التأليف الأدبي بين الابداع والاتباع في الأدب الأندلسي

التأليف الأدبي بين الابداع والاتباع في الأدب الأندلسي

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / جامعة الأنبار.

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين،

الحقيقة هذه ورقة بحثية مختصرة وربتما تكون مختصرة جداً لضيق المساحة وكثرة المعلومات وغزارة المصادر ولاسيما في كتب المختارات التي تعد من الكتب الأساس في المكتبة الأدبية العربية سواءٌ أكانت المكتبة الادبية الاندلسية أم غيرها في المشرق أو المغرب.

وهناك تواشج كبير في المكتبة الاندلسية الادبية المطبوعة والمخطوطة وحتى المفقودة منها ومما هو بائن وواضح من عنوانات المصنفات التي وصلت إلينا بين المختارات الادبية وبين اصناف التأليف الأخرى في العلوم والفنون المختلفة . ولعل للمكتبة الأدبية الاندلسية فضلاً في تعالق هذا التواشج وصهر تلكم العلاقة التأليفية في بوتقة ابداع واحدة غايتها ابراز الادب الاندلسي بأحسن حلة واظهاره بأفضل ظهور والعناية به وايصاله الى المتلقين كما ينبغي له ، وكما يحق له وهو النفيس في ذلك وذو الشخصية البارزة بين أنواع الادب التي ظهرت في الامصار الاخرى والذي قد اندثر ولم يعد له ذكر اليوم .

ربما كانت هذه التصانيف بتواشجها قائمة على الجمع بين كتب التراجم الشخصية وكتب المختارات الادبية في سلسلة طويلة عرفتها المكتبة الادبية الاندلسية . لما للنص الشعري من اهمية في توثيق المعلومة التاريخية ، او تأكيد الحدث التاريخي حين يأتي بين سطور مَن نترجم لهم من العلماء والأدباء والشعراء والكتاب ... وغيرهم .

ومن تلكم الكتب التي جمعت بين علم التراجم والتصنيف فيه وبين المختارات الأدبية في المكتبة الأندلسية هي :

- تاريخ علماء الأندلس ، لابن الفرضي ( ت 403ه ).

 -الصلة ، لابن بشكوال (ت     578   ه)، على ما فات ابن الفرضي وتتمة إلى عصر المصنف. –التكملة ، لابن الابار البلنسي ( ت    658    ه)، على ما فات صاحبيه وتتمة إلى عصر المصنف.

-الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ، لابي محمد عبد الله بن محمد الانصاري الاوسي المراكشي (ت703ه) ، على ما فات مَن قبله وتتمة كبيرة الى عصر مصنفه .

-الصلة ، لابن الزبير الغرناطي (ت    708   ه )، على ما فات سابقيه وتتمة الى وفاة المصنف في العصور الأخيرة من عصور المسلمين في الاندلس .

هذي اغلب المصنفات التي نضت عن ثيابها والبست حلة جديدة مع كتب التراجم ، وجاءت هنا المختارات ابداعاً لتأكيد الاتباع بكتب التراجم الشخصية التي ظهرت في المشرق ، والابداع كان من الاندلسيين بصنع هذه السلاسل الذهبية في الكتابة والتصنيف والترجمة لتشمل عصور الادب الاندلسي أجمعها.

وهناك من الكتب الادبية التي اعتنت بتراجم الادباء والشعراء والكتاب بحسب عصور معيشتهم في الاندلس أيضاً ، وهي تتسع كذلك اتساعاً كبيراً على المختارات الشعرية ، بل وتعدّ المصدر المهم لها والاول في مراجعنا عن هذا الشعر وباقي أجناس الأدب الاندلسي من مثل الموشح والزجل ... ومن ذلك مثلاً :

-كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الاندلس ، لابن خاقان الاشبيلي (ت529ه).

-قلائد العقيان ومحاسن الاعيان ، للمصنف السابق نفسه.

-جنى الازاهر النضيرة ، علي بن الفخار الرعيني (ت666ه) ، وهو صلة مستملحة ومميزة على كتابي المطمح والذخيرة .

وهناك من كتب المختارات الأدبية ما تواشج علاقة ومضموناً ومنهجاً مع كتب الجغرافيا واستضاف هذا التواشج عشرات الادباء والشعراء والكتّاب بين طيات كل كتاب وكل جزء أو قسم ، وهو ما أُتبع أولاً مع الأدب المشرقي في العصر العباسي ومن ثم اصبح ابداعاً في التوسع والشمول حتى لتلكم المادة المشرقية في الترجمة والتصنيف وحسن الاختيار للنصوص الشعرية . ومن تلك الأعلاق النفيسة في ذلك :

-الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ، ابن بسام الشنتريني (ت 542ه).

-خريد القصر وجريدة العصر ، للعماد الكاتب الاصفهاني (ت597ه ) . واعني القسم الكبير الذي يخصّ الادب الاندلسي فيه .

-الاحاطة في اخبار غرناطة ، للسان الدين بن الخطيب (ت776ه).

إذ إن هذه المصنفات كلها تدخل في نمط التراجم البلدانية ، وهي داخلة في كتب المختارات الأدبية ولاسيما مع النصوص الشعرية الأندلسية البراقة في النظم والتوثيق والابداع في الاختيار والتقييد لهذا الاختيار .

ومن المختارات الادبية الخلّص في المكتبة الأدبية الاندلسية والتي تميزت بحسن الترتيب والتنظيم والمنهج في التأليف من العنوان إلى آخر كلمة وحرف جاءا في مثل هذه المختارات ، وهو ما كان في وكد المحققين وجهدهم لتحقيق هذه المختارات ولأكثر من مرة واحدة ، وما كان من جهد الدارسين والباحثين والنقاد في البحث والتقصي لرسائلهم وأطاريحهم الجامعية وهي كتب نفسية هذا اليوم ، ومؤلفيها يشار لهم بالرفعة والبنان والسمو في كل مكان ، كتب أبن سعيد المغربي (ت 685 ه ) وما فيها من جهود كبيرة في تدوين النص الشعري واختياره من مثل (المُغرب في حُلى المَغرب) ، وهو آية في التنظيم على الأماكن والقصبات ، وكُتبت تراجمه بأسلوب علمي أدبي أنيق جداً، وكذلك مع كتابه الآخر (رايات المبرزين وغايات المميزين )، وأما كتابه (المرقصات والمطربات ) فكان جهداً نقدياً وتدوينياً بارزاً جداً وفيه سمات الابداع بشكل لافت ومميز مما شهد له بذلك الجميع ممن قرأه أو درسه أو تبّحر في تراجمه ومختاراته.

ومن تلك المختارات الأدبية كتاب( المختار من أشعار أهل الأندلس) لابن الصيرفي ( 542ه) ، وهو جميل في أسلوبه وعرضه ولكنه مختصرٌ أكثر مما ينبغي للتأليف له بمثل عنوانه ، أو ربما فُقد أغلبه وأتت عليه عوادي الزمن الجائر وهذا ما دار في فكر المحققين حين تكلّما عن الكتاب ومصنفه ، الاستاذ المحقق هلال ناجي – رحمه الله تعالى – والدكتور المحقق عبد الرزاق حسين .

ومن تلك المختارات الادبية الأندلسية كتاب (السحر والشعر ) للسان الدين بن الخطيب أديب الأندلس وخطيبها ومصنفها ووزيرها في حقب معينة ، وهو في اللطافة في العنوان والبراعة في التصنيف والاختيار والتدوين للنصوص الشعرية بحسب أغراضها الشعرية في المشرق والاندلس .

والحمد لله أولاً وآخراً...