الزهو بالذات عند المرأة الأندلسية - شعراً وفكراً

الزهو بالذات عند المرأة الأندلسية - شعراً وفكراً

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

هي هكذا في عنفوانها وجمالها وعشقها للغلبة على الآخر ، هي هكذا في موجة التمرد القاسية الظالمة لنفسها أولاً وليس لغيرها ثانياً وأبداً، هي المرأة بقوامها وحسن النظر إليها تتغلب على الذات لتزهو بها شعراً وفكراً هناك في رحاب الأندلس ومدنها الفاتنة خلّابة المنظر والخَلق من كل ناحية وشق... و يا الله على ذلك الجمال وسحره التكويني الوجودي في الانسان والمكان والعيش.

المرأة الأندلسية هي التي تزهو بذاتها شعراً وفكراً ، الشعر والفكر متلازمان مذ قدم النقد ، وهل الفكر إلا الشعر كلمات ومشاعر فيما يخصُّ النص الشعري أياً كان نوعه وجنسه وعصره وشاعره وشاعرته ؟! وهل الشعر إلا الفكر الموغل في الأحاسيس وتصوير الذات لما تكتب وكتبت وباحت وستبوح بما تشعر لتنظم . أرى أن أستاذنا الأستاذ الدكتور سعيد عدنان المحنة أصاب كثيراً وكثيراً جداً في دراسته القيمة عن الشعر والفكر ، واستعرض ما يحقُّ له أن يُستعرض رأياً وموضوعاً ومنهجاً في علائق الشعر بالفكر ...

هي هذه أسماء العامرية شاعرة من شواعر الأندلس تبعث رسالة بأبيات شعرية إلى ملك الموحدين عبد المؤمن بن علي تطلب عفواً عن مصيبة ألمّت بها وتركتها في ألم وحسرة وشجن ، تقول زهواً بالذات وفكرها يسمو شامخاً من ألفاظ تلك الأبيات الشعرية التي تقول فيها :

عرفنا النصر والفتحَ المبينا                    لسيّدنا أمير المؤمنينا

إذا كان الحديث عن المعالي            رأيتُ حديثكم فينا شجونا

رويتُم علمه فعلمتموه                 وصُنتم عهده فغدا مصونا

وها هي أم الحسن بنت جعفر الطنجالي تزهو بشاعريتها وحبها للعلم والخط والقرطاس . شاعرة أندلسية أخرى من شواعر مجد الأندلس وتألقها تزهو بذاتها فكراً في حب العلم وطلبه ، والسعي إلى الدرس والسؤال ، وما أجمله من سعي . وشعراً حينما تنظم أبياتاً شعرية توثّق لنا ما تريد من ذلكم الفكر وما يُعتز به وما يزهو به ، تقول في أبياتها الشعرية هذه :

الخطُّ ليس له في العلم فائدةٌ                         وإنما هو تزيينٌ بقرطاسِ

والدرسُ سؤالي لا أبغي به بدلاً                        بقدر علم الفتى يسمو على الناسِ

انظر – هداك الله – إلى هذه الرفعة والسمو في طلب العلم ، والفكر من شاعرة أندلسية وزهوها بذاتها ونفسها على كثير من الخلق فيما تقصد (الرجال ... طبعاً) ، فهي تبرز وتريد أن تبرز شعراً وفكراً بهذه الشخصية من خلال النص الشعري .

مع المغامرات الغزلية ولاسيما ونزهون وولادة ومن يعشقهما عشقاً خالداً نرى الزهو بالذات شعراً وفكراً ، ربما هو الجمال وتهافت الآخرين إليه ، وربما شموخ المرأة وعزتها بنفسها وذاتها لتتفوق على الرجال ... الرجال كلهم.

ما أدق قول ولادة بنت المستكفي ، وما قوة شخصيتها وجبروتها الخَلقي والخُلقي حين قالت :

أنا واللهِ أصلح للمعالي                             وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكن عاشقي من صحن خدي               وأعطي قبلتي من يشتهيا

في يوم المرأة العالمي الموافق : 8 / 3 / من كل عام معيش عندنا وعند الآخرين ، أتساءل هل هناك من النسوة اليوم من تتمتع بهذه الحرية وتزهو بها بكل جرأة وصراحة وإقدام ؟! وهل هن في ديمقراطية اليوم مثلما كانت ولادة أمسِ؟!! لهنّ حق الإجابة والرد... طبعاً .

لما لا يُحتفل بهذه الأبيات الشعرية احتفالاً جديداً للمرأة في يومها العالمي ؟! اقترحتْه الشاعرة الأندلسية بشعرها وفكرها وزهوها بذاتها في النواحي كلها كما فعلت ولادة علماً إنها كانت وفية إلى حدٍّ كبير لعشيقها الأول ابن زيدون شاعر الأندلس وأديبها الذي لا يبارى إلى يومنا هذا ؟! وإن أنكرت ذلك في أخريات حياتها الغرامية بينهما ، فشعرها يدلّ على أفكارها العميقة في الحب ومشاعرها الصداقة فيه أيضاً ، ولا صدقَ في الحب كما يقال – والله تعالى أعلم – تقول في أبيات شعرية أخرى :

تمرُّ الليالي لا أرى البينَ ينقضي                    ولا الصبرَ من رقِّ التشوقِ معتقي

سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً                 بكلّ سكوبٍ هاطل الوبل مغدقِ

وحين تعاتب ذلك الوزير الشاعر الفارس من فوارس الاندلس في السيف والقلم لما مال إلى جارية سوداء ، نرى قمة الصراع مع الذات والزهو بها شعراً وفكراً ، ويكأنها قُتلت أو ضُربت بمنجنيق من بُعد فتُركت جسداً ممزقاً بأشلاء كثيرة ! فهل كان العتاب زهواً جديداً لهذه المرأة في شعرها وفكرها؟! لنستمع إلى أبياتها في العتاب هذه :

لو كنتُ تنصفُ في الهوى ما بيننا                           لم تهوَ جاريتي ولم تتخيّرِ

وتركتَ غصناً مشهراً بجماله                               وجنحتَ للغصنِ الذي لم يثمرِ

ولقد علمتَ بأنني بدرُ السما                             لكن ولغت لشقوتي بالمشتري        

يا لهذا الزهو ولهذه الكبرياء ولذلك الشموخ عند هذه المرأة الأندلسية الشاعرة الأدبية سيدة البلاط القرطبي . يا لهذا الزهو بالذات حتى في العتاب الذي يسبغ على النفس الانسانية الحزن والهمّ ؟!

 وقل عن مثل هذا في شعر نزهون وصاحبها ....

وعن الشاعرة الشلبية ...

لك السلام أيتها المرأة اليوم ، ولك التهنئة بما صنعن أسلافكنّ من زهو وسمو ، أرجو أن يكونا في فكركنّ العميق وانتنّ تفحصن تراثكنّ الأدبي الشعري الزاهر الزاهي بالذات في الفكر والشعر ولاسيما لتراث الأندلس وأدبها وحضارتها .