وفاء عبد الرزاق في ديوانها الشعري الجديد... قراءة نقدية.

وفاء عبد الرزاق في ديوانها الشعري الجديد... قراءة نقدية.

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين ، والحمد لله في الدارين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه الغرّ المنتجبين ، وبعد ،

 طافت الشاعرة والأديبة وفاء عبد الرزاق في ديوانها الأخير على المضامين الذاتية السحرية كلها من عتبة العنوان الرئيس وإلى عتبة العنوان الفرعي ، ومن ثمّ في جسد النص الشعري وموضوعاته ومضامينه الذي انطوى على مفارقات كثيرة تضمنت صياحات الجوع والفقر وشظف العيش في بلاد الرافدين والعالم العربي في الحقب الماضية ، والسنوات التي نعيشها اليوم !

ودائماً حين اتأمل شعر القاصة والروائية الأدبية وفاء  عبد الرزاق أجدها تعرّي ذاتها وتترك للآخر التحدث عن أشجانها وأحزانها ، وهي بذا تميل إلى نكران الذات أو أن الذات – الشاعرة تكونت من خلال آهات الآخر  المحبب لديها عبر المكان الطبيعي ، والمطر – الطبيعة الفلكية الكونية ، والبرق والليل والشمس- من مظاهر الطبيعة الفلكية الكونية أيضاً ودلالاتها هذه المظاهر في النص الشعري ، عبر الزمن الماضي- الذكريات اللطيفة التي عاشتها الشاعرة وفاء عبد الرزاق في بلدها وموطنها الأول – المكان الأم ، العراق العزيز. هذه المظاهر وتلكم الأماكن مع مفارقات جمة وصور شعرية مالت إلى الخيال التأليفي مع السرد هي التي شكّلت النص الشعري الجديد في ديوان : (عطش البرق) الديوان الشعري الجديد الذي أكتبُ عنه اليوم من نتاج الشاعرة وفاء عبد الرزاق، فكلمة شكر لهذه الأدبية الرائعة التي أثرت الأدب النسوي العراقي والعربي ثراءً مهماً مميزاً في اصداراتها ودواوينها ورواياتها ومجموعاته القصصية ، وشكراً لها جداً لأنها أهدت إلى ديوانها هذا في صورته الأولى للكتابة عنه ، علَّ هذه الكتابة تغني وتعجب ومن الله التوفيق.

عتبة العنوان الرئيس : عطش البرق ... خلّف المزيد من :

-          الفقر التراكمي الذي يعيشه الجميع ، دلالة العطش .

                                                                  ضوء البرق ( الخيال المتوهم).

-          أهات الآخر من خلال هذا العطش ، والحنين إلى ضوء البرق – المطر المستحب (الخير المتوهم).

-          ذات الشاعرة وفاء (الأنا) ، سقيا العطش (غربة المكان – موت الأنا)، ضوء البرق (الأمل المتوهم).

-          الخطايا والذنوب ( الأنا – الآخر ) ، سقيا عطش المغفرة ( المكان – الزمن – الشخصيات ) (المحو المتوهم).

من هنا عاشت الشاعرة وفاء عبد الرزاق من خلال ألفاظها وصورها وموسيقاها في ديوانها الشعري هذا ونصوصه الشعرية الكثيرة نوعاً ما في حالات من التوهم المؤقت الذي تعيش فيه بين حنين الماضي والخير التي كانت فيه ، والذي كان فيه بلدها وعالمها بأسره ، والحالة التي عليها الآن وعليها أهلوها ومحبوها في بلدها ووطنها العربي.

عطش تتمحور إلى دلالات عدة :  الدلالة الواقعية – مفارقة التأكيد ، العطش الحقيقي.

                                                       الدلالة المتخيلة – مفارقة التضاد ، العطش للماضي .

                                                        الدلالة الجماعية – المفارقة الدرامية ، العطش لمستقبل أفضل.

البرق – صورة ضوء ، وضوء صورة يتمحور إلى دلالات عدة أيضاً:

الدلالة الواقعية – مفارقة التأكيد  ، الضوء الحقيقي بلا مطر ؟!

الدلالة المتخيلة – مفارقة التضاد ، الضوء المتخيّل بالمطر بلا مطر ؟!

 الدلالة الجماعية – المفارقة الدرامية ، الضوء المتوّهم من الماضي إلى المستقبل بلا شبع (مطر)؟!

العتبة الأولى – العنوان الرئيس من كلمتين فقط ، أدتا الدلالة منهما بتأكيد وقوة ، من المضاف والمضاف إليه وانفتاح الدلالات بينهما كما ذكرت آنفاً ، وما تؤديه المعرفة بالإضافة من إجبار لهذه الدلالات وكثرتها ، وذلك ما يعرفه النحاة والمتبحرين في علم النحو .

عن عتبة الإهداء تقول الشاعرة وفاء عبد الرزاق فيها :

أزحتُكم

لا لشيء

بل لأن مرآتي رأت شبحاً.

الشبح هنا : المفارقة المتوهمة – الشبع القادم.

                       المفارقة المؤكدة – الجوع المشبع بالأحزان .

                       المفارقة الضدية – البرق غير الممطر  ، الجوع من خلال الشبع .

                     المفارقة الدرامية – سرد قضايا الجوع عبر لوحة البرق والمطر، الخير ان المنتظران.

بين عتبتي العنوان الرئيس والإهداء والخاتمة للديوان الشعري الجديد هذا من دواوين الشاعرة وفاء عبد الرزاق ، والقصيدة الخاتمة في ديوانها أرى عمق التلاحم البنائي في الديوان الشعري ككل ، فهي التي تقول في قصيدتها ( مازالتْ) وهي آخر قصائد الديوان وخاتمته:

صورتي سجينة

بين الأطر والخيال

كلّ ما كتبتُهُ

لم ينقذ روحاً،

امرأةً على خصرها

عطش البرق.

هذا التلاحم البنائي يظهر في ديوان الشاعرة وفاء من خلال التعاضد والتكاتف بين :

·        عتبة العنوان الرئيس للديوان (عطش البرق ) ، وآخر ألفاظ آخر نص شعري في الديوان ، البناء الدائري المحدد برؤية فلسفية خاصة عند الشاعرة .

·        المفارقة الدرامية من خلال عناصر السرد : المكان ، الزمن ، الشخوص – الأنا (الشاعرة) ، حقيقة أو خيالاً تكشف عن مدى صراع النفس البشرية مع عدوها اللدود الجوع والفقر.

·        العنف النفسي العاطفي الشعوري التي تعيش فيها الأنا الشاعرة من خلال الفقر والبرق غير الممطر بمفارقات ضدية تؤكد صراعها ومن تتحدث عنهم وعن معاناتهم مع الفقر والجوع والشغف للمطر...!

·        معانة الأنثى الجادة المتأملة الباكية على واقع حالها وحال بلدانها من خلال هذا البرق العطش ، ومن خلال ذلك الخصر النحيف الضال إلى السمنة بلا مطر!

هذا ما حاورته وتكشّف لي من عتبات العنوان الرئيس والإهداء والخاتمة .

كلمات المقال الافتتاحية : وفاء عبد الرزاق ، الشعر النسوي العراقي ، الشعر النسوي العربي المعاصر