داء كرون والحمية الغذائية الملائمة للمصابين به

داء كرون والحمية الغذائية الملائمة للمصابين به

 

م. فدوى وليد عبد القهار- قسم علوم الأغذية

داء كرون أو كرونز Crohn's disease هو أحد أمراض الجهاز الهضمي غير المعدية الذي قد يكون مؤلما جدا ومدمرا، كما يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات تهدد الحياة. يتمثل بالتهاب مزمن لبطانة الجهاز الهضمي، و يمكن أن يصيب أي منطقة في الجهاز الهضمي من الفم إلى فتحة الشرج، لكن إصابة جدران الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة أو القولون هي الأكثر شيوعا. ومازال سبب المرض مجهولاً، إذ كان يعتقد سابقا أن المشكلة تكمن في النظام الغذائي والإجهاد؛ ولكن تبين أن هذه العوامل من شأنها زيادة سوء الحالة وتفاقم أعراضها وليست هي المسبب. هناك عوامل يمكن أن تساهم في تطور الحالة، منها عوامل وراثية يمكنها زيادة احتمالية الإصابة بالمرض، وقد تشترك في هذا الأمر عوامل مناعية نتيجة مشكلة في الجهاز المناعي لدى المريض فيسبب مهاجمة البكتريا في الأمعاء.

تتفاوت أعراض المرض من شخص لآخر، فتتراوح من خفيفة إلى شديدة، وقد تحدث بشكل مفاجئ أو تتطور تدريجيا وهي الأكثر حدوثا. وتشمل أعراضه آلاماً في البطن والإسهال الشديد المصحوب بالدم والمخاط احيانا، ارتفاع درجة حرارة الجسم، تقرحات الفم وتندب في الأمعاء، الشعور بالتعب، فقدان الشهية، فقر الدم، فقدان الوزن، تأخر وضعف النمو لدى الأطفال. ويتوجب على المريض مراجعة الطبيب في الحالات الآتية: ظهور دم في البراز مصحوبا بآلام البطن، استمرار حالات الاسهال دون استجابة للأدوية، حمى غير مبررة لأكثر من يومين، فقدان وزن من غير مبرر. ومن مضاعفات المرض: الخُرّاج حول الشرج وداخل الجهاز الهضمي، ?الشقوق الشرجية، الناسور الشرجي، قرحة المعدة، الالتهاب في مناطق من الجسم مثل التهاب في المفاصل والعينين والجلد، جلطات الدم بضمنها تخثر الأوردة العميقة، هشاشة العظام، حصى الكلى والمرارة، انسداد أو تضيق الأمعاء، سرطان القولون.

لا يوجد حتى يومنا هذا علاج لداء كرون، لكن يمكن التقليل من الأعراض والمضاعفات بتغيير نمط الحياة واستخدام بعض الأدوية مثل مثبطات المناعة ومضادات الالتهاب مثل الكورتيزون. وقد يضطر المصاب لإجراء عملية جراحية وغالبا لا تعود الا بفوائد مؤقتة. وينصح المصابون بالالتزام بإرشادات الطبيب والدواء الموصوف، وتجنب ايقاف الدواء عند زوال الأعراض أو تناول المستحضرات العشبية دونما استشارة الطبيب لاحتمال تداخلها مع الأدوية الموصوفة.

لا توجد حمية عامة لمرضى كرون، لكن بصورة عامة يمكن أن ينصح باتباع نظام منخفض الألياف والاكثار من تناول السوائل والابتعاد عن الوجبات السريعة. ويصمم مختص التغذية بالتشاور مع الطبيب المشرف على الحالة حمية خاصة بكل مريض مع الاخذ بنظر الاعتبار النقاط الآتية:

·    تجنب الأغذية التي تحفز ظهور أو تفاقم أعراض المرض وذلك بعد ان يتم تحديدها وتتم الاستعانة بمختص التغذية للاستعاضة عنها بخيارات ملائمة ويختلف ذلك من مريض لآخر. إذ تساعد هذه الأصناف الغذائية على تخفيف حدة أعراض المرض وإتاحة المجال للأمعاء للتعافي من الالتهابات الحاصلة. وقد تكون بعض الأغذية المحفزة لنوبات المرض أغذية صحية، لذا يمكن تجنبها خلال النوبات ومن ثم محاولة تناولها باعتدال خلال فترات هدأة (سكون) المرض. ويمكن أن يدون المريض الأصناف الغذائية التي يتناولها مع ملاحظات عن تأثيرها على نوبات المرض التي يتعرض لها في مذكرة تساعد المختص على إرشاده للأغذية الملائمة لحالته.

·  هناك العديد من الأغذية المناسبة لمرضى كرون، والتي يمكن للمريض تناولها بكميات متزنة للتعويض عن المغذيات التي افتقر اليها بسبب ابتعاده عن أغذية معينة.  ويمكن لمختص التغذية أو الطبيب المعالج وصف بعض المكملات الغذائية التي يحتاجها المريض.

·                  قد يقلل مرض كرون من قدرة الأمعاء على الامتصاص وبالتالي يقلل الانتفاع بالطعام، خاصة وأن التهاب الأمعاء يمكن أن يخل بقدرتها على امتصاص العناصر الغذائية، كما إنه قد يخضع بعض المرضى لجراحة استئصال جزء من أمعاءهم، مما قد يفاقم مشكلة الامتصاص.

وفي هذه الحالات يوصى مرضى كرون بحمية غنية بالبروتينات والسعرات، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالحمية حتى عند فقدان المريض لشهيته، وعادة يوصى المريض بالحمية الآتية:1- تناول وجبات متعددة في اليوم وبشكل منتظم 2- تناول وجبتين الى ثلاث وجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسة 3- تناول المكملات الغذائية لتعويض النقص الحاصل في المعادن والفيتامينات. أما أبرز الأغذية التي يوصى بتناولها خلال نوبات مرض كرون فهي: 1-الفواكه قليلة الألياف مثل الموز والشمام 2-الفواكه المطبوخة مثل صلصة التفاح 3-مصادر للبروتينات مثل التوفو ولحوم الدواجن والأسماك والبيض. 4-الحبوب المعالجة ومنتجاتها مثل الأرز الأبيض والمعكرونة البيضاء. 5-الخضروات المطبوخة والتي تم التخلص من بذورها وقشورها مثل البطاطا والخيار والهليون. 6-السوائل الصحية مثل مرق اللحم، والماء، وعصير الطماطم.

وعلى النقيض من ذلك، هناك أغذية  يوصى بتجنبها في حمية كرون خاصة خلال النوبات مثل المأكولات الغنية بالفلفل، الحليب ومنتجاته، الأغذية المقلية والغنية بالدهون، المشروبات الغنية بالكافيين، الأغذية الغنية بالسكر والمحليات الصناعية والحلويات، الخضروات المسببة لتكوين الغازات مثل اللهانة والبروكلي والبقول، الخضروات النيئة خضراء اللون، الفواكه غير المقشرة، الحبوب الكاملة ومنتجاتها، أغذية ومشروبات أخرى، مثل الزبدة والكحوليات والمشروبات الغازية.

خلال فترة الهدأة يفضل الاستمرار بتجنب الأغذية غير الصحية، كالأغذية المعالجة. وعوضا عن ذلك يمكن للمريض محاولة تناول بعض الأغذية التي لا تلائمه خلال فترة النوبات، وذلك لتعويض جسمه  بالمغذيات الضرورية خلال الفترة المستقطعة من نوبات المرض. ومن أبرز ما يمكن تناوله خلال هدأة المرض:

· الأغذية الغنية بالألياف: إذ يساعد تناولها خلال فترة الهدأة على تعزيز بكتريا الأمعاء النافعة وإطالة فترة الهدأة. ومن أمثلتها الحبوب الكاملة كالقمح والشعير والشوفان والمكسرات والفاصوليا.

· مصادر البروتينات: وأبرزها اللحوم الحمراء والأسماك، المكسرات وزبدة المكسرات، وأغذية أخرى كالبيض والتوفو. ويفضل تجنب مصادر البروتينات غير الصحية كاللحوم الغنية بالدهون أو اللحوم المعالجة.

·  مصادر الكالسيوم: كالحليب ومنتجات الألبان والبروكلي والخضروات الورقية والفاصوليا والبرتقال واللوز. ويوصى بتناول مصادر خالية من اللاكتوز كحليب الصويا، في حالة عدم ملائمة مصادر الكالسيوم الغنية باللاكتوز للمريض.

·  أصناف أخرى مثل الفواكه والخضراوات المتنوعة الخالية من القشور والبذور، ومصادر البروبايوتيك  (Probiotics)مثل اللبن الرائب.

قد لا تكفي الحمية لحصول المريض على احتياجه من المغذيات، فيوصى بتناول المكملات الغذائية، خاصة بعض المغذيات كالفيتامينات A و D و  K و B12، والمعادن كالمغنيسيوم والكالسيوم والحديد والزنك.

ويمكن للمريض تحت إشراف مختص التغذية والطبيب تجربة بعض الحميات التي قد تفيد حالته، مثل حمية البحر الأبيض المتوسط وحمية الباليو وحمية الفود ماب والحمية قليلة الفضلات ومساعدته في وضع قائمة للأغذية البديلة الملائمة له. ويمكن إخضاع المريض لحمية السوائل تحت إشراف الطبيب، إذ تساعد الأمعاء على أخذ فترة راحة لتحسين قدرتها على التعافي.