رحم الماضي وليد الحاضر والمستقبل

رحم الماضي وليد الحاضر والمستقبل

الدكتور عيد جاسم سليم

قسم التاريخ

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

       إن ما يحدث للعالم العربي في وقتنا الحاضر هو ليس وليد الصدفة وإنما جاء عن طريق العمل المخطط له مسبقا، وان ما يحدث مرة يمكن أن يحدث بالتأكيد مرة اخرى ولهذا العمل توجيه ذكي وإخراج متمرس ولابد أن تكون للصدفة قوانين وخطط و اثباتات وادلة، وان ما تعيشه شعوب المنطقة  حاله يصعب تبريرها أو فهمها، ومن سوء الحظ أن أبا جهل مات في صف المشركين ولو أن الصدفة ساعدته لنجا من العقاب كما نجا الاخرين من الذين من اقرانه.

       وان ما يحدث للعالم العربي اليوم هو مخطط استعماري صهيوني أعدَ له كبار مفكري الصهيونية العالمية، وأن ما أراده هرتزل المفكر اليهودي والداعي الى وضع حجر الأساس لإقامة البيت اليهودي على أرض فلسطين عندما سعى إلى عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا بتاريخ  التاسع والعشرين من  آب 1897 وسعى جاهدا لإقناع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ليحصل مكان لتوطين اليهودي في فلسطين ولكن خيبت آماله، ولم يلقى تأييد السلطان الذي أبى أن يتخلى عن شبر من الارض العربية بدعوى عدم احقيته بالأرض كونها ملك الشعب وليس له حق التصرف بها .

       وقد استغلت الدول الاوربية  المتحالفة ( فرنسا- بريطانيا- روسيا القيصرية) حالة الضعف التي مرت بها الدولة العثمانية لاسيما بعد دخولها الحرب العالمية الأولى سنة 1914م الى جانب المانيا وما لحق بهما من هزيمة وخسارة في المعركة ، ومحاولة بريطانيا اقناع العرب الى جانبها بالوعود الكاذبة والتعهد بإقامة دولة عربية موحدة من المحيط إلى الخليج تحت قيادة عربية يرأسها الشريف حسين  مقابل أن يتخلى العرب عن مساعدة الدولة العثمانية والوقوف إلى جانب الحلفاء، وقد أغتر العرب بتلك الوعود والعهود.

      لم يعي العرب تلك الدسائس التي يحيكها الغرب عن طريق الاتفاقيات السرية التي تسعى الى تمزيق وحدت الصف العربي لاسيما الاتفاقية السرية التي سعى لإنجاحها الدبلوماسي الفرنسي فرانسو جورج بيكو والدبلوماسي البريطاني ماري سايكس والتي انضمت اليها روسيا القيصرية، والتي صيغت    بنودها في الثالث والعشرين من نوفمبر – تشرين الأول 1915 وتمت المصادقة عليها في الثالث من يناير- كانون الثاني 1916 و عرفت بمعاهدة (سايكس – بيكو) التي ظل يجهلها الشريف حسين ومن ورائه العرب حتى فضحتها الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 بعد ان أعلنت انسحابها منها، ومن ثم جاء تصريح آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وكان الغرض منها تأمين مصالح بريطانيا في قناة السويس وتأمين طرق الهند والشرق الأقصى.

تقاسم الكعكة

      مرت السنين والأعوام على معاهدة سايكس- بيكو لسنة 1916م عندما رسمت سياسة العالم العربي وتقسيم الشرق الاوسط الى خرائط على الورقة وطبق على الواقع ووضعت الحدود الاصطناعية بين كل بلد عربي وحددت الجنسية لكل مواطن عربي ضمن الحدود المصطنعة . وبموجب الاتفاق قسمت المنطقة بين بريطانيا وفرنسا فقد حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من بلاد الاناضول ومنطقة الموصل في العراق، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرق بلاد الشام الجنوبي متوسعة بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية

      تم الاتفاق بموجب وعد بلفور وبعد إجراء المشاورات حول المنطقة التي ظللت باللون البني (فلسطين) فقد وضعت تحت اشرف بريطانيا تمهيدا لتسليمها الى الكيان الصهيوني واقامة الدولة اليهودية بموجب وعد بلفور.

العراق بعد الربيع العربي

      عند احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها تم إقرار القانون المؤقت لإدارة الدولة بدلا من الدستور، وقد عملت الولايات المتحدة الامريكية ما بوسعها على أعادة سايس- بيكو الجديدة، والتي ولدت من رحم الماضي، وتم وضع الخطط التي تتضمن تقسيم جميع دول المنطقة بما فيها العراق على أُسس طائفية ، للنيل من قوة العرب والعراقيين، لاسيما وان العراق كان مصدر خطر على الكيان الصهيوني، وقد لاقى هذا المشروع تأييدا من قبل بعض الأطراف في السلك السياسي العراقي لاسيما بعد ان انتشرت الفوضى وكثرت الاضطرابات الداخلية والضغوط الخارجية بإقامة ثلاث أقاليم ( شمال – وسط – جنوب)

     ولا استطيع التحدث والكتابة بأسماء المذاهب والقوميات خوفا من أن يقال بأن  كاتب المقال طائفي لكني استشعرت من تصريحات بعض المسؤولين بالتقسيم على أساس الأقاليم، لاسيما وان جذور العنف الطائفي العراقي لم تكن تعود الى احقاد قديمة، ولكنها حدث بين دعاة اللامركزية، وهو ما يتوافق وخطط الغرب وهدف إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة، وقد طرحت أفكار تقسيم بعض المحافظات من ضمها محافظة الانبار واقامة محافظات مصغرة كما ورد في المادة 119 من الدستور أنه يحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم، وقد عبر سياسيون عراقيون عن دعمهم لفكرة تحويل محافظة الانبار الى اقليم على غرار إقليم كردستان والذي حصل على الحكم الذاتي حفاظاً على وحدة العراق في حينها، وقد ورد اقتراح الحكومة العراقية عام 2014 بتحويل قضاء الفلوجة الى محافظة بحدودها الادارية ، وهناك اقتراح آخر بإقامة محافظة أعالي الفرات في المناطق الغربية من الانبار، وهذا دليل على اتباع سياسة سايكس- بيكو من جديد وتقسيم المحافظة الى وحدات ادارية (محافظات) وفق ما كان مخطط له ضمن مفردات الطاولة المستديرة في باريس والتي وضعت خططها الدول الاستعمارية المجتمعة عام 1920 وبموجب تلك الاقتراحات الداعية إلى تجزئة المجزأ ، فقد ثبت أن التقسيم ليس وليد اليوم وإنما هو مخطط نابع من رحم الماضي.

   يتضح من خلال المنشور ان سياسيي اليوم هم اداة مطيعة وهم من ينفذ ما كان مرسوم على ورق الماضي في خرائط سايكس - بيكو وهم من ينفذ مشروع الغرب القديم الداعي الى التجزئة وتطبيقه على الواقع،  وأن ما حافظت عليه عشائر الانبار(عشائر الدليم) في لواء الدليم  متمثلة بعشائرها وأمراء قبائلها أمثال الشيخ علي سليمان البكر والشيخ مشحن حردان عبد الحميد وشيوخ القبائل العربية في المنطقة  وما قدمه ابناء تلك العشائر من تضحيات لأجل الحفاظ على وحدة القبائل وتماسكها وبناء اللحمة الواحدة سوف يجزئه سياسيو الحاضر من أبناء تلك المحافظة بأوامر خارجية وضغوط داخلية.