الاستصلاح الحيوي في الترب المتأثرة بالأملاح

الاستصلاح الحيوي في الترب المتأثرة بالأملاح

 

 

 

ان شحة المياه الحالية وقلة الامطار والتي تزيد من خطر التملح والتدهور الكبير الحاصل في الاراضي الزراعية ادت الى وجود حاجة ملحة في الوقت الحاضر الى تقنيات موقعيه ملائمة مثل الاستصلاح الحيوي Phytoremediation.

تعد عمليات استصلاح الاراضي بمفهومها العلمي الشامل وهي معالجة المشاكل المحددة للإنتاج الزراعي، من انسب الاسس والوسائل للوصول الى التنمية الزراعية المتطورة لرفع كفاءة استغلال الاراضي الزراعية وزيادة قابليتها الانتاجية ولاسيما في المناطق المروية وذلك لكون هذه الانشطة والفعاليات تغطي رقعة سكانية ومساحات واسعة في وسط وجنوب العراق والاستثمارات الكبيرة والجهود الضخمة المبذولة في هذا المجال لتوفير قاعدة مادية مهمة للإنتاج الزراعي والتطور الاقتصادي.

أن مجمل علاقة الاستصلاح بالعملية الانتاجية تشمل ما يلي : (أ)- عملية التوفير(عناصر غذائية، المياه، الحرارة، التهوية) (ب)- عملية النقل وتأمين حركة المتطلبات اعلاه بالوقت والكميات والمعدلات المناسبة.)ج(- عملية التجميع او تصنيع المكونات اعلاه بشكل انتاج (ثمار، درنات ، حبوب ، علف) وتتميز هذه العمليات بانها سلسلة او مجموعة من التفاعلات المترابطة تتأثر او تجري عبر قنوات او مسارات ذات اتجاهين من التربة الى النبات وبالعكس والحاجة الى الطاقة بمختلف اشكالها لخدمة هذه التفاعلات ( ميكانيكية، كهربائية، حرارية، ذرية).

 يعد غسل الاملاح الى الطبقات السفلى أحد الطرائق الشائعة لتقليل محتوى الاملاح في الطبقة السطحية، الا ان هنالك معوقات تواجه هذه الطريقة التقليدية للاستصلاح ومنها: - رداءة البزل بسبب ارتفاع مستوى الماء الارضي، الايصالية المائية المنخفضة لطبقات التربة وقلة توفر المياه جيدة النوعية للغسل او الكلفة العالية لهذه المياه. ان شحة الموارد المائية قد اثرت الى حد كبير عن امكانية القيام بعمليات غسل للتربة على نطاق واسع في العراق. خلال المائة سنة المنصرمة استخدمت اساليب مختلفة لكيمياء الاستصلاح ومنها تداخل عوامل المصلحات الكيميائية والحراثة واستعمال المحاصيل ومياه الغسل كلها ضمن مقادير معينة ان جميع هذه العوامل تساهم في استصلاح الترب المتأثرة بالأملاح.

مما تقدم يتضح حاجة ملحة في الوقت الراهن الى تقنيات موقعيه ملائمة مثل الاستصلاح الحيوي Phytoremediation والذي يعرف بانه استخدام النبات لإزالة الملوثات (الاملاح) من التربة بواسطة النباتات المتحملة للأملاح والتي تنتج غطاءً خضرياً يمتص الاملاح وتزال من الحقل بواسطة الحصاد. هذا النوع من الاستصلاح يكون مفيداً للأراضي الجافة وشبه الجافة ذات المساحات الكبيرة البعيدة عن مصادر المياه لان هذه التقنية يمكن اجراءها موقعيا دون الحاجة الى كميات كبيرة من الماء لغسل الاملاح. وهناك عوامل تجعل هذا النوع من الاستصلاح ذا اهمية كبيرة وذلك من خلال انخفاض التكلفة الاقتصادية، فضلاً عن العائد الاقتصادي المتحقق للمزارعين من المحاصيل التي يزرعونها خلال عمليات الاستصلاح وتحسين بناء التربة وزيادة ثباتية مجاميع التربة وتكوين المسامات الكبيرة Macro pores  التي تزيد من الايصالية المائية للتربة واختراق الجذور والتجانس وزيادة عمق المنطقة المستصلحة في التربة والاخذ بعين الاهتمام الاعتبارات البيئية في زيادة الكاربون العضوي في التربة بعد الاستصلاح. على الرغم من الفوائد الجمة التي ترافق هذا النوع من الاستصلاح، الا انه يحتاج الى المزيد من الدراسات وخاصة في العراق وذلك على صعيد انواع المحاصيل المتحملة للملوحة التي يمكن استعمالها وكذلك الترب التي يمكن ان يكون فيها الاستصلاح بالنباتات ملائما.

ان الاستصـلاح الحيوي هو انتخاب المحصول او اجراء التعديل الوراثي على صفات بعض الانواع النباتية ليتمكن من العيش في الترب المتأثرة بالأملاح، هذا الخيار يعد الاكثر قبولا والاقل تكلفة واستنزافا للموارد الاقتصادية. تعد قابلية النبات لتحمل الاجهاد الملحي لمستوى معين ذات اهمية عالية لإدارة الموارد بشكل امثل وهذا سبب تطوير المحاصيل التي جرى تكييفها مع تحمل ملحي مرتفع يلائم بيئات الاجهاد الملحي. استعمال نباتات متحملة للملوحة هي احدى تقنيات الاستصلاح لقابلية النباتات على النمو في ترب متأثرة بالملوحة والتي تؤدي الى تناقص ملوحة وزيادة غسل الاملاح الذائبة اسفل المنطقة الجذرية للتربة الملحية وتحسين صفات التربة من خلال فعالية جذورها. ان استعمال محاصيل اقتصادية متحملة تحقق دخلاً للمزارعين مقارنة بالكلفة العالية لأنشاء شبكات البزل.

تعتبر هذه التقنية ذات مردود ايجابي على موقع المعالجة وتستعمل لتنظيف وأزاله الملوثات من التربة والماء والهواء. تؤدي المحاصيل دوراً في تحسين الايصالية المائية من خلال ممرات الجذور وانتاج غاز CO2 من خلال عملية التنفس ومن ثم تكوين حامض H2CO3 الذي يساعد على اذابة الكلس. علماً ان هذه التقنية لا تسبب ضرراً للبيئة، بل على العكس مما يجعلها تصب فى هدف الزراعة المستدامة Sustainable agriculture. تقدير كفاءة الاستصلاح الحيوي تعتمد على كمية الملوثات (الاملاح) الكلية التي تجمعت في انسجة النبات نتيجة مقدار تراكمها في الكتلة العضوية (الجافة) من حصاد المحصول. ان استعمال النباتات الملحية (Halophyte)  للاستصلاح قد لا تنتج كتله حيوية كبيرة بالقدر نفسه للمحاصيل غير الملحية Glycophyte، الا انها تكون ملائمة بسبب قابليتها للتأقلم ومقاومة للظروف البيئية وقابليتها لطرح الاملاح خارج جسم النبات الا ان المردود الاقتصادي لها يعد قليلا نسبياً. يمكن استعمال النبات من خلال عملية الاستصلاح الحيوي في ازالة وتقليل الملوثات من البيئة ومن ضمنها العناصر المعدنية والمبيدات وكذلك المشتقات النفطية كما يعمل على تثبيط او ايقاف التعرية المائية والهوائية والحد من حركة الماء الارضي للانتقال من مكان الى اخر.