طلال سالم الحديثي ... مقالياً.

طلال سالم الحديثي ... مقالياً.

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة – جامعة الانبار.

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين ، والحمد لله في الدارين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه الغرّ المنتجبين ، وبعد ،

لا يخفى على دارس الادب العربي وقارئه ومتلقيه أهمية المقال جنساً أدبياً ظاهرياً في الأداء والمعنى وتواصلياً في الافكار والرؤى والمضامين عند الكاتب ومنذ بواكير  القرن المنصرم ، وفي بلدان عربية عدة كبيرة الثقافة والتحضر ، مميزة الآداب والفنون بارعة في ولادة العلماء والأدباء والكتّاب من مثل : مصر ، والعراق ، ولبنان ، وسوريا ، وفلسطين، وتونس .

وكانت المقالة صحفية إعلامية ، تنشر في الصحف والمجلات التي تستوعب كاتبيها ومبدعيها وظهر ذلك في مصر أولاً ومن ثم في العراق وباقي بلاد الشام وبعض بلاد المغرب العربي وحتى في دول من الخليج مثل السعودية . وكان الاعجاب والثناء ينثال انثيالاً على هذا الجنس الأدبي لما فيه من أفكار وتراكيب مبسطة تؤدي الفكرة وتعالج الموضوع بشكل مباشر وصريح ومختصر.

شاعت في البدء المقالة السياسية التي ناهضت الاستعمار وعملاءه ، وأُشتهر بها كاتبون كثر من بلدان العروبة المختلفة التي ذكرت أو لم أذكر والتي ذاعت فيها المقالة وانتشرت بسرعة ونجاح . ومنها الى المقالة الاقتصادية والمرتبطة بالسياسة أحياناً ، وإلى المقالة الاجتماعية التي تتناول زوايا المجتمع وروابطه المتنوعة ، ومنها المقالة الدينية التي تنماز بالكتابة في موضوع ديني سهل يعالج قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية . إلى المقالة الأدبية التي تعدُّ أوسع أنواع المقالات وأكثرها انتشاراً وشيوعاً إذ فيها ظهر النقد الأدبي الحديث والمعاصر ، وفيها ظهر الكتّاب المبدعون بأسلوب شعري أو قصصي أو نثري منمق في الموضوعات التي يكتبون فيها في موضوعات الأدب والشعر وميزات الأدب العربي في التجديد والابتكار في عصوره المختلفة من الجاهلية إلى يوم ولادة كل مقالٍ بعنوانه ومضمونه . ومن أولئك الكتّاب في المقالة : طه حسين ، وأحمد حسن الزيات ، وزكي مبارك ، و علي جواد الطاهر ، ومحمد صابر عبيد ، وضياء خضير ، وعدنان سعيد المحنه ،وزكي ذاكر العاني ، ومحمود عبد الله الجادر ... والقائمة تطول وتطول طبعاً بما لا تحصى وتعد .

وكانت بعض هاته المقالات حاضرة في الاذاعة أيضاً ، ومن ثم في شاشات الرئي (التلفاز) وحُوّلت إلى مقالات للقراءة في الصحف أو المجلات التي تعتني بها وتتبنى نشرها ، ومن ثم في كتاب أو مجموعة كتب ولا أبعد من ذلك كتاب الدكتور طه حسين (حديث الاربعاء) الذي صدر في أربعة أجزاء سمينة في العنوان والمنهج والمضمون ، ودليل ذلك فيه الدراسات التي كُتبت عنه في النقد والأسلوب والآراء في الشعر والشعراء ولاسيما لشعر العصر الجاهلي وشعرائه.

 وكانت بعض الصحف العراقية والعربية تخصص أبواباً ثابتة للقراء تحت عنوان واحد أسبوعياً أو شهرياً وبحسب صدور الصحيفة أو المجلة . وربما ينتاب على كتابة هذا الباب الثابت المتجدد كاتب واحد أو كتاب مختلفون ، وهو ما يُشهر الصحيفة أو المجلة ويجعلها في فكر القوارئ ومن بين اهتمامهم في طلبها والسعي للحصول على أعدادها ، ومن الكثيرين ممن يحتفظون بها إلى يومنا هذا بل ويؤرخون لأعدادها ولأفضل أو أجمل مقال قرأوه  وأُعجبوا به!

وموضوعات المقالة متطورة وتتطور في مجالات الادب والنقد وعموم علوم اللغة العربية ، فهي مقروءة ومتابعة من قبل الكثيرين ، زادت التقنية الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من اشهارها وايصالها الى القارئ وهو في بيته وحديقته وسيارته ومكتبه ، بلا تعب أو عناء أو بذل جهد أو مال . وظهر هناك الكثيرون من كتّاب المقالة ولا سيما المقالة الأدبية والنقدية صحيح أن البعض منهم ما زالوا في بدء الطريق ولديهم بعض هنوات ممكن اجتنابها إلا إنهم ساهموا في ديمومة هذا الجنس الأدبي واستمراريته وتفوقه على غيره من أجناس الأدب العربي الأخرى في بعض الأحايين .

لعلّ من تلكم الموضوعات المهمة في عالم المقالة اليوم ، والتي دخلت حديثاً ومعاصرة إلى أدبنا العربي ونقده :

-          النقد البنيوي.

-          قراءة في كتاب جديد .

-          الصادر في المكتبة الادبية .

-          الصادر في المكتبة النقدية .

-          مراجعات الكتب .

-          قراءات في الكتب المحققة .

-          مع عالم في النقد .

-          مع عالم في التحقيق .

-          في نقد التحقيق .

-          في نقد التأليف .

-          في نقد الترجمة .

-          شخصية من بلادي .

-          المسرح التجاري.

-          أهمية المسرح .

-          وظيفة المسرح .

-          التصويب اللغوي .

-          قل ولا تقل .

... وإلى غير هاته الموضوعات ، ولديّ مؤكد وموثق ما يغني عن هذه الموضوعات كلها ، ويثبتها نصاً ونشراً للقارئ الكريم وهي غير خافية عليه وعلى الجميع .

لقد أطلعت – بحمد الله وفضله – على مئات التراجم لعلماء الأمة الاسلامية من المؤلفين والمصنفين القدامى ، ووجدت في آثارهم ومدوناتهم الباقية أو الضائعة أن لديه أكثر من مئة كتاب ورسالة ، أو أربعين رسالة ومصنفاً ... وفي ظنّي أن هذه الرسائل هي لا تتجاوز المقالة اليوم في صحائفها أو عنوانها أو أفكارها ومضامينها ؟!

أما عن المقالي الكاتب الناقد الأديب المبدع طلال سالم الحديثي فهو كاتب موهوب جداً في كتابة فن المقالة ، كما عُرفت موهبته في أنواع التأليف في اللغة العربية وآدابها ومنذ وقت مبكر في حياته الجامعية ومن ثم في حياته الوظيفية وحياته العلمية والفكرية . وله عشرات التآليف في التراث والفلكلور والنقد ، كما له في كتابة الروايات والقصة القصيرة جداً والتدوين السيري للآخر ، وله في تحقيق النصوص ومراجعات الكتب وتقديمها من جديد تقديماً أدبياً علمياً إشهارياً ولاسيما لمصنفين انتقلوا إلى عالم الآخرة من قدامى ومحدثين ، وفي ثبت آثاره في هذا الكتاب ما يؤيد كلامي عنه ويدعم صحته ويوثقه .

وكان الاستاذ الناقد الاديب المحقق طلال سالم الحديثي من أوائل من كتب المقالة وأُشتهر بها وفي مجلة ((الحياة )) كان له عمود خاص به تحت عنوان سوانح ملتهبة ، وهي المجلة التي عُرفت في منتصف القرن الماضي أو قبله ، وهذا ما يدلّ دلالة قاطعة على سبقه على الآخرين في كتابة هذا الفن والإبداع فيه بموضوعات مختلفة تناولها الأستاذ المفكر طلال سالم الحديثي في النقد ومراجعات الكتب ونقد التأليف والتحقيق والترجمة والمسرح وآليات السرد.  وتطبيقاته مما سيراه المحبون للمقالة ولهذه الشخصية في كتابي هذا – إن شاء الله تعالى –   .

ويلحظ القارئ لمقالات الأستاذ طلال سالم الحديثي متعة الأسلوب ، ودقة التعبير موافقة لعنوان المقال الذي يكتب فيه ويعرّفنا بما فيه ، وهو يمارس النقد بأسلوب مفهوم مطيع للنص الذي ينقده ويخرج بأحكام علمية وعملية في آن واحد . وكذلك يلج المسرح ويكتب فيها مقالاً ومقالاً ، وإلى نقد الكتب ومراجعاته مما لم يكن معروفاً عن الكثيرين فكان سابقاً مقدماً في هذه الموضوعات ولم يزل يمارسها كتابة مقالياً فيواصل الجدة بالماضي ، والجديد بالتليد في حب منقطع النظير للأدب والشعر والسرد والمسرح ، وفي شغفٍ وشغف للكتاب وقراءته ونقده منهجاً ومضموناً ، فله التحايا العاطرة والدعوات الصادقة بمزيدٍ من التألق والإبداع والنتاج في مجالات الأدب وفنونه وأجناسه وهو المتمكن في ذلك المحكم فيه ، طال عمره وانتشر علمه.

علماً إني سألحق هذا الكتاب بكتاب آخر يتناول مقالات الأستاذ طلال سالم الحديثي النقدية، جمعاً وإعداداً وتقديماً ودراسة ، إذ هي كثيرة ومتوافرة نُشرت ولما تزل تنشر إلى يومنا هذا بفضل الله تعالى وحمده ، وهو مبرّزٌ فيها غاية البروز ، فلقد عاشر النقد الأدبي بوسائله كلّها ومناهجه كلّها ، وعرف نقاده وشعراءه على حدٍ سواء وكتب عنهم من أمثال :

-          سامي مهدي .

-          حسب الشيخ جعفر .

-          عبد الوهاب البياتي .

-          آمال الزهاوي .

-          حميد سعيد .

-          رشدي العامل .

وأسلوب الحديثي ممتع في القراءة ولاسيما مع فن المقالة الذي يحتاج إلى هذا الأسلوب في الكتابة للقارئ الذي يبحث عن المعلومة المختصرة الوافية الشيقة في الفكر والطرح والمناقشة.

كتب الأستاذ المقالي طلال سالم الحديثي في عناوين كثيرة منها ما أختص بعلم النقد الأدبي ، والمسرح ، والتراث المحقق ، والفلكلور الذي عشقه وكتب فيه الكتب وحقق له المصنّفات وآثره بكثير من المقالات.

أربت مقالات الحديثي على المئات منها أغلبها نُشر وهو ما يروم صاحب هذا المقال جمعها في كتاب أو أكثر ، فضلاً عن إن المقالي الحديثي لم يزالْ يكتب وينشر المقالة والمقالة في الموضوعات الجديدة والمبتكرة في الآليات النقد المعاصر ، ومراجعات الكتب ، وعلوم الفن والرسم والتشكيل ، والشخصيات الإبداعية المميزة التي اهتمت بمثل هاته العلوم والفنون ... وفقه الله لكل خير وعافية وعلم .