أ.م.د منير عبود جديع

أ.م.د منير عبود جديع

                                                              سياسة العزلة المجيدة                                                                               

بقلم الاستاذ المساعد الدكتور منير عبود جديع

جامعة الانبار /كلية الآداب / قسم التاريخ

      سياسة العزلة  المجيدة  هو مصطلح استخدمتها الدبلوماسية  والسياسة البريطانية  الخارجية في القرن التاسع عشر والتي اكدت بتجنب وعدم التورط في  التحالفات الدائمة لا سيما الدول الكبرى، خاصةً في ظل حكومة لورد روبرت سالزبيري  1885    ـ1903. ظهرت الملامح الأولى لتطبيق العزلة   في بدايات عام 1822 مع خروج بريطانيا من التحالف الأوروبي بعد عام 1815 واستمرت حتى التحالف البريطاني الياباني في عام 1902. وبعد الاتفاق الودي مع فرنسا في عام 1904، قُسمت أوروبا إلى كتلتين من القوى وأدت عزلة بريطانيا خلال حرب البوير الثانية بين عامي 1899 و1902 إلى إسقاط هذه السياسة بشكل نهائي. استقدم  المصطلح في عام 1896 من قبل السياسي الكندي، جورج يولاس فوستر، مشيرًا إلى موافقته على أدنى حد من التدخل البريطاني في الشؤون الأوروبية بقوله مشيرا انه في هذه الأيام الصعبة إلى حد ما تقف الإمبراطورية البريطانية العظيمة منعزلة بشكل واضح في أوروبا . ان مؤتمر فيرونا. تميزت هذه السياسة بعدم رغبة الدخول في تحالفات من مؤتمرات المتابعة والتي  اعطت نوع من  التزامات مع الدول الكبرى الأخرى. غالبًا ما طُبقت هذه السياسة في نهايات القرن التاسع عشر، يعتقد بعض المؤرخون أن نشأة هذه السياسة  عندما انسحبت بريطانيا من التحالفات الأوروبية بعد عام 1815 بعد مؤتمر فيرونا في عام 1822. اتخذ هذا القرار جورج كانينغ، الذي سيطرت مبادئه على السياسة الخارجية البريطانية لعدة عقود، ولخصه المؤرخ هارولد تيمبرلي على النحو عدم التدخل؛ عدم وجود نظام أمن أوروبي؛ كل أمة لنفسها، ؛ توازن القوى، احترام الحقائق ؛ احترام حقوق المعاهدات الدولية، ولكن الحذر في توسيع نطاقها... بريطانيا وليس أوروبا... يمتد نطاق أوروبا إلى شواطئ المحيط الأطلسي، وتبدأ بريطانيا  هنا خلال معظم القرن التاسع عشر، سعت بريطانيا إلى الحفاظ على توازن القوى الحالي في أوروبا اي التوازن الدولي، مع حماية طرق التجارة في مستعمراتها ودول الخاصة ي بها ، خاصةً تلك المرتبطة بالتاج البريطاني وتحيدا الهند عبر قناة السويس. في عام 1866، شرح وزير الخارجية اللورد ديربي1799 ـ1969 هذه السياسة على النحو واضح حيث اشار من واجب حكومة ، بحسب موقعها الجغرافي، أن تلتزم بشروط حسن النية مع جميع الدول المحيطة بها، دون أن تدخل بأي تحالف منفرد أو احتكاري مع أي منها؛ وقبل كل شيء،.  استنبط من ذلك معاهدة لندن لعام 1839، التي تعترف ببلجيكا كدولة مستقلة؛ كانت الأهمية الاستراتيجية لموانئ وأنتويرب وزيبروغ البلجيكية هي التي دفعت بريطانيا إلى ضمان الاستقلال البلجيكي، بالوسائل العسكرية إذا لزم الأمر بعد إنشاء الرايخ الألماني في عام 1871، سعى المستشار الألماني بسمارك إلى عزل فرنسا عن طريق تحالف الأباطرة الثلاثة عام 1873 بين الإمبراطورية النمساوية المجرية، والإمبراطورية الروسية والإمبراطورية الألمانية. خرجت النمسا من هذا التحالف عام 1878 بسبب النزاعات مع روسيا في شبه جزيرة البلقان؛ استبدله بسمارك بالتحالف المزدوج في عام 1879 بين ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية، والذي أصبح الحلف الثلاثي عندما انضمت إيطاليا في عام 1882 رغم ذلك، كان الهدف الأساسي من سياسته الخارجية هو الحفاظ على الانسجام بين روسيا وألمانيا، وأقنع النمسا بالانضمام إلى تحالف الأباطرة الثلاثة المعاد تشكيله في عام 1881 ردًا على محاولات فرنسا للتدخل الدبلوماسي في روسيا. عندما تفكك الاتحاد في عام 1887، استبدله بسمارك بمعاهدة إعادة التأمين، وهي اتفاقية سرية بين ألمانيا وروسيا تنص على حيادية إحدى الدولتين في حال تعرضت الأخرى لهجوم من فرنسا أو الإمبراطورية النمساوية المجرية قلق صانعو السياسة البريطانيون  ولا سيما سالزبيري من زيادة القوة الصناعية والعسكرية الألمانية بعد عام 1871، لكنهم اطمأنوا من نية بسمارك الواضحة للحفاظ على الوضع الراهن. تغير هذا بعد إقالته في عام 1890 من قبل وليم الثاني، الذي بدأ لاحقًا سباق التسلح البريطاني الألماني.         

 

     عرف سالزبيري سياسته الخارجية ذات مرة بأنها الطفو بتكاسل باتجاه التيار، مع استخدام خطاف دورق دبلوماسي أحيانًاو يعني تجنب الخوض في الحرب مع دولة كبرى أخرى أو مجموعة من الدول والحفاظ على التواصل مع الإمبراطورية. كان الخوف المتكرر لبريطانيا طوال القرن التاسع عشر هو وصول الروس إلى البحر الأبيض المتوسط عبر القسطنطينية ومضيق الدردنيل. كان هذا عاملاً في نشوب حرب القرم 1853-1856؛ عاودت الظهور من جديد خلال أزمة الشرق الكبرى عام 1875-1878، عندما سببت شعورًا متزايدًا بانعدام الأمن بين الإعلام والسياسيين البريطانيين بعد أن استولت بريطانيا على مصر في الحرب البريطانية المصرية عام 1882، ركزت سياسة البحر الأبيض المتوسط على ضمان الاستقرار، ما دفعها إلى إبرام اتفاقيات البحر الأبيض المتوسط لعام 1887 مع إيطاليا والامبراطورية النمساوية المجرية. وافقت الدول الثلاث على العمل سويًا في أوقات الأزمات، لكن هذه الاتفاقيات لم تكن مفروضة، ولم تتطلب موافقة سمح ذلك روبرت سالزبيري بالتوفيق بين السياستين البريطانية والألمانية دون تحالف رسمي، مع تحقيق التوازن في التدخل الفرنسي في مصر. بما أن بريطانيا شاركت النمسا قلقها بشأن التوسع الروسي في جنوب شرق أوروبا، لم يكن على بسمارك أن يختار بين حليفيه عندما كانا على خلاف في البلقان. انتهت هذه السياسة ذات المنفعة المتبادلة في عام 1890 عندما سُرح بسمارك من قبل وليم الثاني في. في نهاية من القرن التاسع عشر، واجهت بريطانيا تحديات على عدد من الجبهات: في أوروبا، من خلال مزيج من السياسة الخارجية غير المنتظمة وليم الثاني والتوسع البحري الألماني وعدم الاستقرار الناجم عن انهيار الدولة العثمانية؛ في الأمريكيتين، لأسباب سياسية محلية، اختلق الرئيس الأمريكي كليفلاند نزاعًا على حدود فنزويلا مع غيانا البريطانية؛ وفي آسيا الوسطى، إذ انخفض عدد الكيلومترات التي فصلت بين روسيا والهند البريطانية في عام 1800 من 3000 إلى 30 كيلومتر في بعض المناطق بحلول نهاية القرن، قُسمت أوروبا إلى كتلتين من القوى، ونصت سياسة وليم الثاني على إنهاء «الاستفادة .المجانية لبريطانيا من نجاح التحالف الثلاثي في عام 1898، قام وزير المستعمرات آنذاك، جوزيف تشامبرلين، بمحاولتين للتفاوض مع ألمانيا وتحدث علناً عن مأزق بريطانيا الدبلوماسي، قائلاً: «لم يكن لدينا حلفاء. أخشى ألا يكون لدينا أصدقاء... نحن نقف وحدنا». لم ينجح، لكن عكست هذه الجهود إدراكًا متزايدًا بأن العزلة الدبلوماسية لبريطانيا خلال حرب البوير الثانية 1899-1902 تركتها مكشوفة ومعرضة للخطر في عام 1902، وقعت بريطانيا واليابان على التحالف الإنجليزي الياباني629؛ إذا هوجم أحدهما من قبل طرف ثالث، يبقى الطرف الآخر محايدًا وإذا تعرض لهجوم من قبل اثنين أو أكثر من الأعداء، يساعده الطرف الآخر. هذا يعني أن اليابان يمكن أن تعتمد على الدعم البريطاني في حربها مع روسيا، إذا قررت فرنسا أو ألمانيا، التي كانت لديها أيضًا مصالح في الصين، الانضمام إليها. مع استمرار انخراط بريطانيا في حرب البوير، يمكن القول أنها كانت خطوة دفاعية وليست نهاية للعزلة، وهي وجهة نظر يدعمها تي. جي. أوتي، الذي يرى أنها تعزز عزلة بريطانيا عن القارة وأنظمة التحالف الأوروبي. بدأت بريطانيا أيضًا في بناء «علاقة خاصة» مع الولايات المتحدة لم يكن الاتفاق الودي في عام 1904 مع فرنسا والحلف الأنجلو الروسي لعام 1907 تحالفات رسمية وركز كلاهما على الحدود الاستعمارية في آسيا وأفريقيا. ومع ذلك، مهدا الطريق للتعاون في مناطق أخرى، فظهر احتمال دخول بريطانيا في صراع مستقبلي مع فرنسا أو روسيا؛ أصبحت هذه الاتفاقيات الثنائية المتشابكة تعرف باسم الوفاق الثلاثي. دعمت بريطانيا فرنسا ضد ألمانيا في أزمة أغادير في عام 1911، إذ اتفق البلَدان بشكل غير رسمي على التعاون في مجالات أخرى. بحلول عام 1914، كان كل من الجيش والبحرية الملكية البريطانية ملتزمين بدعم فرنسا في حالة الحرب مع ألمانيا، لكن قلةً منهم، في الحكومة، كانوا مدركين لأبعاد هذه الالتزامات. التقييم من قبل المؤرخين تقول المؤرخة الدبلوماسية مارغريت ما كميلان أن بريطانيا كانت معزولة بالفعل في عام 1897، لكن كان هذا أمرًا سيئًا للغاية، لأن بريطانيا لم يكن لديها أصدقاء حقيقيون وكانت في نزاع مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا. تقاطع المؤرخون فيما إذا كانت العزلة المجيدة  البريطانية مقصودة أم فرضتها الأحداث المعاصرة. من جانب اخر ادعى أي. جاي. بّي. تايلور أن السياسة كانت مُطبقة بشكل محدودة: «من المؤكد أن البريطانيين توقفوا عن الاهتمام بتوازن القوى في أوروبا؛ وافترضوا أنها كانت تعدل نفسها بنفسها. لكنهم حافظوا على اتصال وثيق مع القوى القارية من أجل الشؤون خارج أوروبا، وخاصةً في الشرق الأدنى. قال جون شارملي أن العزلة الرائعة كانت مصطلح خيالي في الفترة السابقة للتحالف الفرنسي الروسي في عام 1894، وأن السياسة اتُبعت على مضض بعد ذلك. يؤكد إي. ديفيد ستيل أنه عندما أشار روبرت سالزبيري ذات مرة إلى العزلة المجيدة كان يسخر من أولئك الذين صدقوا احتمال وجودها لم يستخدم روبرت سالزبيري مصطلح العزلة المجيدة لوصف أسلوب عمله في السياسة الخارجية؛ فقد كان واضحًا في رفضه استخدام هذا المصطلح. ورأى أنه من الخطر أن يتدخل بشكل كامل في الشؤون الأوروبية. ذكر أحد مؤلفي سيرته الذاتية أن المصطلح التصق ظلمًا بسياسة الماركيز الثالث روبرت سالزبيري الخارجية لم تكن بريطانيا معزولة خلال هذه المدة ، نظرًا لتحالفها غير الرسمي الناشئ عن اتفاقيتي البحر الأبيض المتوسط وحقيقة أنها حافظت على العلاقات التجارية مع غيرها من الدول الأوروبية الكبرى.                                                                                                              

المصادر

1ـ ا. ج. جرانت هارولد تمبرلي اوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين 1787 ـ1950

2ـ الان جون تايلور الصراع على السيادة في اوربا 1848 ـ1918

     3 Iady Gwendolen cecil lif of robert