الميل إلى اللغات غير العربية من أسباب الانحدار اللغوي

الميل إلى اللغات غير العربية من أسباب الانحدار اللغوي

أ.د. حليم حماد سليمان

جامعة الأنبار – كلية التربية الأساسية / حديثة، قسم اللغة العربية.

قيل" اللغة الإنجليزية ربطت مشرق العالم مع مغربه، وشماله مع جنوبه، فهي تعدّ اللغة العالمية الأولى، وتعلمها مهم وضروري جدا".

وهذه دعوى باطلة لا تصمد أمام المحك العلمي الصحيح، حتى الناطقون باللغة الانجليزية أنفسهم يثبتون ذلك، فهذا صمويل هنتنغتون يثبت في كتابه "صدام الحضارات" أن القول بعالمية اللغة الإنكليزية ما هو إلا وهم كبير، وخلص إلى القول "إن لغة تعد أجنبية لدى 92% من سكان الأرض لا يمكن أن تكون عالمية".

إن هذا التحدي الذي يواجه اللغة العربية اليوم ويدعو إلى إقصائها كونها لغة جامدة لا تصلح لغة للعلم والعصر، مرده إلى الشعور بما يسمى في علم النفس بـ (عقدة النقص) فيحاول البعض أن يضفي على شخصيته شيئاً من الرقي والتطور عن طريق النطق باللغة الأجنبية بين العرب، فبدلاً من أن يقول لك حسناً، أو جيد، يقول لك (OK).

ومن المعلوم أن اللغة العربية هي أكثر اللغات وفرة في المعاني والألفاظ والاشتقاق، ويوجد فيها من الحروف ما لا يوجد في غيرها، ومع ذلك فقد دخلت علينا ألفاظ ومصطلحات ألفنا النطق بها رغم أنها في الأصل غير عربية، (GLASS) للتعبير عن الكأس، وهكذا الكثير من المفردات المتداولة بين الشعوب العربية على الرغم من أن هذه الكلمات والألفاظ غير عربية، مع العلم أنه يوجد في لغتنا ما هو أسهل وأجمل، فبدلا من كلمة (تلفون) كلمة هاتف، وبدلا من كلمة (موبايل) نقال أو جوال أو المحمول أو الخلوي، وكلها ألفاظ عربية فصيحة لطيفة وخفيفة.

وذكر أحد الباحثين: أن دراسات أجريت على طلاب فلبينيين يستخدمون اللغة الفلبينية في دراسة العلوم، تبين أنهم قادرون على فهم التعابير العلمية بشكل أفضل من الطلاب الذين يستخدمون اللغة الإنكليزية.

وقد أثبتت الدراسات أن الطلاب السوريين الذين تعلموا العلوم الطبية والهندسية باللغة العربية هم أقدر من غيرهم من الطلاب الذين تعلموا العلوم نفسها ولكن بغير لغتهم الأم.

ولقد قام بعض أساتذة الرياضيات في جامعة إربد الأردنية بترجمة الكتب المختصة في هذه المادة المقررة على طلاب السنة الأولى، وأخذوا يلقون منها دروسهم عليهم، وكانت النتائج إيجابية جدا لأن استيعابهم لهذه المادة كان قويا، وعندما تغير عميد الكلية، أمر العميد الجديد بإلغاء الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، وأن توضع مكانها كتب باللغة الإنجليزية مما أدى إلى ارتباك الطلاب وتراجعهم.

ويقول الدكتور محمد هيثم الخياط نائب مدير المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط: " لقد دفعني عملي الذي أضطلع به حالياً إلى الاطلاع عن كثب على تعليم الطب في الجامعات المصرية (وسواها) فرأيت أستاذاً يستعمل لغة لا يعرفها لينقل العلم إلى طالب لا يعرف هذه اللغة أيضاً" ويقول: "وأوراق الامتحانات التي اطلعت عليها في بعض جامعاتنا التي تدرس بلغة أجنبية وينجح كاتبوها، لو أنها صححت في البلد الأصلي لهذه اللغة الأجنبية لكان إعطاؤها واحداً على عشرة صدقة من الصدقات".

ويدخل ضمن هذا السبب أيضاً التركيز على  تعلم اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية في كليات التربية في الجامعات العربية مثلاً من خلال رفع نسبة القبول لأقسام اللغة الإنجليزية وتدني النسب المقبولة لأقسام اللغة العربية ، فحتى يقبل أي طالب في قسم اللغة الإنجليزية مثلاً لابد أن يكون معدّله عالياً في هذه المادة ، فضلاً عن إجراء اختبار تحريري وشفوي حتى يتم قبوله فيدخل الطالب في هذا القسم برغبته ، أمّا الطالب ذو المعدّل الضعيف فإنّه يدخل قسم اللغة العربية من أوسع أبوابه من دون إجراء أي اختبار ، فضلاً على معدله الضعيف في مادة اللغة العربية مع عدم رغبته في هذا القسم ، ولكنّ الأقسام الأخرى رفضته فدخل هذا القسم مكرهاً ، فيقضي أربع سنين في هذا القسم من دون أي تقدّم ، يقول (جون إدوارد ) :"أقوى العوامل التي تقف وراء ضعف اللغة هو عدم كفاءة أبنائها وضعفهم أمام الآخر".