ظاهرة الأضداد في اللغة معناها وموقف اللغويين منها.

ظاهرة الأضداد في اللغة معناها وموقف اللغويين منها.

أ.د. حليم حماد سليمان

جامعة الأنبار – كلية التربية الأساسية / حديثة، قسم اللغة العربية 

 

أولاً : معنى الأضداد في اللغة والاصطلاح

التضاد في اللغة : قال أبو الطيب اللغوي (ت351 هـ) : (( وضد كل شيء ما نافاه ،نحو: البياض والسواد ، والسخاء والبخل ، والشجاعة والجبن ، وليس كل ما خالف الشيء ضداً له ، الا ترى أن القوة والجهل مختلفان وليسا ضدين ، وإنما ضد القوة والضعف ، وضد الجهل العلم ، فالاختلاف أعم من التضاد ، إذ كان كل متضادين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين )).

وأما الأضداد في المعنى الاصطلاحي فهو : انصراف الألفاظ إلى معنيين ضدين ، نحو : الجون للأسود والأبيض ، والجلل للكبير والصغير .

ثانياً: موقف اللغويين من الأضداد في اللغة:

موقف العلماء من هذه الظاهرة :

اختلف العلماء في وقوع ظاهرة الأضداد في اللغة  ، فمنهم  من أثبتها، ومنهم من أنكرها .

الفريق الأول : المثبتون :

ومن هؤلاء العلماء ، الخليل ، وسيبويه ، وأبو زيد الانصاري ، والمبّرد، وابن دريد ، وابن فارس وغيرهم ، وهؤلاء ، يعدّون  الأضداد من باب الاتساع في كلام العرب ، فالعرب تصرفت بالكلام لعل منها ما نعلمه ، ومنها ما نجهله ، ولهم في كل ذلك حكمة ، إذ هو من سنن العرب في كلامهم.

وقد بيّن ابن الانباري سبب الأضداد من جهة الأصل بقوله : (( إذا وقع الحرف على معنيين متضادين ، فمحال أن يكون العربي أوقعهما عليهما بمساواة منه بينهما ، ولكن أحد المعنيين لحيّ  من العرب ، والمعنى الآخر، لحي غيره ، ثم سمع بعضهم لغة بعض ، فأخذ هؤلاء عن هؤلاء ، وهؤلاء عن هؤلاء، قالوا :فالجون : الأبيض في لغة حي من العرب ، والجون : الأسود في لغة حيّ آخر ،ثم أخذ أحد الفريقين من الآخر...)).

وذكرت جماعة أنّ (( الحرف اذا وقع على معنيين متضادين ، فالأصل لمعنى واحد ، ثم تداخل الاثنان على جهة الاتساع ، فمن ذلك الصريم ، يقال لليل صريم ، وللنهار صريم ؛ لأنّ الليل ينصرم من النهار ، والنهار ينصرم من الليل ،فأصل المعنيين من باب واحد وهو القطع ... )).

وقد ألّف في هذه الظاهرة عدد من اللغويون ، ومنهم : قطرب ، والأصمعي ، وابن السكيت ، وأبو حاتم السجستاني ، وأبو بكر بن الانباري ، وأبو الطيب ، والآمدي ( ت 370 هـ ) وغيرهم .

والفريق الآخر: المنكرون :

وعلى رأس هؤلاء ابن درستويه الذي ألّف كتاباً سماّه ( إبطال الأضداد ) رد فيه حجج المثبتين له ، إلا أنّ الكتاب لم يصل إلينا ،فلم نتعرف على تلك الحجج التي استند اليها ، لكن السيوطي نقل لنا قوله في ((شرح الفصيح )): (( النّوء : الارتفاع بمشقة وثقل ، ومنه قيل للكوكب قد ناء إذا طلع ، وزعم قوم من اللغويين أن النوء السقوط أيضاً ، وأنه من الأضداد ، وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في إبطال الأضداد)) .

وأشار ابن سيده أنّ أحد شيوخ أبي علي الفارسي كان ( ينكر الأضداد التي حكاها أهل اللغة ، وأن تكون لفظة واحدة لشيء وضده)).

أما موقف المحدثين :

فقد وقع بينهم خلاف حول وقوع هذه الظاهرة ،فمنهم من أنكرها أمثال: الاستاذ أحمد أمين الذي كتب مقالاً في مجلة المجمع اللغوي  في القاهرة ذهب فيه إلى عدم جواز وضع لفظ للدلالة على الشيء وضده ؛ لأن في ذلك تعمية ، في حين أنّ اللغة موضوعة للكشف عن المعاني .

وكذلك الأستاذ عبد الفتاح بدوي في دائرة المعارف الإسلامية  ، إذ أنكر وقوعها في اللغة بحجة عدم الاتفاق مع طبيعتها في تسهيل التفاهم بين الناس ، ولذلك لا يعقل على حد رأيه وجود لفظ له معنيان متقابلان بوضع واحد .

وأما من أثبتها فمنهم الدكتور علي عبد الواحد وافي ، إذ كان يرى أنّه من التعسف إنكار التضاد ومحاولة تأويل أمثلته جميعاً تأويلا يخرجها من هذا الباب ... وذلك أنّ بعض أمثلته لا تحتمل أي تأويل من هذا القبيل حتى أنّ ابن درستويه نفسه اضطر إلى الاعتراف بوجود النادر من تلك الألفاظ ، إذ يقول : (( وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني ، فلو جاز للفظ الواحد الدلالة على معنيين مختلفين أو أحدهما ضد الآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية ، ولكن قد يجيء الشيء النادر من هذا العلل )) .

وقد أيّد الدكتور ربحي كمال ما ذهب اليه وافي ، إذ قال متحدثاً عن الأضداد :   ((...وفي القدر الذي ننكره ونؤوله تأويلاً اخر مناسباً للسياق نجد أنفسنا طوعاً أو كرهاً أمام كلمات حفظ لنا فيها معنى التعاكس )).

وقد ذكر الدكتور إبراهيم أنيس أنّ أكثر كلمات الأضداد في العربية ليس بينها ما يفيد التضاد بالمعنى العلمي الدقيق إلا نحو عشرين كلمة في كل اللغة .