات التافهين ومناقشتهم وجدالهم يُعدُ نجاحاً وفوزاً ساحقاً لهم، فهؤلاء لو تركوا لخمدت منشوراتهم، لكنَّ التافهين يعمدون إلى ما يثير حفيظة الناس وما يغيضهم فيفعلونه؛ لأنه سيمنحهم شهرة واسعة، فحاصل ما يسعى إليه سقطة المجتمع دغدغة مشاعر الجمهور لجلب مزيدٍ من التعليقات ولو كانت سلبية للوصول إلى : (الشهرة) التي سميت اليوم لدى العراقيين (بالطشة).

 دخلَ رجلٌ مهدداً ومتوعداً فضيحة عاهرة بمقاطع عنده، ويبدو أنّ تلك المرأة قد حدث لها انفصاماً بشخصيتها؛ نتيجة أزمة عاطفية مرت بها وتجربة زواج فاشلة، فصارت تبغض الرجال كلهم، ثمّ أخذت تتكلم بالشاردة والواردة في المباشر ! لكنَّ الرَّجُلَ لم يكن يفقه أنّ مناقشة هذه وتلك يعد دعماً لها ولغيرها، فردت شاكرة وممتمنة له، مطالبة إياه أن يطششها -على حدّ قولها- وهو ما كانت تريده .

فالدعم أو التفاعل الأعمى إذن، بقسميه المتعمد وغير المتعمد كارثي وخطير؛ لأنه يكون سبباً مباشراً في تراجع العارفين وتصدر الجاهلين.