ظاهرة الترادف معناها وموقف اللغويين منها

ظاهرة الترادف معناها وموقف اللغويين منها

أ.د. حليم حماد سليمان

جامعة الأنبار- كلية التربية الأساسية/ حديثة

الترادف في اللغة :التتابع والتواتر، إذ يقال : تواترت الكتب بيننا وتظاهرت وتوالت وترادفت وتتابعت وتواصلت .. والرديف :الذي يرادفك ... ويقال نزل بهم أمر فردف أعظم منه أي تبع الاول ما كان اعظم منه  ويقال : مضى فلان ، واتبعه فلان واتبعه وتبعه ولحقه والحقه بمعنى واحد ، وردفه واردفه ، قال تعالى  : ((يَومَ تَرجُفُ الرّاجِفةُ تَتبَعُها الرّادِفَةُ )).

والرّدف: تبعة الأمر ، يقال : هذا أمر ليس له ردف ، أي : ليس له تبعة ، قال : ترادف الشيء، أي: تبع بعضه بعضاً .

امّا في الاصطلاح : فقد عرفّه الشريف الجرجاني بقوله : (( عبارة عن الاتحاد في المفهوم ، وقيل : هو توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد ))

أو هو (( دلالة لفظين مفردين او الفاظ مفردة على معنى واحد ،ويشترط أن يكون كل منهما قد وضع وضعاً مستقلاً لهذا المعنى ، فالشيء وصفه ليسا مترادفين ،وكذلك الحقيقة والمجاز أو الكناية ))  .

ولذلك يمكن القول : إن الترادف عبارة عن مجموعة من الكلمات المختلفة الحروف والمتفقة المعنى .

وقد عرّف ( أولمان ) الألفاظ المترادفة بقوله: (( ألفاظ متحدة المعنى ، قابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق )) .

الأسباب المكونة للترادف :

1.       تعدد اللهجات العربية :

إنّ تعدد اللهجات العربية ـ التي أسهمت في تكوين العربية الفصحى ـ أدّى الى وجود الكثير من الألفاظ التي تدل على مسمى واحد ، فمن الأمثلة على اللهجات القديمة قولهم : (( الذي يسقط من البسر قبل أن يدرك السراء الواحدة سراءة وهو الجدال ، الواحدة جدالة ، وهو السداء ممدود بلغة اليمن ، وهو السدى بلغة أهل المدينة ، وهو الأسياب ، الواحدة سيابة بلغة اهل وادي القرى وهي الرمخ بلغة طيّئ ، الواحدة رمخة ، وهو الخلال بلغة أهل البصرة وأهل البحرين )) .

ومن الأمثلة على تعدد اللهجات العربية الحديثة ، قولهم : (فكّة ) في اللهجة المصرية ،و(فرافير ) في لبنان ، وفي سوريا والاردن (فراطة) ،وفي العراق (خردة ) وفي ليبيا (رقاق ) ، وفي السعودية (صرافة ) او ( تفاريق ) .

ولعل هذا الامر ينطبق تماماً على لهجات غرب العراق فبعضهم يقول : الزم ،أو اكمش، أو اكضب، أو اكعش ، او چلّب ، وكلها تشير إلى معنى الامساك بالشيء.

2ـ الاقتراض اللغوي :

وهو عبارة عن أخذ اللغة العربية الفاظاً من اللغات الأخرى ، وذلك نتيجة للتجاور بين اللغات ، فيؤدي ذلك الى الاحتكاك اللغوي ، بسبب العوامل الاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها ، فاللغات كلها تؤثر وتتأثر ، ومن الأمثلة على ذلك الاقتراض من اللغة الرومية كاقتراض التريـــاق للخـــــمر، ومن الأمـــــثلة على الاقتـــراض من اللغة الفارسية استعارة الخزبز للبطيخ ، والخيار للقثاء .

ومما يدور في وقتنا الحاضر اقتراض تلفون للهاتف ، و إي ـــ ميل للبريد الالكتروني ،واقتراض الكومبيوتر للحاسوب وغيرها.

3ـ التطور اللغوي:

وهو عبارة عن تطور يصيب المفردة اللغوية ، فتنشأ لها صور تدل على معنى واحد ، وهذا التطور يكون على نوعين :

الأول : التطور الصوتي :

 وهذا النوع اما ان يكون بسبب القلب المكاني كقولهم : جذب وجبذ ، وصاعقة وصاقعة ،أو بسبب الابدال كقولهم: اتملّص من فلان واتملّس واتملّز بمعنى :اتخلص منه  ، أو بسبب الاختلاف في ضبط الكلمة كقولهم : الشهد والشّهد .

والآخر: التطور الدلالي :

وهو عبارة عن تغيير الكلمات عن أصل وضعها اللغوي إلى معان أخر.

ويكون هذا التطور بسبب كالتعميم والتخصيص في الدلالة ، فمن أمثلة التعميم ، كلمة ( البشم ) فأصلها اللغوي التخمة وهي للبهائم خاصة ، ثم كثر حتى استعمل في الناس ايضاً ... وكلمة (البأس ) فإن أصلها اللغوي الحرب خاصة ثم صارت تطلق على كل شدة .

ومن الأمثلة على التخصيص كلمة ( المأتم ) يذهب الناس إلى أنه المصيبة ، لكن الأصل اللغوي لها ، النساء يجتمعن في الخير والشر .

وكذلك تخصيص كلمة ( اسكاف ) بالدلالة على صانع الخفاف ( الخراّز ) في حين أن اصلها الدلالة على كل صانع .

4ـ الصفات الغالبة :

أن يكون للشيء  الواحد في الأصل اسم واحد ، ثم يوصف بصفات مختلفة ، وبمرور الأيام تنسى هذه الصفات ، فتصبح وكأنها اسماء ،ومن الأمثلة على ذلك الخمرة وأسماؤها تلك الأسماء التي كانت في الأصل صفات ، كالصهباء ، والكميت ، والشمول ، والقهوة ، ، والسلافة ، والكفاء ، والخرطوم ....

ومن الأمثلة أيضاً : الأسد وأسماؤه فيسمى بالحارث ، والليث ، والقسورة ، والباسل ، والرئبال ، والضرغام ، والهرماس ، والعزّام ، والدوّاس ...

5ـ الحرص على اللغة :

حرص اصحاب المعجمات ورواة اللغة على نقل اللغة ومفرداتها من قبائل العرب المختلفة ، وهذا الامر  أدّى إلى تجمع مفردات لغوية كثيرة أسهمت في نشوء الترادف .

6ـ إغفال الفوارق الدلالية:

إنّ إغفال العلماء للفوارق الدلالية بين الالفاظ أدّى إلى نشوء ظاهرة الترادف ، ومن الأمثلة على ذلك :  الفرق بين الكسب والجرح ، قال أبو هلال العسكري : (( إنّ الجرح يفيد من جهة اللفظ أنه فعل بجارحة ... والكسب لا يفيد ذلك من جهة اللفظ )).

7ـ التصحيف والتحريف :

إنّ التصحيف والتحريف واقع في الألفاظ اللغوية حتى بعد اختراع التنقيط ،ومن أمثلة ذلك ما ورد للداهية من أسماء نحو : العنقفير ، والغنقفير ، والغنفقير فالتقارب في هذه الصور اللفظية سببه التصحيف والتحريف الذي لحق الكلمة الواحدة .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.