الجودة في التعليم :  تعريف وبيان

الجودة في التعليم : تعريف وبيان

 

 

د. عبد السلام علي حسين النوري

 

drsalamalnoori@uoanbar.edu.iq

الجودة في التعليم :

 تعريف وبيان

      تزايد الاهتمام بـجودة التعليم في   (Quality of Education) في مؤسسات التعليم عموماً والجامعات خصوصاً، وتجلى ذلك بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية حول موضوع الجودة في المجال التربوي والتعليمي ، التي انطلقت بداياتها في الدراسات الأربع الشهيرة التي نشرت في مجلة (Harvard Educational Review)  في عام (1996)  تحت عنوان:  (نعمل سويّاً من اجل الإصلاح( فضلاً عن انعقاد العديد من حلقات البحث والمناقشات الدولية عن الجودة بأبعادها المتعدّدة، وفي مراحل التعليم وأنواعه المختلفة، كتلك الحلقة المنعقدة في جامعة(Oxford)  في إنكلترا في المدة  7-12) آذار/  مارس 1999) حول موضــــوع : (ضمان الجودة والمستويات في التعليم العالي)، التي بحـــثت في كيفــــية قــــياس الجودة في التعــــليم العـــــــالي، بالإضافة إلى الانعــقاد الســـــنوي لورشة العمل الدولية عن التخطيط وتحلــيل السياسة التربوية  في معهد هارفرد الدولي للتنمية Harvard Institute  International Development   في جامعة هارفارد صيف كل عام، والتي غالباً ما تعالج عدّة قضايا تتصل بأبعاد الجودة التعليمية حتى نالت مسألة جودة التعليم الجامعي اهتماماً متزايداً لدى جميع قطاعات المجتمع، لأسباب عديدة منها زيادة الطلب على التعليم الجامعي، وإدراك العلاقة المباشرة بين جودة التعليم الجامعي وقدرة الخريج على المنافسة والإنتاجية في سوق العمل، وزيادة تنوع منظمات التعليم الجامعي وبرامجه، والوعي بالعلاقة بين جودة التعليم الجامعي والتنمية الشاملة للمجتمع، فضلاً عن التنافس الشديد للكفاءات العالية في إطار العولمة وتحرير الخدمات المهنية، وكذلك خطر العزلة والتهميش لمن لا يواكب معايير الجودة العالمية.

 

مفهوم الجودة (The concept of quality)

       الجودة لغة : تعني جاد الشيء,  جوده,  وجودة,  أي صار جيداً , والجيد نقيض الرديء ومثلها التجويد, وأجاد فلان في عمله وأجود وجاد عمله:  يجود جوده . وقد جاد جودة وأجاد: أتى بالجيد من القول والفعل, وشاعر مجواد: أي مجيد, يجيد كثيراً, واستجد الشيء:  أعدته جيداً. وتجودتها منها لك: أي تخيرت الأجود منها (ابن منظور،1984 : 72 )

       إنَّ مفاهيم "الجودة"  هي وليدة الحضارات الإنسانية القديمة التي دعت إليها وساهمت في تطوير فلسفتها، فهي ليست وليدة الحضارة الحديثة ومما لا شك فيه أن الدين الإسلامي الحنيف دين الإجادة والإتقان والنفع والجزاء الأوفى، وبالرغم من انفراد الغرب بصياغة أسس الجودة وفق الفهم المادي، إلا أن الإسلام أشار إلى أهمية الجودة في العمل إشارات واضحة من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فقال سبحانه وتعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك :2 )، وقول تعالى (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل:88)، وقال تعالى أيضا (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون) (التوبة) (105:, فهذه الآيات الكريمة تحث المسلمين على الالتزام بالجودة والإتقان لأنهما مبدأين إسلاميان أصيلان، وعلى المسلمين الالتزام بهذين المبدأين وتنفيذهما حتى تتحقق الجودة المطلوبة.

      ونلمس التأكيد على الجودة في الإسلام منذ بزوغ فجره على البشرية إذ كان الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) يحث على الاهتمام بالجودة في العمل من خلال الأحاديث الشريفة ومنها قوله الشريف (من عمل منكم عملاً فليتقنه) .

      

      ويشير مصطلح الجودة في التعليم الجامعي إلى مجمل الجهود التي بذلها أعضاء هيئة التدريس والقيادات العلمية والإداريون في المؤسسة التعليمية لتوجيه الموارد والعمليات لرفع مستوى المخرجات التعليمية بما يتناسب مع متطلبات المجتمع، ويُعدُّ مفهوم الجودة من الركائز الرئيسة للمنافسة في العقدين الماضيين، لذا أصبحت الجودة المحور الرئيس لإدارة الجامعات في المستقبل. إذ أضحت جودة الخدمة التعليمية ضرورة لازمة تزداد أهميتها بازدياد قدرتها على تحقيق الرغبات الكاملة للطلبة، وذلك عن طريق تلبية متطلباتهم واحتياجاتهم وتوقّعاتهم المعلنة وغير المعلنة.

         ويؤكد Juran  أن تحقيق الجودة في التعليم العالي هو منهج وعملية إدارية تهدف إلى تحقيق كفاية التعليم العالي وإيجاد وتهيئة الجو الأكاديمي المناسب للطلبة للحصول على الشهادة الجامعية. ويضيف Juran أن ذلك لا يعني التركيز فقط على قياس مدى ما يتم تحقيقه من أهداف بل ينبغي أن يشمل تقييم للإنجازات التي تم تحقيقها في مستويات التعليم العالي. ويقترح أنه في ظل غياب معايير محددة ومتفق عليها في التعليم العالي يصبح من الضروري على المؤسسة الأكاديمية أو الجامعة أن تحدد رؤيتها وأهدافها وغاياتها لكي يمكنها من تقييم أدائها وإنجازاتها بناء على هذه الأهداف والغايات.  

       إنَّ الجودة في التعليم العالي تعني من وجهة نظر (Adms)  هي جودة كل من المتعلمين، البيئة الجامعية، عمليات التعليم، والنواتج المتضمنة المعارف والمهارات والاتجاهات التي تنعكس إيجابياً على خدمة المجتمع.  وتعتمد جودة التعليم العالي كلياً على نوعية أعضاء هيئة التدريس ونوعية نظام دعم الطلاب. وفي كلمات بسيطة تعدُّ الجودة نقاوة المعارف بنسبة (100%)  والمكتسبة من أعضاء هيئة التدريس والمعايير الموضوعة من مؤسسة التعليم العالي لتحويل حالة المعرفة الراهنة لمجـــــتمع الطلاب لمواجــــهة التحديات المقبلة بفعالية وكفاءة كما يراها  (Mangnale & Potluri).  وهذا يعني أن الجودة في التعليم العالي لا تتحدد بجودة عنصر محدد من عناصر العلمية التعليمية ولا بمعطيات بيئتها فحسب، وإنما تصف حالة التكامل والتفاعل بين العناصر المختلفة ومحصلة النواتج المترتبة عليها والتي يفترض أن تحقق إستجابة فاعلة إلى حاجات وتوقعات المستفيدين ( أصحاب المصالح)، وهذا يجعل من مفهوم الجودة مفهوماً نسبياً، يصعب تعميمه أو تحديده بمعيار.

       وهذا ما أكده كل من(Harvey & Green)  عندما عرف  الجودة بأنها  مفهوم نسبي يعود مستوى تقديره إلى وجهات نظر أصحاب المصالح في التعليم العالي . وهي مجمل النشاطات العلمية للموارد البشرية المساهمة(تدريسيين وباحثين، وموظفين) ذات الصلة بالعملية التعليمية وتلك المبادئ التي تسهم في تحسين جودة التدريس، ، فضلاً عن جودة مخرجات العملية التعليمية وانعكاساتها الإيجابية على حاجات وتوقعات الأطراف المستفيدة ( أصحاب المصالح) مثل "الطلبة، وأولياء أمور الطلبة، المجتمع، والدولة"  .       

       والتعريف الوارد في تقرير اليونسكو (2017) يراها في التعقيد المتزايد لبيئة التعليم العالي" وهو مفهوم ديناميكي متعدد الأبعاد والمستويات، يتعلق بالإعدادات السياقية للنموذج التعليمي، ورسالة المؤسسة وأهدافها، وكذلك معايير محددة ضمن نظام معين أو مؤسسة أو برنامج، أو فرع من فروع المعرفة الدراسية"

       أما وجهة نظر (المحياوي) فالجودة تعني  التحسين المستمر في عملية تقديم الخدمة للطلبة في مؤسسات التعليم الجامعي، بما يؤدي إلى تلبية احتياجاتهم وتوقعاتهم وصولاً إلى تحقيق أهدافها التعليمية في تزويد المجتمع بخريجين ذوي جودة عالية. ويتحدد مفهوم الجودة في التعليم بناءً على ثلاثة عناصر أساسية وهـي:-

 1-    الفلسفة:  وفحواها أن الطالب لا يعدُّ في الأصل هو المنتج، إنما المنتج هو ما يكتسبه الطالب من خلال عملية التربية والتعليم من معارف ومهارات وقيم أخلاقية وجمالية تعمل على تنميته ذاتياً في الجوانب المتصلة بامتلاك المعارف والمهارات والخبرات.

 2-    الهدف:  وهو أن كل منتج أو خدمة يصل إلى أي فئة من المستهلكين في داخل المنظمة التعليمية أو خارجها، وكل نشاط يقود المنتج أو الخدمة النهائية يجب أن يكون بأعلى مستوى ممكن من الجودة، ويطابق عناصر مواصفات نظام الجودة.

 3-    العملية : أي التغذية العكسية من جانب المساهمين من أولياء الأمور والطلبة وأفراد المجتمع لتحديد مستوى جودة المنتجات والخدمات الواجب استيفـاؤها، واستعمال الموظفين المدربين لتطوير هذه المنتجات والخدمات بما يرضي الزبائن إلى أقصى درجة.

      وتعقيبا على ما سبق من أراء الباحثين والأكاديميين فإنَّ جودة التعليم العالي تعني مجموعة الخصائص ومميزات المنتج التعليمي القادرة على تلبية متطلبات سوق العمل والمجتمع وكافة المستفيدين من العملية التعليمية، وأن تحقيق جودة التعليم يتطلب تكامل وتفاعل كل الموارد البشرية والسياسات والنظم والمناهج والعمليات والبنى التحتية من أجل خلق بيئة فاعلة للإبداع  ولابتكار لتلبية المتطلبات التي تهيئ الطالب في بلوغ المستوي الذي تسعى الجامعة اليه,  ليكون فاعلا لمجتمعه وملبياً لسوق العمل، فجودة التعليم من المنظور العملي الواقعي يعني التزام المؤسسة التعليمية بإنجاز مؤشرات ومعايير حقيقية متعارف عليها محلياً ودولياً.  وهذا يعني من جهة أخرى تقييم المستفيدين من الخدمة التعليمية كالطلبة وأولياء أمورهم لجودة التعليم الذي تقدمه الجامعة.  وهنا يكمن الترابط لكلٍ دلالات المهمة في تفسير معنى جودة الخدمة التعليمية التي تقدمها المؤسسة التعليمية بشكل عام.