واقع السكان في ظل ازمة كورونا

واقع السكان في ظل ازمة كورونا

واقع السكان في ظل ازمة كورونا كوفيد-19 (تحديات كثيرة وخيارات محدودة) 

م.م حازم محمد خلف الكربولي

جامعة الانبار/كلية تربية القائم/قسم اللغة العربية

      في مثل هذه الأوقات من العامين الماضين لم تكن لدى سكان العالم برمته تعبيرات مثل "الإغلاقات العامة" و"إلزامية ارتداء الكمامة" والتباعد الاجتماعي معروفةً لمعظمنا. لكنها اليوم جزء من لغة حياتنا اليومية، إذ أن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) مازالت تُؤثِّر على كل مناحي حياتنا.

           كأنّ عجلة الحياة عطّلها تهديدٌ صحيٌّ عالميّ أصاب العالم والمنطقة العربية بأضرار جسيمة فتحوّل التركيز إلى اتخاذ إجراءات طارئة لإنقاذ الأرواح وإصلاح سبل العيش للسكان.

           تنتشر جائحة كوفيد-19 الخطيرة في المنطقة العربية في وقتٍ ترزح فيه الاقتصادات تحت وطأة النزاعات والضغوط المالية المتزايدة. وللتخفيف من التهديد الذي تشكله الجائحة، لا بدّ لسكّان المنطقة من ضم الجهود للحدّ من انتقال العدوى ومن تزايد أعداد الوفيات بين السكان، فعليهم تقع مسؤوليّة حماية بعضهم البعض، ولا سيما الأكثر ضعفا بينهم.

"لقد أحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل - أزمة صحية عالمية، علاوةً على خسائر بشرية هائلة - أفضت إلى أشد ركودٍ شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.".

         إن جائحة كورونا سرعان ما أصبحت عدسة جديدة للطريقة التي ننظر بها إلى كل ما نفعله , جاءت جائحة كورونا(كوفيد-19) لتصيب السكان بالذهول والحيرة ولتهز العالم باسره وعلى جميع المستويات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والسياسية والعلمية وغيرها من الأصعدة، والدول العربية كجزء من هذه المنظومة العالمية ربما تكون أكثر تأثرا من غيرها من البلدان، اما فيما يخص العراق فقد تأثر سلبا  من هذه الجائحة وعلى جميع الأصعدة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية ،والتي نتج عنها آثار سلبية بسبب القيود والإجراءات التي اتخذتها وفرضتها السلطات على حركة البضائع والأشخاص من وإلى البلدان المجاورة وكذلك فرض قيود صارمة على حركة السكان بين المحافظات بل تعدت هذه الإجراءات في بعض الأحيان من فرض القيود بين الأقضية داخل المحافظة الواحدة  كل هذه الإجراءات هدفها الحد من انتشار هذا الفايروس بين السكان وبالتالي انعكست هذه الإجراءات على تقييد ومنع حركتهم.

 

          فمن حيث أثر الجائحة الصحي على السكان  فقد كان أكثر فتكا وأسرع انتشارا  وخاصة بين السكان الأكثر فقرا و الغير متعلمين , أما بسبب جهلهم , أو لتعنتهم في حال معرفتهم السبب, على الرغم من عظم الصعوبات التي  تواجهها الكوادر الصحية في مجابهة هذه الجائحة, وعلى المستويين الطبي- العملي والإعلامي –التوعي الطبي ,في محاولة منهم التقليل من الإصابات الكورو نية, فالفيروس لا يعرف حدودا، فزيادة عدد الوفيات من السكان ولمختلف الأعمار وخاصة مع ظهور النوع المتحور الجديد المسمى  طبيا ب( دلتا)  والذي يعد أكثر فتكا من سابقه ,فقد ألحق أضراراً شديدة بسبل عيش السكان وعلى جميع الأصعدة كما أسلفنا وأن الإستجابة لحالة الطوارئ على مستوى المنطقة ليست لإنقاذ البلدان أو الصناعات أو المؤسسات المالية، إنّما هي لإنقاذ آلاف الأرواح من سكان العالم.  في ظل السعي الحثيث للعديد من الأنظمة الصحية في المناطق المحدودة الموارد حول العالم لتلبية كل احتياجات المرضى الصحية.

إن التحديات المتجلية في محدودية القدرة الاستيعابية للمستشفيات للإعداد المتزايدة للمصابين والمشتبه بإصابتهم بكورونا وعدم توفر ما يكفي من وحدات العناية الفائقة وأجهزة التنفّس في بعض المستشفيات، تضعنا أمام خيارات محدودة لعلاج الحالات الحرجة، لا سيما وأن استراتيجيات كبح انتشار المرض مجتمعيًا عبر إجراءات التباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل غالبًا ما تكون غير ممكنة بسبب ظروف العمل والمعيشة وحاجة العديد من فئات المجتمع إلى الحصول على الغذاء والموارد الأخرى بأنفسهم.

كل هذه الأمور ولدا ضغطا نفسيا عند معظم السكان، لعدم وضوح الرؤية عند اغلبهم فيما يخص هذه الجائحة، ولقلة ومحدودية مقدرتهم على إيجاد او المساعدة في وضع الحلول.

اما من الناحية الاقتصادية كان اثر الجائحة سلبا وواضحا على جميع الأصعدة  سواء كانت الداخلية منها أم الخارجية، إلا أن الأكثر تضررا هم السكان ذوي الدخل المحدود، التي تلاشت فرص المحافظة على أعمالهم السابقة التي كانوا يعتاشون منها بسبب عظم التحديات التي يواجهونها , بسسب عدم تقيدهم  وامتثالهم لقرارات خلية الازمة  , وبالتالي هذا يعني فقدانهم أعمالهم وأرزاقهم اليومية التي تؤدي بدورها إلى توقف دخله الذي كان ينفقه على أسرته.

ومع تفاقم جائحة كورونا واشتداد الضرر والتحديات التي تواجهها الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، كل هذه الأمور تنذرنا بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، سيكون هذا العام إيذاناً بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.

          اما من الناحية الاجتماعية ومع ظهور النوع الثاني من الفايروس المتحور دلتا تبدو ان جائحة كورونا في بداياتها والاغلاق الشبه التام وتقييد الحركة للسكان والبضائع ربما يعود ونلاحظه مجددا على الساحة بعد ان تم التخفيف من القيود , ويستمر لأسابيع  مما يعني  زيادة فرصة استمرار فقدان الدخل ، والاستمرار على هذا الوضع يولد ضغطا اجتماعيا وأسريا على هذه الشريحة التي من الممكن ان تتحدى حظر التجوال وعصيان قرارات خلية الازمة التي تشكلت داخل المحافظة بسبب الضغوطات المالية التي لا يمكن تحملها  كون هنالك من يسكن بالإيجار  إضافة الى مصاريف المولدات الكهربائية التي يترتب عليه دفع المبالغ النقدية نهاية الشهر هذا من جانب ومن جانب اخر تزداد الصعوبات من الناحية الاجتماعية التي تعيشها يوميا هذه الشريحة من عدم مقدورهم تلبية الطلبات اليومية واحتياجات البيت الرئيسة وبالتالي لم يعودوا قادرين على اعالة اسرهم. 

       اما من الناحية العلمية التعليمية فهو لا يقل ضراوة وشدة من الأثر الذي خلفته الجائحة على الجانب الصحي للسكان. وقبيل تفشِّي الجائحة، كان العالم يعاني بالفعل أزمة تعلُّم، إذ إن 53% من الأطفال في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل يعجزون عن قراءة جملة بسيطة عند إتمام دراستهم في المرحلة الابتدائية, اضف الى ذلك  ان اخرين من هؤلاء الطلبة كانوا من قبل على حافة التسرُّب من المدارس، سيفعلون ذلك على الأرجح بسبب الجائحة, وبسبب نقصان التحصيل الدراسي وزيادة معدلات التسرب من المدارس كما وان اثر الجائحة لم يقف عند المدارس الابتدائية بل شمل المدارس الثانوية و مرحلة التعليم الجامعي ,الا أن ممن في هذه المرحلة العمرية من التعليم الثانوي والتعليم الجامعي  يكون الأثر اكثر خطورة لان البعض منهم( ربما لن يعودوا إلى منظومة التعليم لنفس الأسباب السابقة و هذه ستكون صدمة اقتصادية هائلة، وهكذا قد لا تجد الأسر موارد أو يضطر البعض [من الطلاب] إلى اللجوء للعمل وتزداد هذه المخاطر مع إغلاقات المدارس الناجمة عن الجائحة, وان الأثر ليس مجرد نقصان التحصيل الدراسي في الأمد القصير، وإنما أيضاً تقليص الفرص الاقتصادية التي ستُتاح لهذا الجيل من الطلاب مستقبلا.

ان الكلام عن عظم أثر جائحة كورونا على السكان لا يقتصر على ما ذكرناه سابقا ولكن ركزنا على الجوانب التي نراها أكثر تضررا من غيرها، بل يتعدى أثر هذه الجائحة على السكان في جميع المجلات التي لا يسع المقال الى ذكرها.

إن أبرز الحلول التي تتواجد حاليا وأفضل خيار بين ايدي سكان هذه المعمورة اليوم هو التطعيم ضد هذا الفايروس وأخذ اللقاحات، فحماية الجميع مسؤولية الجميع.