الجذر حوط في القران الكريم دراسة دلالية

الجذر حوط في القران الكريم دراسة دلالية

أ.د. حليم حماد سليمان

قسم اللغة العربية.

كلية التربية الأساسية / حديثة - جامعة الأنبار

 

ورد هذا الجذر في القرآن الكريم في ثمانٍ وعشرين موضعا ، ورد منها بصيغة الماضي المبني للمعلوم في ثماني مواضع ، والماضي المبني للمجهول في موضعين ، وورد في صيغة المضارع المبني للمعلوم في ستة مواضع ، والمضارع المبني للمجهول في موضعين ، ولغير الأفعال وردت في أحد عشر موضعا.

ومن الأمثلة على دلالة هذا الجذر في القرآن الكريم قوله تعالى : ((  وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ))الإسراء60 وهذا حضّ من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، على تبليغ رسالته، وإعلام منه أنه قد تقدّم منه إليه القول بأنه سيمنعه، من كلّ من بغاه سوءا وهلاكا، يقول جلّ ثناؤه: واذكر يا محمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس قدرة، فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته، ونحن مانعوك منهم، فلا تتهيَّب منهم أحدا، وامض لما أمرناك به من تبليغ رسالتنا. قال الحسن : أحاط بالناس، عصمك من الناس. عن مجاهد (أحاطَ بالنَّاسِ) قال: فهم في قبضته. عن عروة بن الزبير قوله (أحاطَ بالنَّاسِ) قال: منعك من الناس.  فالمعنى الذي دلت عليه دلالة الجذر أحاط هو العصمة من الناس والمنع منهم. ومنه قوله تعالى : ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ))الكهف 29 وقوله: (أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) يقول: أحاط سرادق النار التي أعدّها الله للكافرين بربهم، وذلك فيما قيل: حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط، كما قال رؤبة:

يا حَكَمَ بنَ المُنْذِرِ بنَ الجارُودْ ... سُرادِقُ الفَضْلِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ

قال ابن عباس، في قوله: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) قال: هي حائط من نار. وقيل : دخان يحيط بالكفار يوم القيامة.

ومنه قوله تعالى : ((وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً )) الفتح 21 قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها، أَيْ وَعْدُكُمُ اللَّهَ فَتَحَ بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا، قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، حَتَّى يَفْتَحَهَا لَكُمْ كأنه حفظها وَمَنَعَهَا مِنْ غَيْرِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَّمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَفْتَحُهَا لَكُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقْدِرُ عَلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، بَلْ كَانُوا خُوَّلًا لَهُمْ حَتَّى قَدَرُوا عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ خَيْبَرُ  وَعْدَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَكَّةُ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْمَ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. ودلالة الإحاطة في هذه الآية هي الحفظ ، ومنع الغير من أخذها. ومنه قوله تعالى : ((  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ))الطلاق 12 أي ‘ن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء ، ودلالة الإحاطة تكون عدم خفاء أي شيء عليه. ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى : ((لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)) الجن28 وقوله: (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ) يقول: وعلم بكلّ ما عندهم. فدلالة الإحاطة في هذه الآية القرآنية هي العلم. ومن الأمثلة أيضا قوله تعالى : ((فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )) النمل 22 جاء في تفسير الطبري  قوله: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ) قال: ما لم تعلم.  ومن الأمثلة على دلالة الإحاطة في القرآن الكريم قوله تعالى : ((حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) النمل84 ومعنى (وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا) يقول: ولم تعرفوها حق معرفتها. وقال تعالى : ((  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))البقرة 255 "ولا يحيطون بشيء من علمه" يقول: لا يعلمون بشيء من علمه إلا بما شاء"، هو أن يعلمهم.  ومنه قوله تعالى : ((هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ )) يونس22 (وظنوا أنهم أحيط بهم) ، يقول: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق (دعوا الله مخلصين له الدين) ، يقول: أخلصوا الدعاء لله هنالك، دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذٍ إلى الله دونها، كما جاء عن قتادة في قوله: (دعوا الله مخلصين له الدين) ، قال: إذا مسّهم الضرُّ في البحر أخلصوا له الدعاء. ومنه قوله تعالى :

((  قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ)) يوسف 66 قالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ تعطون مَوْثِقاً، أي: مِيثَاقًا وَعَهْدًا، مِنَ اللَّهِ، وَالْعَهْدُ الموثق: المؤكّد بالقسم [4] . وقيل: الْمُؤَكَّدُ بِإِشْهَادِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، لَتَأْتُنَّنِي بِهِ، وَأَدْخَلَ اللَّامَ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ الْيَمِينُ، إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَّا أَنْ تَغْلِبُوا حَتَّى لَا تُطِيقُوا ذَلِكَ. والإحاطة في هذه الآية القرآنية تعطينا معنى الهلاك أو الغلبة. وقد وردت الإحاطة بمعنى العلم أو الجمع بقصد التعذيب ، قال تعالى : ((أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)) البقرة19 وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، أَيْ: عَالِمٌ بهم وقيل جامعهم قال مُجَاهِدٌ: يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ، وَقَيْلَ: مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ: 66] ، أَيْ: تُهْلَكُوا جَمِيعًا. وقد وردت الإحاطة بمعنى العلم قال تعالى : ((  إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ))آل عمران  120 إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ، أي: عالم. وبهذا المعنى ورد في قوله تعالى : ((  وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ )) البروج20.  والمعنى عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، يَقْدِرُ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ))التوبة49 وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، منطبقة بِهِمْ وَجَامِعَةٌ لَهُمْ فِيهَا. فمعنى الإحاطة هو الانطباق والجمع. ومنه قوله تعالى : ((  يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ))العنكبوت54 وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، جَامِعَةٌ لَهُمْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا دخلها.

وفي ختام هذا المقال نقول : إن الجذر ( حوط ) في القرآن الكريم يأتي بمعنى : المنع ، والعلم ، والمعرفة والجمع ، والانطباق ، والهلاك ، والعصمة.