العملات الرقمية ماهيتها ؟ والموقف الفقهي منها

العملات الرقمية ماهيتها ؟ والموقف الفقهي منها

 

العملات الرقمية ماهيتها ؟ والموقف الفقهي منها

           الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على  نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

    إن مما شغل المهتمين بالاقتصاد والتعاملات المالية في الآونة الأخيرة العملات الرقمية والدعوات الكثيرة الى الاستثمار فيها بل وجعلها وسيلة لشراء السلع وإجراء الكثير من التعاملات المالية ؛ فما هي العملات الرقمية ؟ ومتى ظهرت  ؟ وما هو الموقف الفقهي منها ؟ سأحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم وبيانه بشيء من الإيجاز غيرالمخل .

    العملة الرقمية : عبارة عن نوع من العملات المتاحة على شكل رقمي فقط وليس لها وجود مادي مثل الأوراق النقدية أو المعدنية ؛ ومع ذلك يكون لها نفس خصائص العملات المالية الأخرى فتستخدم في شراء السلع والمعاملات الفورية ونقل الملكية والخدمات المختلفة، فهي رصيد مالي مسجل ألكترونيا على بطاقة ذات قيمة مخزنة على جهاز آخر ويتم تداولها عبر الانترنت .

    تاريخ العملات الرقمية :

1. في عام 1977م ظهرت خوارزمية ( آر إس أي ) وهي من اختراع كل من ليونارد أديمان وآدي شامير ورونالد ريفست في معهد ماساتشوستس للتقنية وتم نشر ورقة اختراعها ورمزت أحرفها الثلاثة للأحرف الأولى لأسماء مخترعيها .

2. وفي عام 1993 م اخترع عالم الرياضيات ديفيد تشوم ما يقال بانها أول عملة مشفرة ألكترونية .

3. وفي عام 1996 م تم اطلاق الذهب الألكتروني ( إي – كولد ) وهو عبارة عن أول موقع لتبادل الذهب وتداوله .

4. وفي عام 1999 م تم اطلاق أول بنك ألكتروني ( باي بال ) الذي يساعد في تحويل الأموال عبر الانترنت .

5. وفي عام 2008 م تم الإعلان عن أول عملة رقمية على يد شخص أو مجموعة مبرمجين أطلقوا على أنفسهم ( ساتوشي ناكاموتو ) وهي ( البتكوين ) وتم التعامل بها أول مرة في عام 2009 م بين ساتوشي ناكاموتو وهال فيني .

6. وفي عام 2015 م ظهرت عملات جديدة وهي ( لايتكوين، والاثريوم ) .

7. وفي عام 2019 م أعلنت شركة فيس بوك عن ( ليبر ) وهي عملة خاصة بها وتم طرحها في 2020 م .

 كلفة العملة الرقمية :

   إن كلفة استخراج العملات المشفرة – الرقمية – مختلفة من دولة إلى أخرى حيث تبلغ في الصين أكثر من ثلاثة آلاف دولار وفي الولايات المتحدة قرابة خمسة آلاف دولار وفي كوريا الجنوبية ستة وعشرون ألف دولار وتحتاج عملية الاستخراج إلى طاقة كهربائية كبيرة وأجهزة حاسوب بأعلى المواصفات .

أنواع العملات الرقمية :  

  هناك نوعان من العملات الرقمية هما ( كوين ) و ( توكن ) الأولى عملة رئيسية لديها بلوكتشين – نظام سجل ألكتروني – خاص كالبتكوين وايثيريوم وسولانا، والثانية عملة فرعية تبنى على كوين ولا تملك بلوكتشين خاص بها وفي الغالب يتم بناؤها على بلوكتشين آخر .

الموقف الفقهي من العملات الرقمية :

   إن الرأي الفقهي الثابت الى زمن كتابة هذا المقال هو حرمة التعامل بها وأول مؤسسة شرعية أفتت بذلك هي رئاسة الشؤون التركية ثم تبعتها دار الإفتاء الفلسطينية ثم دار الإفتاء المصرية حيث أكد الدكتور شوقي علام مفتي مصر على عدم جواز التعامل بالبتكوين وشقيقاتها  ؛ نظرا لكونها وحدات افتراضية غير مغطاة بأصول ملموسة، فضلا عن كونها قد تفضي إلى ولادة مخاطر عالية قد تصيب الافراد والدول وقد وافقه في ذلك الدكتور محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء في السعودية قائلا : إن من يتداولون هذه العملات مثل الذين يلعبون القمار والميسر، لكن المسلم لا يدخل بالغرر، والغرر أخف من هذا بكثير، فالغرر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان في أشياء يسيرة، فكيف بهذا ؟

أما الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الخبير بالمجامع الفقهية الدولية الدكتور علي القره داغي فقال : إن البيتكوين ليس محرما لذاته لأنها عملة ألكترونية عملية مشروعة ولكنها محرمة لما يترتب عليها من المضاربات وضياع الأموال وفقدان الأصل أو الضامن لها وهذا ما يسمى بتحريم الوسائل، وهو يختلف عن تحريم المقاصد والأصول فتحريم الأصول لا يحل في أي حال إلا للضرورة أما تحريم الوسائل فيكون إذا زاد الفساد .

   وهذا الرأي هو الذي نميل إليه ونتبناه نظرا للاضرار والمخاطر التي تحيط بالتعامل بالعملات الرقمية والتي من أبرزها :

1- هذه العملات لم تصدر من أي جهة مالية رسمية وهذا يجعلها بدون مرجعية تمكن المتضررين لأي سبب كان الرجوع إليها وبالتالي فإن المستخدم يعتبر مسؤولا شخصيا عن جميع تعاملاته بها .

2- عدم وجود بيانات كافية لمستخدمي هذه العملات وعدم إمكانية الوصول الى هذه البيانات من قبل الجهات الرقابية يجعل منها وسيلة مفضلة للتداولات المشبوهة .

3- التذبذب الحاد والسريع في قيمتها يزيد الريبة والشك تجاهها مما يخلق حالة من عدم الثقة بقيمتها .

4- عدم توفر الانترنت بشكل مستمر أو عدم قدرة الكثيرين على استخدام التطبيقات الخاصة بها لأسباب لوجستية أو معرفية يجعل من الاعتماد عليها بشكل كامل أمر صعب تطبيقه عمليا .

 وهذه المخاطر قد رأيناها واضحة جلية عندما ظهرت ما تسمى عملة ( حزم ) في محافظة الانبار والتي أقبل عليها الكثيرون دون روية مما تسبب في خسائر فادحة للكثير منهم .

  ورغم كل ما مر سابقا فإني أعتقد أن العملات الرقمية ستتطور وتنحو مستقبلا بوتيرة سريعة فهي قد انتقلت من كونها فكرة افتراضية لتصبح حقيقة افتراضية لا يمكن التغاضي عنها ؛ وإذا ما تبنتها جهة مالية معتبرة وأصبحت ضامنة لها فسيكون لها حكم آخر .