قَفلة القصة القصيرة جداً

قَفلة القصة القصيرة جداً

أ.د. محمد عويد محمد الساير

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين ، والحمد لله في الدارين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وعلى آله وصحبه الغرّ المنتجبين ، وبعد ،

القَفلة في البناء السردي القصصي المتنوع من الرواية إلى القصة وإلى القصة وإلى القصة القصيرة جداً ، ما هي إلا الخاتمة في البناء النصي الشعري ، وربما تكون قفلة الخرجة في النص الشعري التوشيحي أيضاً. وظهرت الخاتمة في النص الشعري بأنواعٍ ودلالاتٍ كثر ، وهذه الأنواع والدلالات دُرست بدراساتٍ كثرٍ كذلك ، وعرفنا من هذه الدراسات أنواعاً للخواتيم في النص الشعري العربي عبر عصوره الأدبية المختلفة . ولعلّ من أبرز هذه الخواتيم :

-           الخاتمة المفتوحة .

-          الخاتمة الدرامية .

-          الخاتمة الضدية .

-          خاتمة الدعاء .

-          خاتمة الإهداء .

... وغير هاته الخواتيم التي درسها الباحثون والنقّاد في النص الشعري العربي من الجاهلية إلى يومنا هذا . ولنقل مثل هذا الكلام على الموشّحات ولاسيما بعدما أُخذت من الشعر الأندلسي وانطلقت إلى سائر ميادين الأدب العربي وأزمنته ، فكانت مقتصرة إلا قليلاً على الغزل ومظاهر الطبيعة والغناء ، ومن ثم توسّعت في الأغراض الشعرية القديمة والمستحدثة حتى تلك التي تنظم في الزهد والتصوف والاخوانيات ،  بعدما نُظمت في المدح والرثاء .

قَفلة القصة القصيرة أو القصة القصيرة جداً ، هي الخاتمة وقَفلة الخرجة وما تؤل إليه من معانٍ ودلالات ينتهي بها القاص من بنائه السردي إلى نوع منها مميّز ومبتكر إلى المتلقي.

ولقد وجد نقّاد القصة والقصة القصيرة جداً أنفسهم وأقلامهم أمام أنواع كثر من قَفلة القصة هذه عند كتّاب القصة ، ومن أشهر فيها إبداعه الأدبي في العصرين الحديث والمعيش ولاسيما بعد اشتهار القصة القصيرة جداً جنساً أدبياً احترف فيه الكثيرون من الأدباء والأديبات في الكتابة فيها والتأليف فيها أيضاً .

ومن النقّاد الذين تكلّموا في كتبهم النقدية عن القصة القصيرة جداً من جهة القَفلة:

·        جاسم إلياس خلف (الدكتور) ، في كتابه القيم : شعرية القصة القصيرة جداً .

·        يوسف حطيني ( الدكتور) ، في كتابه القيم أيضاً : القصة القصيرة جداً بين النظرية والتطبيق.

وغيرهما ، فضلاً عن مقالات ودراسات وُظفت أم لم توظف في دراسة أنواع هذه القَفلة ودلالاتها عند كتّاب القصة القصيرة جداً وكاتباتها في العراق والوطن العربي في عصرنا الراهن تحديداً.

علينا أن نعلم – عزيزي القارئ الكريم – أن القاص والأديب حمدي مخلف الحديثي هو من كتب أكثر من محاولة قيّمة في القصة القصيرة جداً، وهو من كتب فيها وأقول وأبدع فيها أيضأ ولاسيما وهو يجمع بين أكثر من ثقافة واحدة من الشعر ، والتشكيل ، والسرد ، والنقد.

مجموعته التي أهداها إليَّ مؤخراً ( طيور  الرأس) ، كانت من بين من نظم إبداعاً وسرداً في مجال القصة القصيرة جداً ، وكنتُ حاورتُ بعض قصصه في مقالاتي السابقة بعنوانات دراسية  نقدية متنوعة – والحمد لله تعالى – على فضله ، واليوم أحاور هذه المجموعة القصصية من جهة القَفلة وأنواعها ودلالات هذه الأنواع في مقالي هذا ، ومنه الحمد أيضاً .

من انواع القَفلة التي رأيتها تنتشر وتتابع في سبك عناصر السرد إلى المتلقي في هذه المجموعة القصصية للقاص حمدي مخلف الحديثي ، هي :

·   القَفلة الفضائية  ( المكان والزمان): وهي القَفلة التي تذهب لاستنطاق المكان ومدلولاتها في النص البنائي السردي القصصي عند القاص حمدي مخلف الحديثي ، وهي تستنطق الزمن وتجلياته ودلالاته في القصة عنده كذلك.

المكان الشعور غير المنتهي بالانتماء ، الاحساس بالعيش وبظروف ذلك العيش . المفارقات التي تحدث من خلال هذا الشعور وذلكم الانتماء . ومثله الزمان فيما قلت وذكرت ، وهو رفيق المكان العزيز المحبب الذي لا يفارقه أبداً .

من القصص التي استنطقت قَفلة الفضاء هذه في المجموعة القصصية (طيور الرأس) عند مبدعنا وأدبينا حمدي مخلف الحديثي ، قصته القصيرة جداً والتي حملت عنواناً هو : (كرسي) . وفيها يقصُّ علينا ما يريد قائلاً :

( جلستُ على كرسي أعوج . تقدّم نحوي أحدهم وقال :

-          هذا كرسي الرجل الأول .

-          نهضتُ ...

-          غادرت القاعة التي امتلأت بالغربان).

وضح عنصر التكثيف بشكلٍ ملفتٍ للنظر في القصة القصيرة جداً هذه ، وهو شيءٌ محسنٌ للقاص ولقارئ قصصه أيضاً . القَفلة كانت فضائية مكانية بامتياز في : القاعة المكان المباشر ، وفي الغربان المكان غير المباشر . البشر  غير الأسوياء بدلالة الغربان.

المفارقة وضحت في القصة القصيرة جداً هذه من الوصف (الكرسي الأعرج) ، ومن دلالة التشاؤم لهذا الحيوان بلونه وصوته، ودلالات الاعوجاج والسواد لبني البشر الذين يعيشون مع القاص في بلده ومدينته وأدبه وقصصه!

وبقي الزمان متخفياً وراء دلالات الأماكن هذه التي انتشرت في القصة القصيرة جداً عند القاص حمدي مخلف الحديثي ، وهو يدلُّ على الصباح مكان اجتماع الغربان (البشر) في القاعة ، ومكان قعود  ذلك الرجل الأعوج على كرسيه الأعوج!!

ومن القصص القصيرة جداً التي جاءت القَفلة الفضائية في بنائها السردي القصصي عند القاص حمدي مخلف الحديثي في مجموعته ( طيور الرأس) قصته القصيرة جداً التي حملت عنوان المجموعة كلّها وعتبة العنوان الرئيس فيها ( طيور الرأس) والتي يقصُّ علينا ما يريد فيها :

( تنقر طيور الرأس المخ ...

تأكل ولا تشبع ...

حاولتُ خنقها... ، لكنها

ابتسمتْ ، فتراجعتُ ...

أعطيتها المزيد من المخ وراحت طوال الليل تأكل ).

القَفلة حركية هنا بحركة هذه الطيور التي تأكل مخ الرجل ، المفارقة من الإيحاء تتضح من وراء الكلمات ومشاهد القصة القصيرة جداً أن البشر أصبحوا بلا مخ ؟! أو عقل؟! يحكم سلوكهم.

المكان وضح من مظاهر الطبيعة الحية بالطيور ، والزمان وضح من خلال الليل الستير على أفعال الخلق كافة ، والطيور لما تزل تأكل وتأكل في مخ بني البشر ، لتزداد المأساة عمقاً وألماً عند  الجميع، وللأسف الشديد.

وهذه القَفلة الفضائية أتبعها القاص حمدي مخلف الحديثي في عنوانات أخرى من قصصه القصيرة جداً في مجموعته القصصية هذه ، من مثل : (الجُب ، غرق ، موجة ، سبقتني، بدر ، لن يأتي ).

من انواع القَفلة التي رأيتها تنتشر وتتابع في سبك عناصر السرد إلى المتلقي في هذه المجموعة القصصية للقاص حمدي مخلف الحديثي ، هي :

·   القَفلة الحوارية : وهي وإن كانت قليلة في هذه المجموعة القصصية القصيرة جداً عند  القاص الحديثي ، إذ اعتمدت السرد المباشر ، والبوح المكثّف من عناصر القص ووسائله ليصل بأفكاره إلى المتلقي ، إلا إننا رأينا هذا النوع من أنواع القَفلة في قصصه القصيرة جداً. ومن تلك القصص قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : (حوار ) والتي يقصُّ علينا أحداثها قائلاً :

( - لا أبتصر غير أفعى لدغتني

-          وجهك شاحبٌ

-          ربّ السم في عروقي

-          تلذذ به

-          ....

-          قلتُ : لكَ تلذذ بهِ).

القصة القصيرة جداً هنا عند القاص حمدي مخلف الحديثي استندت كلها على الحوار  الداخلي، أشبه لا شخيصات واضحة ، ولا أمكنة ... ولا غير هذه الأفعى التي تلدغ في كل مكان وزمان بلا شعور !

المفارقة تتجول مع هذا السم ، واستنطاق الحيوان المؤذي هذا ، هي الحياة طبعاً هي التي تجعلنا نتلذذ دائماً هذا السم ونسعدُ بلذته أيضاً !!

ومن القصص القصيرة جداً التي جاءت القَفلة الحوارية في بنائها السردي القصصي في خاتمتها، قصته التي حملت عنواناً : ( وشم). ولقد حملت هذه القصة القصيرة جداً من قصص حمدي مخلف الحديثي في مجموعته القصصية هذه ، مظاهر اجتماعية قاسية عرفتها المرأة في عصرنا الراهن ، ولاسيما قضية الخيانة ، والخروج عن الشرع والدين والأدب . القاص هنا يطرح قضية جدية بالاهتمام عند أصحاب الشأن وعند المصلحين والمثقفين في كل مكان ... فأين أنتم بالله عليكم؟!؟!

يقصُّ علينا قصته الحزينة هذه :

( قالت : هذا طفلي

حدّقتُ في وجه الطفل ... رأيتُ شريط حذاء على الجبين ..

قالت : هذا وشم الخيانة).

الحوار وسيلة من وسائل القص أباح عن مشاعر هذه المرأة الولود الباكية الحزينة ، وسرد لنا أوجاعاً مجتمعية نعاني منها كل يوم ، وكل ساعة ، في بلدنا وفي غيره. قمة المفارقة في الحذاء الذي نزل بألفاظ القاص إلى الإسفاف والترهل في قيم المجتمع . وحُقّ للقاص ذلك وهو يبوح بهذه الظاهرة الاجتماعية قبل أن يفكر في الأدب ، فوظيفة الأخير هو هذا النقل الصريح للمجتمع وما فيه من آفات ومفاسد .

 من انواع القَفلة التي رأيتها تنتشر وتتابع في سبك عناصر السرد إلى المتلقي في هذه المجموعة القصصية للقاص حمدي مخلف الحديثي ، هي :

·   القَفلة التشكيلية  : وتقفُ هذه القَفلة مع الأخريات في بيان مضمون القصة القصيرة جداً عند القاص حمدي مخلف الحديثي في مجموعته القصصية هذه . وعلينا أن نعلم التشكيل هنا رسم بالكلمات لتبوح بصور ٍ مناسبة للألفاظ والتراكيب اللغوية داخل البناء السردي للقصة القصيرة جداً أو لباقي أجناس السرد الأخرى. وعلمنا أن القاص  الحديثي هو فنان رسّام تشكيلي مميز وله الكثير من الأعمال واللوحات الفنية التشكيلية في هذا الشأن . فلنعرف هذه القَفلة في قصصه القصيرة جداً ، وما أراده من القصة التي كانت قَفلتها تشكيلية .

من القصص التي جاءت بنوع القَفلة هذه ، قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : (يد القاضي) والتي يقصُّ علينا فيها ما يريد قائلاً :

( مبتورة يد القاضي اليمنى ، بينما اليد اليسرى ملفوفة بالورق الأخضر فراح بسرعة يوقع قرار الحكم ...).

اللون تشكيلٌ مميزٌ في قَفلة القصة القصيرة جداً هذه ، هو الحبر الذي وُقع على القرار الظالم! نعم ، هي المفارقة التي أمسكت اليد اليمنى عن الخير ، واليمين دلالة الخير والعطاء والبركة دائماً. فلماذا اليسرى سيدي القاضي ؟! ولماذا الظلم سيدي القاضي؟! ولماذا السرعة سيدي القاضي؟!

ومن  القصص القصيرة جداً التي آثرت القَفلة التشكيلية في قصص (طيور الرأس) القصيرة جداً عند القاص حمدي مخلف الحديثي ، قصته التي حملت عنواناً : ( من قال لها؟)، والتي يقصُّ علينا فيها ما يريد قائلاً :

( من قال لها ؟ أنني أتقبل ثوبها الملطّخ بفرشاة ماسح الأحذية؟!!).

حملت القصة القصيرة جداً هذه دلالات البكاء والأسى بتشكيلٍ مفزعٍ يدلّ على ضحالة ملطّخة بسوادٍ قاتم في مظهر سيءٍ جداً من مظاهر المجتمع . التلطيخ هنا حمل قمة مشاعر الذات من آفات المجتمع وعبرت عما فيه بكل قوة وجرأة . مع من التلطيخ : بائع الأحذية؟! المفارقة في المهنة حملت سواداً جديداً الى اسوداد المجتمع بأعمال مقيميه ؟! ولك الإجابة عزيزي المتلقي ، والقاص أحسن التغبير والتشكيل ، وإيصال الهدف ... فأين الحلول ؟!

من انواع القَفلة التي رأيتها تنتشر وتتابع في سبك عناصر السرد إلى المتلقي في هذه المجموعة القصصية للقاص حمدي مخلف الحديثي ، هي :

·   القَفلة التناصية : هي من التعالق النصي ، الديني أو الأدبي أو الأسطوري ... وغير ذلك . وغاية التعالق النصي بناء النص الجديد على نصوص أخرى مميزة ، وإيصال الأفكار الجديدة كما أوصلها النص الأول بأنواعه التي ذكرتها. ورأيتُ تعالقات نصية في القَفلة عند  القاص حمدي مخلف الحديثي في مجموعته القصصية القصيرة جداً ( طيور الرأس) ومنها التناص الديني مع آيات القرآن الكريم ، ولاسيما في بعض الألفاظ التي تدلُّ تعانق كبير بين القاص وبين ألفاظ هذا الكتاب المعجز  وتأثره به كما يتأثر به باقي المسلمين ، بل وحتى غير المسلمين  في كل مكان وإلى قيام الساعة. قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : ( الجب) هي من أحوت للقَفلة عند القاص حمدي الحديثي ببناء القصة بناءً سردياً مفتعلاً منذ البدء إلى الآخر  . بما توحيه هذه اللفظة إلى السورة القرآنية الكريمة  وإلى القصة التي حدثت لهذا النبي الكريم (عليه السلام) ، كما هي معروفة للجميع . يقصُّ علينا القاص الحديثي قصته القصيرة جداً هذه قائلاً :

( حركتُ عقلي

أيقظتُ ضميري

لكنني لم أجد نفسي في نفسي

فمضيتُ إلى الجبّ وغبتُ فيه).

إن تتابع حركة السرد نحو المكان المعادي (الجب) هو الذي أباح عن مضمون القصة القصيرة جداً عند القاص حمدي مخلف الحديثي في مجموعته القصصية هذه ، وإن هذا التتابع أوصل القصة القصيرة جداً هذه إلى قمة الصراع مع النفس الذات الشاعرة التي تكررت مرتين ولم يجدها القاص بين نفسه أصلاً.  المكان الديني هنا المستوحى من قصة النبي يوسف (عليه السلام) ، هو التعالق النصي مع القصة القصيرة جداً عند مبدعنا ، وهو بؤرة الحدث ومصدر الإيحاء والتكثيف واختزال الزمان والمكان عند القاص ، وهو ما وُفق إليه تماماً.

ومن القصص القصيرة جداً التي جاءت بقَفلة تناصية أيضاً في مجموعة حمدي مخلف الحديثي القصصية القصيرة جداً هذه ، قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : (أحبُّ)، وفيها يقصُّ علينا القاص ما يريده من القصة القصيرة جداً هذه قائلاً :

(أحبُّ الناعور

أحبُّ بيت جدي الطيني ،

لكن..

عندما قلت : أحبُّ حذامِ ...

رفسني حمار جدي).

القّفلة هنا في استنطاق هذا الاسم التراثي الأدبي (حذامِ) وشاهده النحوي المعروف بين النحاة العرب قديماً وحديثاً. الاسم التراثي هنا هو من حمل دلالات التعالق النصي التراثي إلى جسد القصة القصيرة جداً عند القاص الحديثي ، ومن المؤكد هو لا يريد الاسم وصاحبته وإنما أراد امرأة أخرى شبيه بهذا الأنموذج التراثي الأدبي النحوي في الاسم والدلالة والشعور  لأمرأته التي أحب ويحب بين مظاهر الطبيعة الصناعية (الناعور) ، وفي أحضان ذلك الجد الذي يبدو أنه كان يحبُّه كثيراً فردده كثيراً في مجموعته القصصية هذه ، وغيرها من المجموعات القصصية، بل وحتى في نتاجاته الأدبية الأخرى.

من انواع القَفلة التي رأيتها تنتشر وتتابع في سبك عناصر السرد إلى المتلقي في هذه المجموعة القصصية للقاص حمدي مخلف الحديثي ، هي :

القَفلة الضدية (مفارقة الضدّ) : من أنواع القَفلة التي جاءت في قصص حمدي مخلف الحديثي القصيرة جداً في مجموعته القصصية (طيور الرأس). وهذا النوع من القَفلة استنطق مفارقة ضدية مقلوبة للوصول بالقاص إلى مضمون قصته القصيرة جداً، طبعاً بمشاركة عناصر القص الأخرى ووسائل هذا القص أيضاً. وهذه المفارقة تصوّر لنا شعورياً ما وصل إليه المجتمع من أزمات حتى في دوائره الرسمية ، وهي تعبر  عن مشاعر الذات الصارخة بهذا الهمّ في ذلكم التعبير . ومن القصص القصيرة جداً التي جاءت ترسم هذا النوع من القَفلة في المفارقة في هذه المجموعة القصصية القصيرة جداً عند القاص الحديثي ، قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : ( بالمقلوب ) ، والتي يقصّ علينا فيها القاص الحديثي ما يريده قائلاً :

( لم اكن أدرك أنني أمتلك جنسية بلا ختم ، فبحثتُ عن صانع أختام ، فعمل لي ختم الوطن بالمقلوب ).

ومن هذا النوع من القصص أيضاً التي تحمل دلالة القَفلة الضدية في خاتمتها ، قصته القصيرة جداً التي حملت عنواناً : ( أمسِ)، والتي يقصّ علينا فيها القاص الحديثي ما يريده قائلاً :

( بالأمس ِ بكيتُ

واليوم لم أبكِ على قبركِ

لماذا؟

لأنني رأيتُ شاهدة القبر بالمقلوب).

بين الختم والقبر ، بين الحياة والموت ، بين المعلن والمغيب ، تتوالى هذه المفارقات الضدية لتعبر عن الذات المتعبة حتى وهي تتأمل الموت ، وحتى وهي تريد الوصول إلى أهداف قصصه القصيرة جداً في هذه المجموعة من خلال الموت والبكاء والألم بين الحقوق والواجبات ، الحقوق المضيعة، والواجبات المنكرة إلا قليلاً . وهنا عرفنا نوعاً آخر من أنواع القَفلة جاءت في البناء السردي القصصي للقصة القصيرة جداً عند هذا القاص وكيف أحسن في استعمال عناصر السرد ووسائله ودلالاته إلى حدٍّ كبير في مجموعته القصصية هذه ، التي سعدنا غاية السعادة بمحاورتها ، وسنسعد كثيراً بمحاورة مجموعة أخرى حين الصدور لهذا الأديب والرسام والتراثي والشاعر والناقد حمدي مخلف الحديثي ... فإلى ذلك اللقاء المتجدد .

الكلمات الافتتاحية : القصة القصيرة جداً،  القصة القصيرة جدا بوصفها جنساً أدبياً جديداً، حمدي مخلف الحديثي