لهجات العرب والهمز وتغير الدلالة

لهجات العرب والهمز وتغير الدلالة

  " لهجات العرب والهمز وتغير الدلالة "

د. احمد جاسم عبد حسو

كلية التربية/ القائم – قسم اللغة العربية

اللهجات العربية القديمة ميدان واسع، وذا قيمة في دراسة المراحل التطويرية للغتنا العربية، فهي الرافد والمعين لعلماء اللغة بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فقد تكون وسيلة لسد النقص في الثروة اللفظية للغة حين تدعو الحاجة إلى ذلك، وقد اعتاد علماء اللغة والنحاة القدامى، أن يطلقوا اسم اللغة بدل اللهجة فيقولون: لغة قريش، ولغة الحجاز، ولغة طيء، ولغة هذيل... الخ، وتعريف اللهجة في الاصطلاح بأنها مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة([1])، فدراسة لهجات العرب فيها من الثمار الشيء الكثير لمعرفة اللغة وأصولها، فالبيئة لها أثر كبير في جميع جوانب الحياه الاجتماعية، وغيرها وهي جزء من هذه الحياة، يقول الدكتور حاتم الضامن:  ((دراسة اللهجات العربية لها أهمية كبيرة في الدراسات اللغوية الحديثة، فمن طريقها يمكننا معرفه التطور في دلالات الألفاظ، ومعرفة ما تؤديه تلك المفردات من معان مختلفة تبعا لاختلاف البيئات، ونقف على طريقة استخدام القبائل العربية المفردات استخداما مختلفاً أحياناً وتعييناً دراسة اللهجات العربية في نسبة كثيرة من اللهجات الحديثة إلى اصولها من اللهجات القديمة، وهي بعد مفيدة في رسم الخارطة اللغوية للتوزيع اللهجي، وانتشار القبائل العربية وهجرتها، وأماكن سكانها قديماً وحديثاً، وتساعد دراسة اللهجات المختلفة في اللغة الواحدة في فهم طبيعة تلك اللغة ومراحل نشوئها وتطورها، ومدى تأثير البيئة فيها))([2])، فاللغات الواردة في مؤلفات علماء اللغة كثيرة وكثيرة جداً ومُصرح به، فمرة يصرحوا في اللفظ ثلاث لغات أو أربع، وفي موضع يختاروا الأفصح، وفي مواضع أخرى ينقلوا عن غيرهم، وقد يوردوا ما يروه مشهوراً أو أشهر، وقد يصفوا اللهجة بالرداءة أو الضعف أو الشذوذ، وقد ينسبون اللهجة إلى أصحابها، وفي احيان أخرى لا ينسبونها , اما الهمز , فقد أشار ابن فارس في مجمله إلى أن النبر في الكلام الهمز([3])، وفي هذا دليل واضح على أن الهمز عند القدامى من علماء اللغة هو صورة واضحة من صور النبر، فالهمز هو نبرٌ للغة من نوع خاص اعتمد على صوت الهمزة يقول ابن سيده: ((الهمز: العصر، وقد همزت امه وهمزت الجوزة بيدي أهمزها همزاً، قيل: ومن همزنا راسه تَهشَما)) ([4])، وقد علل أهل اللغة ((أن الهمزة سميت حزماً ؛ لا نها تهمز، فتهت فتنهمز عن مخرجها))([5])، فبعض القبائل العربية كانت تهمز وفي الوقت نفسه بعضها لا يَهْمُز، فهذا ابن منظور يقول ؛ ((إنَّ الكسائي يصلي بالمدينة، فهمز فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا تنبر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بالقرآن، والمنبور المهموز))([6]).

فهذا النوع أو التنوع في عدم التحقيق عند بعض القبائل، والتحقيق عند بعضها، دفع علماء اللغة القدامى إلى عقد أبواب خاصة في كتبهم لهذا المبحث الصوتي، وتبعهم في ذلك علماء اللغة المحدثون، واعتبروا أن ((النبر المكافئء الاصطلاحي للهمز عن العرب، وان كليهما يتطلب نشاطاً متحداً من أعضاء النطق الرئتان، عضلات الصدر، اقصى الحنك، الشفتان، اللسان، مما يؤدي إلى تعاظم مساحة السعة في الذبذبات الصوتية))([7])، هذا من ناحية المصطلح، أما من ناحية المخرج والصفة، فقد أشار سيبويه إلى أن الهمزة حرفٌ شديد مجهور([8])، وقد بين المبرد مخرجه "الهمز" ؛ فقال: ((حرفٌ يتباعد مخرجه عن مخارج الحروف ولا يَشركه في مخرجه شيء ولا يدانيه إلا الهاء والألف))([9])، أما صاحب الشافية، فقد علل ترك بعض القبائل تحقيق الهمز، فقال: ((اعلم أن الهمزة لما كانت أثقل الحروف في الحلق، ولها نبرة كريهة تجري مجرى التَّهَوُع، ثقلت بذلك على اللسان المتلفظ بها، فخففها قوم وهم أكثر أهل الحجاز ولا سيما قريش))([10])  .

 

 

 

 

 



([1]) في اللهجات العربية، د. ابراهيم انيس:16.

([2]) فقه اللغة / حاتم الضامن:47.

([3]) مجمل اللغة: 1/852.

([4]) المخصص: 4/32.

([5]) لسان العرب: 6/4323.

([6]) المصدر نفسه.

[7])) الأصوات اللغوية، د. عبدالقادر عبدالجليل: 240.

[8])) ينظر: الكتاب: 4/434.

[9])) المقتضب، للمبرد: 1/155.

[10])) شرح شافية ابن الحاجب: 3/31-32.