أ.د. مؤيد منفي محمد

أ.د. مؤيد منفي محمد

علم الاجتماع الرقمي

أ.د. مؤيد منفي محمد

/كلية الاداب /قسم علم الاجتماع

   art.mumnmom@uoanbar.edu.iq    

ساهم  الانتشارُ الواسع و المتزايدُ للتكنولوجياتِ الرقمية technologies  digital  في الحياةِ اليوميةِ إلى تأجيج الجدل الأكاديمي حول العلاقات والبناء الاجتماعي فيما سُمي ب عصر « المعلومات  .Information Ageولقد نشأ عن هذه الجدالات  مجالٌ بحثي في إطار )العلوم البينية (  interdisciplinary

يُهتم بالتعقيدات والتناقضات المتعلقة بالتحولات التي يُعتَقد تكنولوجيات الاتصال والمعلومات « تُحدثها عبر الممارسات الاقتصادية والسياسية والثقافية وبوصفنا علماءَ اجتماع وباحثين فنحن نجد فرصا  ومهمة لهذا المجال للإسهام في النطاق  الجديد والناشئ والمتنوع للعمل النظري والتجريبي لرصد  هذه التغيرات. ويمكن القول إن علم الاجتماع وخيالنا السوسيولوجي يواجهان مشاهد رقمية جديدة بدءا من الذوات الإلكترونية إلى مجتمعات الإنترنت  ومن حرب الإعلام إلى اللامساواة الشبكية، ومن الثقافة إلى البنية الاجتماعية. ولقد أمدَّ مجال بحث الإنترنت الباحثين بالكم

الهائل من البحوث التي أسهمت في إعادة تركيز وتحدي وإعادة صياغة السياقات لمفاهيم ظلت ثابتة فترةً طويلة في البحث السوسيولوجي. وعبْر تاريخِه القصير

نسبيا والغني في الوقت ذاته، فإن بحث الإنترنت هو الذي رسم معالم النقاشات

المكثفة عن المستقبل الثوري والتحولي، وما تنطوي عليه الممارسات الافتراضية

من تداعيات اجتماعية قد تسبب الأذى. وفي حين أن البعض قد يزعم أنه  يمكننا الآن إعلان نهاية المبالغة الحوسبية   فإن هدف هذه المجموعة لا يتمثل في تلخيص هذه الأدبيات والمناقشات أو

تقييمها. فاهتمامنا بوصفنا علماء اجتماع   وباحثين دفعنا إلى الاستفسار عن موقع هذا المجال البحثي ضمن مشهد العلوم البينية المتداخلة. وقد نتجت هذه المجموعة

عن فضولنا حول السبل التي كان يتعامل بها علم الاجتماع مع ما نرى أنه حقبة

جديدة في بحث الإنترنت. وانتشار صنوف التكنولوجيا الرقمية المعاصرة والتآلف

معها بحد ذاته يعنيان أن مجالات البحث الاجتماعي قلَّما تُوجَد بمعزل عن شكل

من أشكال التجلي الرقمي. ولم يعد بحث الإنترنت مجرد دراسة لفضاء إلكتروني

غريب، أو غامض، أو مستقل، فلقد شعرنا بالاستياء والحيرة من كم من

الغموض وانعدام اليقين، الذي يواجهه علماء الاجتماع والباحثين وهم يحاولون التفكير على نحو نقدي في نقاط التقاطع والتواصل والتدفق الجديدة بين المجالين الاجتماعي والرقمي. لقد ارتأيت أن تكون هذه المقالة  بمنزلة وقفة تخصصية أكاديمية للتفكير، وتقديم فضاء للتأمل حول الطرق التي تُسْتكشَف من خلالها الاهتمامات والملامح الأساسية لعلم الاجتماع وتفنيدها وتشكيلها وإعادة صياغتها من خلال طرق متنوعة وإبداعية. وبوصفنا علماءَ اجتماع مهتمين بعلم اجتماع التكنولوجيا وبتكنولوجيات المجال الاجتماعي  فإن هذه المجموعة تشكَّلت من خلال التساؤلات الموجودة لدينا حول طبيعة هذا الفرع المعرفي في العصر الرقمي: فهل المفاهيم السوسيولوجية السائدة لاتزال تفي بالغرض أو أنها تمددت إلى درجة فقدت معها شكلها عبر التطبيقات الجديدة والسياقات الاجتماعية المتغيرة؟ وكيف يمكن لعلم الاجتماع إعادةُ تقييم أفكاره الأساسية في مشهد من العلوم البينية المتداخلة؟ وإلى أي حد يُعتبر الخيال   السوسيولوجي  أساسا كافيا يصلح لإجراء استقصاءات حول العوالم الرقمية بالاستعانة بمؤشرات متداخلة بين المجالات المعرفية أو حتى عابرة لها؟ وإذا كان هذا المجال المعرفي ناقصا، فأي نوع من الاستعارات من مجالات معرفية أخرى، وأي نوع من التركيبات والتعارضات نتوقعها أو حتى نشجعها؟ تأكيد حاجة علم الاجتماع إلى أن يتجاوز مفاهيميًّا التضادات الثنائية المتمثلة في الافتراضي/الواقعي، والتحول/الاستمرارية والتي تميز جزءا كبيرا من الجدل   الفكري القائم. هذه النزعة الرجعية نحو الثنائية هي التي شكَّلت الأساليب التي نفهم من خلالها العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع والثقافة. تتمثل في التفكُّر في زيادة التآلف مع العالم الرقمي ودمجه في الحياة اليومية، ومقاومة النزعات الثنائية، وتسليط الضوء على الفوضى والترابطات في المشاهد الاجتماعية الرقمية الجديدة.