علي ابراهيم كردي، دراسة في حياته ونماذج من آثاره

علي ابراهيم كردي، دراسة في حياته ونماذج من آثاره

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة – جامعة الانبار.

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين ، والحمد لله في الدارين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه الغرّ المنتجبين ، وبعد ،

هو  ذلك الأستاذ المترع في صفاء الأخوة والمحبة ، العاشق للأدب من وجهة التراث والتحقيق ، المحبّ لكل من يخدم هذه اللغة وهذا الأدب الخدمة الفعلية المرضية ، فله من الله – سبحانه وتعالى – ما يستحقّ من الصحة والسلامة والعمر المديد إكمالاً لما يريد.

ولد المحقق الثبت والأديب الكبير الأستاذ الدكتور علي إبراهيم كردي في عام 1956 في القطر السوري الشقيق ، وهناك تلقى تعليمه الأول في مدارس القبطرة ومن ثم في مدارس حلب إلى أن حصل على الشهادة الثانوية بجدارة وتميّز ، وبعدها انضم إلى قسم اللغة العربية في جامعة دمشق وفي كلية الآداب ليتخرج منه بتفوق أعجب الجميع وأشاد به.

كان معيداً عمل في القسم نفسه ، انضم إلى ثلة طيبة مرموقة من طلبة الدراسات العليا لدراسة الماجستير في اللغة العربية وآدابها ، ليحصل فيما بعد الدراسة التحضيرية والكتابة على درجة الماجستير وبتقدير ممتاز عن رسالته التي حقق فيها رحلة العبدري تحقيقاً علمياً جاداً مميزاً.

إلى تونس الخضراء أُبتعث صديقنا الأستاذ الدكتور علي إبراهيم كردي لينال درجة الدكتوراه في الأدب العربي في جامعة منوبة العلمية الثقافية المتألقة في ذلك البلد العربي الجميل آنذاك ، وحصل على الدرجة العلمية المذكورة عام 1993، في أطروحته العلمية الجليلة عن شعر الموحدين وموضوعاته ومعانيه ، بإشراف الأستاذ الدكتور المحقق جمعة شيخة.

بعد عودة هذا العالم إلى بلده محملاً بثقافة قلّ من يتملكها تدرّج في الألقاب العلمية إلى أن حصل على الأستاذية باستحقاق أيضاً ، ودرّس مناهج أدبية كثيرة منها : الأدب العربي في العصر الجاهلي ، والأدب الإسلامي ، والأدب العباسي ، والأدب الأندلسي الذي كان نديمه وسميره ومعشوقه المميّز.

اشرف الأستاذ الدكتور علي على الكثير من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه بصفة رسمية ونال طلبته الدرجات العلمية المذكورة باستحقاق وجدارة ، وهؤلاء الطلبة هم أساتيذ الأدب العربي في عصوره المختلفة في جامعات الشام اليوم أو في جامعات عربية في المملكة العربية السعودية وفي دولة الأمارات العربية المتحدة وغيرهما ، مما يشاد لهم بالبنان والرفعة والسمو ومن قبل الجميع .

ولقد شارك الأستاذ الدكتور المحقق علي إبراهيم كردي في مؤتمرات علمية كثيرة داخل القطر السوري الشقيق وخارجه ، وحصل منها على شهادات تقديرية ودروع تكريمية جزاء علمه وبحوثه التي انمازت بالإصالة والإبداع والجدة .

له الكثير من الأبحاث والدراسات التي نُشرت في المجلات العلمية المحكمة في العالم العربي وفي خارج هذا العالم أيضاً ، وله كذلك من الكتب العلمية ومن الأعمال في التأليف والتحقيق والنقد ما يزيد على خمسة عشر عملاً مهماً في المكتبة الأدبية ، وفي علم التحقيق والجمع ، ولعلّ منها:

-    تحقيقه لديوان الجراوي المالقي وصنعته ودراسته لهذا الديوان الذي نُشر في دمشق ، في العام 1994، وهو تحقيق علمي جاد في أصوله المتبعة وخطواته العلمية بحسب آليات مناهج التحقيق المعتمدة في الجمع والتوثيق والتخريج .

-    تحقيقه العلمي الكبير لرحلة العبدري ، نُشر في دمشق في العام 1999، وهو مما يتوافر على الشابكة العنكبوتية (النت) ، وهو تحقيق مهم وتام العمل والصفحات لهذه الرحلة التي فيها الكثير من الفوائد العلمية الجغرافية والتاريخية والأدبية ، فضلاً عن نصوص شعرية كبيرة وكثيرة حوتها الرحلة وتعدُّ مصدراً مهماً من مصادر التخريج فيها.

والأستاذ الدكتور المحقق كردي فاق من سبقه في تحقيق هذه الموسوعة الأدبية الفكرية الرائعة في جمع نصوصها وترتيبها وتشكيلها وصنع فهارسها وهوامشها الكثيرة التي تنمّ عن جهد كبير ورائق ومشهود أدهش الجميع ، وأثار غيرة بعض الحاقدين والحاسدين عليه وعلى العلم وتمنوا لو حققوها ونشروها .

-    تحقيقه ودراسته المهمة على هذا التحقيق لكتاب العالم الأندلسي الكبير ابن عبد البر القرطبي (الاهتبال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال)، نُشر هذا التحقيق العلمي الجاد لهذا الكتاب في أبو ظبي ، في العام 2010 ، وفيه جهد قيم ينشر لأول مرة مع دراسة عن الشاعر العباسي الكبير أبي العتاهية وزهده وأمثاله التي لا تنسى في أشعاره وبما يعرف بذلك الجميع، فضلاً عن علق أدبي نفيس لأديب وعالم وزاهد وفقيه من أعلام الاندلس هو ابن عبد البر القرطبي.

-   ما يعوّل عليه في المضاف والمضاف إليه ، للمحبي ، ونُشر في أبو ظبي أيضاً في العام 2012 بطبعته الأولى ، لكأنّ المحقق عالمٌ من علماء اللغة والنحو في الدراسة والتعليق والهوامش والفهارس- حفظه الله ورعاه- .

-   من أعماله في علم التحقيق أيضاً ، جمعه وصنعته لشعر بكر بن حمّأد التاهرتي المغربي ، تحقيق علمي على وفق قواعد الجمع والصنعة لشعر هذا الشاعر  الودود في علاقاته المتنوع في نظم أغراض الشعر العربي قديمه وحديثه إلى عصره طبعاً . نُشر هذا الجمع في الهيئة العامة للكتاب في دمشق، في العام 2011، وفيه دراسة طيبة عن جهد من سبق الدكتور كردي في جمع شعر هذا الشاعر وصنعته ونشره من مثل الأستاذ محمد رضوان الشاوش ، والدكتور محمد مختار العبيدي ، وفضل الأستاذ الدكتور المحقق كردي في نشرته وزياداته على سابقيه ، فضلاً عن دراسة الأشعار الجديدة دراسة موضوعية فنية تحليلية ، ومظان جديدة موثّقة لتخريج هذه الأشعار مما لم تكن بين مظان الشاوش والعبيدي.

-    من أعماله في علم التحقيق كذلك ، تحقيقه لكتاب المنثور البهائي لأبي سعد البيرماني (ت414ه) وهو كتاب ضخم في المختارات الأدبية ولا سيما في نصوص النثر العربي من العصر الجاهلي إلى عصر المصنّف  البيرماني ، نحا فيه المصنّف المذكور نحو أبي تمام في كتابه الشهير الحماسة ، فجاء الباب الأول عند البيرماني في الحماسة ومن ثم في النسيب والمديح وفي العتاب والوصف والمراثي ... ونّشر الكتاب في دمشق عن وزارة الثقافة في العام 2013 ، وفيه جهد كبير في التحقيق والتدقيق والتهميش إذ إن النسخة المعتمدة أولاً كانت وحيدة فريدة وفيها خرم وقطع في بعض النصوص استطاع المحقق كردي اصلاحه وترتيبه بعد مراجعة مئات المصادر في الأدب والدواوين وكتب المختارات الأدبية ليستقيم المعنى ولتخرج هذه الموسوعة الأدبية النفيسة على ما تراه أيها القارئ اللبيب ، وما أرجو أن يراه الجميع من طلبة الدراسات العليا ليكون هذا العلق العلمي الأدبي النفيس بين اذهانهم في كتابتهم ورسائلهم ، فهو والله يستحق ويستحق.

-    من اعماله التحقيقية المهمة والجيدة تحقيقه لكتاب الأندلس البديع ، البديع في فصل الربيع ، لأبي الوليد اسماعيل بن محمد بن عامر الحميري المتوفى قريباً من 440 ه ، المنشور في دمشق عن دار سعد الدين في العام 1997 ، وهو تحقيق مهم يوجب الرجوع إليه من أهل التخصص في الاندلس وأدبها وحضارتها وفكرها ونتاج أعلام علمائها ، ولقد حكى الاستاذ المحقق الدكتور كردي عن رحلته الشاقة في تحقيق الكتاب أيام الطلب لديه في تونس وكيف كان يرتاد المكتبة الوطنية العامة هناك وينسخ المخطوطة الفريدة التي كان لا يعلم بها حتى أمينها المحقق الأستاذ الدكتور جمعة شيخة ؟!

وتحقيقه يفضل ما قام به المستشرق هنري بيرس ، والمحقق الزميل الأستاذ الدكتور عسيلان ، فجهد الدكتور  المحقق كردي واضحٌ بيّنٌ يعرفه الجميع ، ويشهد له بالإصالة والجدة والتفرد في النسخ والتعليق والدراسة والفهرسة .

ولا يقتصر عمل الأستاذ الدكتور المحقق كردي على علم التحقيق والجمع والصنعة وإن كان ميدانه المبرز وما عُرف فيه إلا أن له من الأعمال الأدبية النقدية أيضاً ومن ذلك كتابه للدكتوراه عن الشعر في عصر الموحدين في الأندلس والمغرب وهو من أوائل الدراسات الأدبية المهمة عن هذا العصر وما كان مرجعاً لنا في دراساتنا وأبحاثنا من بعده.

ومن أعماله في هذا الشأن أيضاً دراسته عن أدب الرحلات في المغرب والأندلس ، في كتابه العلمي الأدبي الصادر عن دمشق ، في العام 2013 المعنون ( أدب الرحل في المغرب والأندلس) وهو كتاب ثقافي أدبي فكري كُتب بأسلوب ممتع وسلس غنيٌ بالمادة العلمية والأدبية مبسط في المنهج والتبويب.

أعلمني المحقق الثبت كردي أنه أتمّ تحقيق مقامات ابن الجوزي وهو بصدد نشرها واشهارها للقارئ وإلى المكتبة الأدبية العربية والعالمية في الأيام المقبلة – إن شاء الله تعالى - .

للدكتور المحقق كردي منهجه في صنعة الدواوين الشعرية ودراستها ونشرها ، من وضع مقدمة للعمل المجموع والإشارة لمن سبقه في التحقيق والصنعة لهذه الأعمال  ، فضلاً عن دراسة الشعر دراسة فنية وموضوعية شافية ، وبيان جهد المحقق في العمل ، فترقيم الوحدات الشعرية المجموعة واثبات البحر الشعري ، والتخريج على وفق الروايات  وبيان اختلاف الروايات وترجيح المناسب منها للمتن والسياق في البيت الشعري الواحد ، فضلاً عن عنوان للشروح والتعليقات للمكان أو للحادثة أو للشخصية مما قد يعتوره النقص أو اللبس عند القارئ الكريم.وغالباً ما يصنع الفهارس الفنية المحكمة على المجموع الشعر ي المصنوع مهما كان العمل صغيراً أو بسيطاً .

وأما في التحقيق فمن منهجه التعريف بعمله والفائدة منه من أول الصحائف وفي المقدمة لأي عمل محقق قام به ، وبيان أهمية المخطوط الذي يحققه ، ويذكر جهود مَن سبقه في هذا الشأن مهما كان ذلكم الجهد ، ويأتي بدراسة جيدة عن صاحب المخطوط تُفهم القارئ وتشبع نهمه في السؤال عنه ، ومن ثم يذكر خطوات عمل المحقق وصور المخطوط ، والهوامش الثقيلة في العمل والعلم والاطلاع والتوثيق بما تبين عن جهد كبير مميز ، فالفهارس الفنية المتنوعة المتكاملة التي تغني القارئ والمتلقي عن أية شاردة أو واردة يروم الرجوع إليها في النص المحقق ، بعناية ودقة في أبواب كل فهرس وفي صفحاته داخل النص المحقق المطبوع.