هيجة الربض او حركة الربض

هيجة الربض او حركة الربض

م.د محمد صكر هاشم الزاوي

قسم التاريخ

كلية التربية الأساسية / حديثة -  جامعة الأنبار

تعني كلمة الربض من الناحية اللغوية الحي او الضاحية ، ويقصد بها هنا المنطقة السكنية التي الجديدة التي تم استحداثها في قرطبة بعد ان قام الامير هشام بن عبد الرحمن باصلاح الجسر الذي كان يربط قرطبة التي كانت مسورة بالالضفة الاخرى من النهر حيث تقع مدينة شقندة ، استقر فيها الكثير من العلماء وكان السبب في ذلك لقربها من المسجد الذي كان على الجهة الاخرى من النهر في مدينة قرطبة القديمة ، استقر في هذا الحي العدد من التجار والحرفيين واصحاب الاسواق والذي كان غالبيتهم من المولدين

الاسباب

تسبب صلب الحكم بن هشام لجماعة من أعيان قرطبة وفقهاؤها كره أهلها له ، وكان لا يميل الى الفقهاء بل الى اللهو والصيد والامور الاخرى ولم يكن ميالا الى وصايا الفقهاء بعد ان انتشرت تسلطهم وقوي نفوذهم في عهد والده هشام بن عبدالرحمن ، حيث بدأ سكانها من المولدين وغيرهم  يتعرضون لجنده بالأذى والسب إلى أن بلغ الأمر بالمحتجين أنهم كانوا ينادون عند انقضاء الأذان‏:‏ الصلاة يا مخمور الصلاة وشافهه بعضهم بالقول وصفقوا عليه بالأكف فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارها وحفر خنادقها وارتبط الخيل على بابه واستكثر المماليك ورتب جمعًا لا يفارقون باب قصره بالسلاح فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم ثم وضع عليهم ضريبة، وهي عشر الأطعمة كل سنة من غير حرص فكرهوا ذلك ثم عمد إلى عشرة من رؤساء قادتهم فقتلهم وصلبهم فهاج لذلك أهل الربض وانضاف إلى ذلك أن مملوكًا له سلم سيفًا إلى صقيل ليصقله فمطله فأخذ المملوك السيف فلم يزل يضرب الصقيل به إلى أن قتله وكانت هذا الدور الاول  ‏.‏

          اما الدور الثاني حيث وقعت بعد 14 عام من مؤامرة الفقهاء الاولى واعدامهم ، وكان السبب المباشر لهذه بسيطا لكن كان الشرارة التي فجرت هيجان الخلاف بين اهل الربض الجنوبي ومحرضيهم من الفقهاء ، حيث نشب خلاف بين الحداد واحد حراس الامير بشأن اصلاح سيف الاخير وذلك بسبب تباطؤ الحداد في انجاز العمل المطلوب منه ، وتطور الامر الى نشوب خلاف بين الحداد وحارس الامير ادى الى مقتل الحداد واثارة حافظة اهل الربض على زميلهم الحداد فقتلوا حارس الامير وتوجهوا الى قصر الأمارة لقتل الامير الحكم باعتباره مسؤولا عما حدث فعبرو الجسر بالرغم من مقاومة حرس الامير  

بداية الاشتباك

كان أول من شهر السلاح أهل الربض واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر وفرق الحكم الخيل والأسلحة وجعل أصحابه كتائب ووقع القتال بين الطائفتين فغلبهم أهل الربض وأحاطوا بقصره فنزل الحكم من أعلى القصر بعد ان طلب قارورة من العطر وافرغها على راسة وكان سبب ذلك حتى يعرف قاتله راسة ويميزه عن رؤوس الاخرين ، وهو يشير الى تهيئة نفسه للموت او للظفر بالعدو   ولبس سلاحه وركب وحرض الناس فقاتلوا بين يديه قتالًا شديدًا‏.‏ ثم أمر ابن عمه عبيد الله على اثر خطة ذكية الى احداث ثلم في السور وخرج منها ومعه قطعة من الجيش وأتى أهل الربض من وراء ظهورهم ولم يعلموا بهم فأضرموا النار في الربض وانهزم أهله وقتلوا مقتلة عظيمة وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور فأسروهم فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم فقتلهم وصلبهم منكسين وأقام الخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام‏.‏

ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث ولم يكن عنده من يوازيه في قربه فأشار عليه بالصفح عنهم والعفو وأشار غيره بالقتل فقبل قوله وأمر فنودي بالأمان على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيا وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم وما خف من أموالهم وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون ومن امتنع عليهم قتلوه.

نهاية الثلاثة أيام

لما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس وجمعهن إلى مكان وأمر بهدم الربض القبلي‏.‏ وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن شهام محبوسًا في حبس الدم بقرطبة في رجليه قيد ثقيل فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم وأطلقوه فخرج فقاتل قتالًا شديدًا لم يكن في الجيش مثله فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن فانتهى خبره إلى الحكم فأطلقه وأحسن إليه وقد ذكر بعضهم هذه الوقعة سنة 202هـ ‏.‏

وأدي بالامان على اهل الربض شريطة ان يرحل المشتركون في الثورة عن قرطبة مع اهلهم وعيالهم. وقام الحكم بهدم الربض بأكمله وصيره على عظمه واصالة بنائه مزرعة. وتفرق اهل الربض في جميع أنحاء الاندلس، ومنهم من جاز المضيق إلى شمال أفريقية، فسكن عدد منهم في مدينة فاس. وسكن آخرون في مناطق أخرى. بينما استقل عدد كبير منهم البحر في مراكب اقلتهم إلى الإسكندرية، حيث أقاموا فيها، غير أن والى مصر عبد الله بن طاهر أجبرهم على الرحيل، فتوجهوا إلى جزيرة كريت وفتحوها سنة 212 هـ827م، وأسسوا بها دولة زاهرة، بقيت هناك إلى أن استولى عليها البيزنطيون سنة 350 هـ قابل الحكم هذه الثورة ببطش شديد، ندم عليه عند موته سنة 206 هـ ندما شديدا

نتائجها :

على الصعيد الداخلي

أدى القضاء على هذه الثورة التي أثارها الفقهاء إلى توطيد الحكم للإمارة الأموية، لأنها أزالت قوة ونفوذ الفقهاء.

وحررت الأمراء من وصايتهم وتدخلهم

على الصعيد الخارجي

استقر أفواج من الربضيين المنفيين الى  الخارج الى الاستقرار فيها حيث استقر قسم منهم في بلاد المغرب بعد ان سمح لهم ادريس الثاني امير الادارسة في مدينة فاس , وأسسوا حي عرف بحي الاندلسيين , ونقلو معظم مظاهر الحضارة الاندلسية اليها حتى باتت تسمى بمدينة الاندلسيين لما فيها من المعالم الاندلسية التي انشئها الربضين القادمون اليها ,

اتجه قسم اخر الى جزيرة كريت حيث كانت تسمى باسم اقريطش وهي تابعة للدولة البيزنطية حيث استولوا عليها بقيادة ابي عمر حفص بن عيسى البلوطي حيث اسسوا فيها دولة حكمت نحو 135عام حتى تم استعادتها بعد تغلب البيزنطيين عليها في عهد الامبراطور رومانوس الثاني عام 349هـ حيث تفرق امر الاندلسيين فيها , حيث نرى ان تأثير الربضيين لم يكن داخل الاندلس فحسب بل تعدى الى خارج الاندلس ليشمل أماكن بعيدة .