الحذف وأثره في توسع المعنى

الحذف وأثره في توسع المعنى

أ.م.د. أحمد جمعة محمود الهيتي

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية/حديثة – جامعة الانبار

عرفت ظاهرة الحذف في اللغة بوصفها سمة جمالية لها لكون المقصود يحصل من اللفظ وإن لم يذكر؛ إذ كل ماله دلالة في سياق الكلام يجوز حذفه، كحذف المبتدأ في جواب من تسأله من أين زيد فيجيبك: في الدار، وحذف الفاعل في جواب من تسأله: أين زيد؟؛ فيجيبك: ذهب، وثمة مواضع يلزم الحذف فيها ليس هنا موضع ذكرها، وهي التي يقع الحذف فيها جوازا تشير إلى شغف العرب بالحذف، بل لشغفهم بالحذف نجدهم يحذفون في مواضع يصعب الحذف فيها، وهي سبب حدا بعضهم أن يحذف في موضع لايصح الحذف فيه، من ذلك ما يذكر عن العجاج أبي رؤبة الشاعر المشهور أنه قيل له: كيف أصبحت؟ فقال خيرٍ عافاك الله، فحذف الفعل (أصبحت)، وحرف الجر (الباء)، فوصف أهل اللغة هذا الحذف بالحذ الشاذ؛ إذ هذا مما يذكره أهل اللغة في المواضع التي يمتنع الحذف فيها، ومنها: حذف حرف الجر بعد الفعل الذي يتعدى بأكثر من حرف، وهذا التعدد بالأحرف يؤدي إلى معان متعاكسة، فالفعل (علم) مثلا يتعدى بالباء فجاز حذفه فتقول: علمت بأنك مجتهد كما تقول علمت أنك مجتهد بالحذف، لكن الفعل (رغب) الذي يتعدى ب(في) و(عن) لايجوز حذف الحرف بعده لأن الحذف يوجد لبسا، أرغب في الشي أم أرغب عنه.

والحذف الجائز منه ما ترتب عليه توسع في المعنى؛ إذ جعل هذا الحذف المعنى متعددا، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: "أن لا يقولوا على الله إلا الحق" في قوله تعالى: " ألم يؤخَذْ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق" (الأعراف: 169) فالكلام يحتمل أن يكون مراداً به بأن لا يقولوا على الله الحق بتقدير حرف جر وهو الباء، كما يحتمل أن يكون المقدر (في) أي في أن لا يقولوا على الله إلا الحق كما يقال: أخذ بالوثيقة في أمره، أي بالثقة وتوثق في أمره: مثله.

كما يحتمل أن يكون المقدر (على) أي على أن لا يقولوا على الله إلا الحق، أي ألم يؤخذ عليهم عهد على ذلك، مثلما يقال: تواثقنا على الإسلام أي تحالفنا وتعاهدنا. ويحتمل كذلك أن يكون المقدر اللام، فيكون المعنى: (لئلا يقولوا على الله إلا الحق).

وهذه المعاني الثلاثة كلها محتملة، وسببها حذف حرف الجر، وهو كثير في القرآن.