دلالة الجذر (قصص) في القرآن الكريم

دلالة الجذر (قصص) في القرآن الكريم

أ.د. حليم حماد سليمان

قسم اللغة العربية

كلية التربية الأساسية / حديثة  - جامعة الأنبار

الجذر ( قصص) في القرآن الكريم :

ورد هذا الجذر (30) مرة في القرآن الكريم على النحو الآتي :

1-  الفعل الماضي (قَصَّ) في أربعة مواضع.

2-  الفعل المضارع (نَقُصّ) في عشرة مواضع.

3-  الفعل المضارع ( يَقُصّ ) في أربعة مواضع.

4-  فعل الأمر ( قُصّيه) مرة واحدة.

5-  فعل الأمر ( اقصص) مرة واحدة.

6-  الجمع ( قصص) في ستة مواضع.

7-  المصدر ( القصاص) في أربعة مواضع.

ومن الأمثلة عليها في القرآن الكريم قوله تعالى : ((فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))القصص:25 قال السمعاني: وَقَوله: {فَلَمَّا جَاءَهُ وقص عَلَيْهِ الْقَصَص}: مَا لَقِي من فِرْعَوْن وَأمره من أَوله إِلَى آخِره.

فهنا القصّ بمعنى الإخبار. ومن هذا المعنى قوله تعالى : ((قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ((يوسف:5 قال البغوي : قالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ، ؛ لأنّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَحْيٌ فعلم  سيدنا يعقوب أن إخوته إِذَا سَمِعُوا هذه الرؤيا فسوف  يحَسَدُونهُ فَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ السرّ، (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) معناه : يَحْتَالُون فِي إهلاكك  ؛لأنهم لا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهَا فَيَحْسُدُونَكَ. ومن الأمثلة على ورود القص بمعنى الإخبار قوله تعالى : ((فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ )) الأعراف:7 قال البغوي: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ، أي: نخبرنهم عَنْ عِلْمٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الْجَاثِيَةِ: 29] . وَما كُنَّا غائِبِينَ، عَنِ الرُّسُلِ فِيمَا بَلَّغُوا، وَعَنِ الْأُمَمِ فِيمَا أجابوا.

وكذلك ورد هذا  الجذر بمعنى قرأ كما في قوله تعالى : ((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً )) الكهف:13 قال البغوي : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ : بمعنى : نَقْرَأُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ، خَبَرَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. بِالْحَقِّ، بِالصِّدْقِ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ، شُبَّانٌ، آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً، إيمانا وبصيرة. وقد جاء القص بمعنى القول كما قال تعالى : ((قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) الأنعام:57 قال البغوي : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَعَاصِمٌ يَقُصُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَالصَّادِ مُشَدِّدًا، أَيْ: يَقُولُ الْحَقَّ لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَلِأَنَّهُ قَالَ الْحَقَّ وَلَمْ يقل بالحق وقرأ الآخرون يقض بِسُكُونِ الْقَافِ وَالضَّادُ مَكْسُورَةٌ، مِنْ قَضَيْتُ، أَيْ: يَحْكُمُ بِالْحَقِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ، وَالْفَصْلُ يَكُونُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ ؛ لِاسْتِثْقَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، كقوله تعالى: صالِ الْجَحِيمِ [الصافات: 163] ، وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِالْحَقِّ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صِفَةُ الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: يقضي القضاء الحق.

وقد ورد القص بمعنى تتبع الأثر كما جاء في قوله تعالى : ((وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ))القصص:11 قال الزمخشري : قُصِّيهِ اتبعى أثره وتتبعى خبره. وقال تعالى : ((قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ))الكهف:64 قال السمين الحلبي : قوله: «قَصَصاً» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّه مصدرٌ في موضعِ الحالِ، أي: قاصِّيْن. الثاني: أنه مصدرٌ منصوبٌ بفعلٍ مِنْ لفظِه مقدَّرٍ، أي: يَقُصَّان قَصَصاً. الثالث: أنه منصوبٌ بـ «ارتَدَّا» لأنه في معنى فَقَصَّا. وقال البغدادي : قالَ يعني موسى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ نطلب فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أي رجعا يقصان الذي جاءا منه ويتبعانه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا قيل كان ملكا من الملائكة والصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاء في التواريخ أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان ويكنّى بأبي العباس، وقيل : كان من بني إسرائيل ، وقيل: كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا والخضر لقب له، سمي به ؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرّت.

وقد جاء الجذر (قصص) دالاً على المساواة والمماثلة من خلال أخذ الحق كما قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))البقرة :  178 قال البيضاوي : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء، وكان لأحدهما طَول على الآخر، فأقسموا لنقتلنّ الحُرّ منكم بالعبد والذكر بالأنثى. فلما جاء الإِسلام تحاكموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت، ولا تدل على أن لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى، كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم .

 ومما سبق نقول : إنّ الجذر (قصّ) ورد في القرآن الكريم بعدة معانٍ منها : تتبع الأثر ، والإخبار عما مضى ، والقراءة ، والمساواة والمماثلة، والبيان.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين