(( لعلمه الذين يستنبطونه)) رد على المتهمين للقرآن بالتناقض وتثبيت للمستنيرين

(( لعلمه الذين يستنبطونه)) رد على المتهمين للقرآن بالتناقض وتثبيت للمستنيرين

أ.م.د.أحمد جمعة محود الهيتي

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية/ حديثة – جامعة الانبار

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جعله الله لعباده منقذا ومخرجا، وعلى آله وصحبه أولي الهدى الذين من اقتدى بهديهم وسار على نهجهم نجا، وبعد:

فلأن العقاب غاب عن أذهان المرجفين من المتربصين بكتاب الله تعالى من بيننا ومن خارجنا صرنا نسمع في كل يوم ناعقا، ولكل منهجه وأسلوبه، وهؤلاء لا خشية منهم؛ فهم مأجورون ويريدون تحقيق مآربهم الخبيثة، لكن الذي صار يخشى منه كثيرا أن تلقى هذه الشبهات بين أبناء المسلمين ويستهدفون عقول شبابنا الذين تضاءلت ثقافتهم في حقائق الإسلام وقَلَّت بضاعتهم وهم يواجهون هذه الهجمات، ومن هذه الشبهات التي نسمعها أن في القرآن الكريم تناقضا في آياته الكريمة بعضها ببعض، وأنا أقول: إننا عُلِّمْنا لو كنا نعلم، فقرآننا علمنا منهجا تركناه في حين إن حاجاتنا إليه ماسة، فيكفينا في هذا أن نستمع بأذن واعية إلى قوله عز وجل: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى? أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا))، وآخر هذا النص لايشمل كثيرا منا؛ لأن فينا كثيرا ممن انزلق وآثر اتباع الشيطان وأتباعه، وحرم نفسه من فضل الله ورحمته، وأنا أؤكد على أننا من أغفل العلاج لمثل هؤلاء وصار كثير منا يتبع كل ناعق، وتأكيدي يأتي من أن موضوع التناقضات التي قد تفهم من بعض النصوص لم يغفلها أسلافنا من العلماء المسلمين، ولهذا تجدهم منذ أيامهم يقفون ليعلمونا اليوم ولنعمل بما يعلموننا، ويشخصون لنا ما قد نفهمه أو يحاول غيرنا أن يفهمنا أنه تناقض في كتاب الله، ويصفون الحل والعلاج لما قد يصيب قلوبنا من أباطيل الشيطان وأتباعه. وأمثلة ما قد يثار من شبهات وتضليل كثيرة، ووقوفهم عندها أكثر:

 فخذ مثلا قوله تعالى((قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَ?كِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ))، فإن في النفس شيئا منها مفاده: أن الشيطان قال كما في آية أخرى: ((لأغوينهم أجمعين))، فكيف قال ((ما أطغيته))؟ ولو عدنا لوجدنا التوجيه لهذا عندهم، وهو: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَيْ لَأُدِيمَنَّهُمْ عَلَى الْغَوَايَةِ كَمَا أَنَّ الضَّالَّ إِذَا قَالَ لَهُ شَخْصٌ أَنْتَ عَلَى الْجَادَّةِ، فَلَا تتركها، يقال أنه يضله كذلك هاهنا، وَقَوْلُهُ مَا أَطْغَيْتُهُ أَيْ مَا كَانَ ابْتِدَاءُ الإطغاء مني.

ومثله ما قد يفهم من تناقض في قوله تعالى: ((وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)) مع كثير من النصوص التي تثبت أن المال لله تعالى، فهنا أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ أخر أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، وَقَالَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وسَبَبُهُ كما نجد عند أهل العلم أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ كَانَ الذِّكْرُ لِلْحَثِّ، فَذَكَرَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ الْحَثَّ وَيَرْفَعُ الْمَانِعَ، فَقَالَ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ وَاللَّهُ يرزقكم فلا تخافوا الفقر وأعطوا، وأما هاهنا فَمَدَحَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَى الْحِرْصِ حَاجَةٌ.

وثمة موضع تجد فيه ما قد ينسب التناقض في القرآن الكريم، فللسائل أن يقول كيف قال الله تعالى(( والله متم نوره ولو كره الكافرون)) فنسب الى نوره عدم التمام وفي موضع آخر يصف نوره بالتمام والكمال؛ فيقول : (( مثل نوره كمشكاة))، وهو مما تصدى له علماؤنا وبينوه بكلمات يسيرة، وهو أن الله تعالى قال: مُتِمُّ نُورِهِ في موضع، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَثَلُ نُورِهِ، لأن النور الأول غير النور الثاني؛ إذ نُور اللَّه فِي ((مثل نوره)) هُوَ اللَّه تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ، وَفي ((متم نوره)) هُوَ الدِّينُ أَوِ الْكِتَابُ أَوِ الرَّسُولُ، ولهذا قال الله تعالى ((اليوم أكملت لكم دينكم)).

هذه مواضع عرضتها أوردتها أمثلة لتثبت أن التقصير ليس في علمائنا، فدونكم مؤلفاتهم؛ فهي منهل عذب لمن ابتغى الهدى والرشاد، وأن عدم بحثنا عن التسلح ضد من يريد النيل من كتابنا هو من تقصير من بقي يتلفت يمنة ويسرة، وهو ما أصيبت الأمة به، وستبقى ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) تلاحق عجزنا إن نحن عجزنا عن التصدي لأهل الشبهات والمتربصين، وتقول لنا إن السلاح في كتب علمائكم، ومن أراد النجاة فليستمسك بعراهم الوثقى؛ فهم سادة الميدان الذائدون عن عرى كتاب الله ودينه الحنيف، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتمهم الأمين.