ادارة الموارد المائية في الصحراء الغربية العراقية ودورها في التنمية المستدامة لمحافظة الانبار

ادارة الموارد المائية في الصحراء الغربية العراقية ودورها في التنمية المستدامة لمحافظة الانبار

 

أ.د. صادق عليوي سليمان

قسم هندسة السدود والموارد المائية

كلية الهندسة - جامعة الانبار - العراق

باحث متفرغ جزئياً في مركز تنمية حوض أعالي الفرات

Sadeq.sulaiman@uoanbar.edu.iq

المقدمة:

لقد ادت تأثيرات التغير المناخي وما نتج عنها من شحة الامطار وارتفاع درجات الحرارة الى حدوث موجة جفاف شملت عموم المنطقة، حيث شهد العراق في السنوات القليلة الماضية اسوأ حالات  الجفاف التي مرت به خلال عقود. يعاني البلد أضافة ألى نقص ألوارد ألمائي لنهري دجله والفرات وروافدهما بسبب التغيرات ألمناخيه وحالة ألجفاف ألتي تعم ألشرق ألاوسط وعدم تقاسم ألمياه بصوره عادله ومنصفه مع دول ألمنبع تركيا وايران يعاني أيضا من تردي نوعية ألمياه ألوارده بسبب مياه الصرف ألراجعه من المشاريع الزراعية أعالي ألانهار أضافة الى زيادة الملوحه والتلوث داخل العراق نفسه. كل ذلك يجعل ألعراق بمواجهة خطرا محدقا يؤدي الى تدهور أراضيه بسرعة كنتيجة للتصحر واستنزاف القدرات الطبيعية للارض والتي تؤدي بالنتيجة الى تدهور قدرتها على استدامة المحاصيل او الحياة البرية والعواصف الغبارية، فضلا عن التاثير السلبي على اوضاع البشر. بالنسبة لمحافظة الانبار غرب العراق التي تحتل ثلث مساحة العراق تقريباً وعلى الرغم من مرور نهر لفرات على امتداد المحافظة وبمسافة كلية تقرب من نصف طول نهر الفرات الكلي داخل العراق وبمعدل تصريف حوالي 400 متر مكعب بالثانية تقريبا لكن استغلال مياهه للمشاريع المختلفة مقيد بالحصة المائية المحددة للمحافظة من قبل وزارة الموارد المائية إضافة إلى تكاليف انشاء القنوات والانابيب الناقلة وعمليات الضخ لاستغلال مياه نهر الفرات في المناطق البعيده عن النهر في عمق الصحراء الغربية. لذا كان لزاما على المختصين دراسة استغلال المتوفر من المياه السطحية والجوفية في الصحراء الغربية لغرض استزراع هذه المساحات الشاسعه من الاراضي وامكانية استغلال هذه المياه بالشكل الأمثل باستخدام طرق وأساليب وتقنيات حديثة بالإمكان تطبيقها من اجل التخطيط الأمثل والادارة الصحيحة للموارد المائية في المحافظة للوصول الى الاستخدام الأمثل والتنمية المستدامة للموارد المائية وبما يحقق الامن المائي والامن الغذاني لمتطلبات تكفي احتياجات المحافظة ويوفر كثير من فرص العمل لابنائها. الغالبية العظمى من مجمل مساحة المحافظة هي صالحة للزراعة وبدرجات متفاوته من الكفاءة والانتاجية ان توفرت لها المقومات المطلوبة. تعتمد الزارعة فيها على الإرواء السيحي والضخ من نهر الفرات واحيانا على الآبار والعيون اوالأمطار بكميات محدودة. يبلغ عدد سكان محافظة الانبار حاليا بحدود مليونين نسمة تقريبا موزعين على اقضية ومدن المحافظة المختلفة التي تقع في معظمها على امتداد نهر الفرات داخل المحافظة. تتميز المحافظة بمناخها شبه الصحراوي وقلة سقوط الأمطار وانخفاض الرطوبة. مساحة الاراضي الزراعية في محافظة الانبار والتي لها حصة مائية من نهر الفرات مكفولة من وزارة الموارد المائية  تقرب من 1250 كيلومترا مربعا اكثر من نصفها ضمن حدود قضاء الفلوجة والنواحي التابعة له وهي تمثل مساحة اجمالية اقل من 1% من مساحة محافظة الانبار وتتركز بشكل شريط ضيق على امتداد ضفتي نهر الفرات بدأ من دخوله الاراضي العراقية في القائم لغاية دخوله منطقة السهل الرسوبي اسفل مدينة هيت لتتوسع بعدها حدود الرقعة الزراعية بعدها الى مسافات ابعد من نهر الفرات وذلك لانبساط الاراضي نسبيا وسهولة ايصال مياه الري الى مسافات بعيدة.

الموارد المائية في محافظة الانبار:

يمكن تقسيم الموارد المائية للمحافظة الى قسمين هما موارد المياه السطحية وموارد المياه الجوفية حيث تعتمد محافظة الانبار على المياه السطحية اعتمادا كبيرا وتشمل المياه السطحية كلا من واردات نهر الفرات والبحيرات المرتبطه به وبحيرة الثرثار وكذلك مياه السيول الموسمية الناتجة من السقطات المطرية على احواض الاودية الكثيرة وجريان الاودية في الصحراء الغربية ومايتم خزنه منها في بحيرات السدود القاطعة لهذه الاودية وامام السدود الاعتراضية وفي الحفريات التي تنشأ على مسارات هذه الاودية. حيث يعد نهر الفرات المصدر الأول للمياه في المحافظة وعلى ضفافه تقع اغلب مدن المحافظة ومنه تأخذ احتياجاتها البلدية والصناعية والزراعية. ويعتبر نهر الفرات من الانهار الدولية اذ يمر في ثلاث دول هي تركيا و سوريا ومن ثم العراق (دولة المصب) ويدخل النهر الأراضي العراقية عند بلدة حصيبة الغربية  الواقعة ضمن قضاء القائم احد اقضية المحافظة. بينت الدراسات السابقة ايضا ان هناك زيادة مستمرة في ملوحة مياه نهر الفرات خلال السنوات الاخيرة نتيجة لانخفاض الايرادات المائية من دول المنبع وارتفاع ملوحة المياه الواردة للعراق اصلا بسبب مياه الصرف الزراعي الملقاة في النهر من دول اعالي الفرات من جانب ونوعية المياه القادمة للنهر من بحيرة الثرثار ومياه البزل داخل الحدود العراقية من جانب اخر.

تعد البحيرات الموجودة في محافظة الانبار ثاني الموارد المائية السطحية فيها اذ تعمل على تنظيم تدفق المياه، فضلا عن كونها خزانات تحتجز فيها مياه الفيضانات الزائدة وتغذى بها الأنهار وقت انخفاض مستوى منسوب الماء، ومن اهم البحيرات الموجودة في المحافظة هي : بحيرة الثرثار، وبحيرة الحبانية، وبحيرة حديثة.

تضم الصحراء الغربية العراقية مجموعة كبيرة من احواض الاودية التي تحصل فيها سيول موسمية نتيجة هطول الامطار وتمتد احواض بعض هذه الاودية لتدخل حدود الدول المجاورة للمحافظة مثل السعودية والأردن وسوريا. مساحة احواض بعض الاودية كبيرة جدا وتضم بداخلها عدد كبير من احواض الاودية الفرعية. اكبر احواض اودية الصحراء الغربية العراقية هو وادي حوران حيث تقدر مساحة جابيته باكثر من 13000 كم2 ويقدر طول الوادي الرئيسي فيه باكثر من 300 كم، يقع على امتداد هذا الوادي مجموعة سدود منجزة أهمها سد الرطبة وهو اكبر السدود على الاودية المقامة في الصحراء الغربية حيث تصل السعة الخزنية لبحيرته الى 32 مليون متر مكعب. الشكل رقم (1) يبين مواقع احواض الاودية الرئيسية في محافظة الانبار.

 

 

 مواقع احواض الاودية الرئيسية في محافظة الانبار:

تمثل المياه الجوفية موردا طبيعيا وهاما للمياه العذبة في محافظة الانبار، كما تتعاظم اهميتها في كونها المورد الوحيد بل الاساس فيها. وتتميز المياه الجوفية بانه يمكن استخدامها مباشرة دون أي معالجة حيث انها لم تتعرض للتلوث وكذلك ثبات درجة حرارتها على مدى العام فهي تعتبر موردا امنا ونظيفا يمكن استخدامه لاغراض الشرب. وتاتي اهمية المياه الجوفية في كونها تدخل في سياق وضع الخطط لاستراتيجية المستقبلية بهدف تنمية المنطقة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. تعتبر المياه الجوفية المصدر الرئيسي للمياه في الصحراء الغربية العراقية حيث أخذ الناس يميلون إلى حفر الآبار من اجل الزراعة أو لأغراض الشرب، وتقدر كمية المياه الجوفية المستخدمة في مجالات الري والاستخدامات الأخرى على مستوى العراق بحدود 2.4 مليار م3 سنويأ.

واستنادا الى معطيات تصاريف نهر الفرات الحالية والمستقبلية يتضح ان هناك فجوة المائية ستنتج من جراء الفوارق بين كميات الموارد المائية المتاحة من جانب وحاجتها في الاستخدامات المتعددة بالمحافظة على ضوء الاستعمالات الحالية للمياه وعند عدم تطبيق اساليب الإدارة المتكاملة للموارد المائية. حيث يتوقع حصول عجز مائي مستقبلي في المحافظة بين كمية الموارد المائية المتاحة والحاجة الفعلية لها للاستخدامات المختلفة عند عدم تطبيق سياسات الإدارة المائية المتكاملة من استخدام وسائل الري الحديثة في الزراعة وزراعة أصناف منتخبة من المحاصيل تحتاج مقنن مائي واطئ ووضع قيمة او سعر افتراضي للماء بحيث يكون الإنتاج الزراعي اعلى من القيمة الافتراضية للماء المستهلك خلال عملية انتاجه لان الاحتياجات المائية المرتبطة بالغذاء هي الأعلى استهلاكا من بقية الاستعمالات للموارد المائية فمثلا لانتاج ثمرة بطاطا نحتاج كمية من الماء الافتراضي تقدر ب 25 لتر و انتاج رغيف من الخبز يحتاج 40 لتر وتفاحة واحدة تحتاج الى 70 لتر وبيضة واحدة تحتاج الى 135 لترا وكاس حليب الى 200 لتر وكيلوغرام واحد من القمح يحتاج 1500 لترا بينما يحتاج انتاج كيلوغرام واحد من اللحم الى 15 الف لتر من الماء. لذلك نحتاج الى اجراء دراسات حول المحاصيل الزراعية والسلع الغذائية التي يحتاج انتاجها الى كثير من المياه والتوصية باستيرادها بدلا من انتاجها محليا لتخفيف الضغط على الموارد المائية المتناقصة أصلا وكذلك الترشيد في استخدام الموارد المائية بكافة المجالات.

الاستنتاجات والتوصيات:

في ضوء المعطيات المتوفرة يتبين وجود هدر كبير في المياه سواء المستخدمة للري او للاستعمالات المنزلية وغيرها ويجب استخدام أساليب الإدارة المتكاملة للموارد المائية والتزام السلطات الادارية والفنية والمالية والتشريعية بتطبيق طرق ترشيد استهلاك الموارد المائية ضمن المحافظة بما يضمن الاستغلال الأمثل لهذه الثروة والحصول على تنمية مستدامة توفر الامن الغذائي والمائي لابناء المحافظة وذلك من خلال نطبيق مجموعة سياسات منها:

1-  تطبيق طرق الري الحديثة مثل الري بالتنقيط او بالرش بدلا من الري بالغمر وهذه العملية توفر اكثر من 50% من كمية المياه المستخدمة حاليا وخصوصا اذا ماتم استخدام الانابيب او القنوات المبطنة لنقل المياه الى الأراضي الزراعية وهذا يعني توفير اكثر من مليار متر مكعب سنويا من المياه يمكن استخدامها لاحياء مناطق جديدة وإقامة تجمعات سكانية ومزارع حديثة في الصحراء الغربية.

2-  يجب نشر ثقافة الاستخدام المنزلي للمياه وخصوصا عند النساء والأطفال حيث ان كمية المياه المخصصة للاستخدامات المنزلية والبلدية من الممكن تقليلها الى النصف لكل شخص يوميا كما هو الحال في كثير من الدول الاوربية وبعض الدول العربية وذلك من خلال تقليل الهدر اثناء استعمال الماء.

3-  عمل نظام حصاد لمياه الامطار داخل المدن واستثماره في تغذية المياه الجوفية حيث يمكن تجميع الامطار الساقطة على مدن المحافظة في شبكات مجاري مياه الامطار وحقنها في ابار تغذية المياه الجوفية المعدة لهذا الغرض مسبقا بعد تنقيتها من الرمال والاطيان والشوائب، وتستخدم بعد ذلك  هذه المياه الجوفية في ارواء المساحات الزراعية باستخدام طرق الري الحديثة.

4-  إقامة السدود على مواقع الاودية الرئيسية في المحافظة والاستفادة من مياة البحيرات المتشكلة خلف تلك السدود في تغذية المياه الجوفية وإقامة مستجمعات سكانية وكذلك انشاء مشاريع زراعية تستخدم الطرق الحديثة في الري عن طريق الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص على إدارة تلك المشاريع. واعتماد تقنيات حديثة من اجل المحافظة على ماتم تجميعه من المياه من التبخر والارتشاح. وقد تم اعداد جدول بالمناطق الواعده استثماريا لاستغلالها في مشاريع حصاد المياه في مركز تنمية حوض أعالي الفرات في جامعة الانبار قسم منها تحوي مشاريع منفذه وغير مستغله والقسم الاخر بحاجة الى تنفيذ.

5-  استخدام المياه الجوفية لاقامة المستجمعات البشرية وارواء الأراضي الزراعية في مناطق منتخبة من أراضي المحافظة وحسب نوعية وعمق المياه الجوفية في تلك المناطق واستغلال المياه الجوفية ضمن حدود قابلية خزانات هذه المكامن الجوفية على إعادة التغذية السنوية من مياه الامطار في المحافظة والتي تقدر بمليار متر مكعب سنوياً.