حراثة التربة وخصائصها الفيزيائية

حراثة التربة وخصائصها الفيزيائية

 

الأستاذ المساعد الدكتور واثب شكري النعيمي

قسم علوم التربة والموارد المائية

درج العاملون في الزراعة على حراثة التربة ذلك لتوفير مهد مناسب لبزوغ البادرات واستنبات البذور، إذ تعمل حراثة التربة على تفكيكها وتقليل مقاومتها للاختراق وقد عرف الانسان هذه العملية منذ بداية تحوله من الصيد لتامين غذاءه إلى الزراعة وقد استخدم الحجارة والخشب لأجل ذلك ثم الآلات المصنوعة من الحديد إلى المحاريث التي تجرها الخيول والثيران وصولاً إلى تلك التي تجرها الساحبات، ولكن هل عملية الحراثة عملية مقبولة من الناحية العلمية؟

كثيرا ما يطرح مختصو الري تساؤلهم المشهور "متى نروي وكم نضيف من الماء" وقد آثرت المراجع العلمية الإجابة على هذا السؤال، وفي معرض الحديث عن الحراثة كان لا بد لي من التساؤل متى تحرث التربة وما مقدار تلك الحراثة، إن المراجع العلمية لازالت لم تجب على هذا التساؤل بشكل وافِ وإن الإجابة على هذا التساؤل يبدو لي لا زال بحاجة إلى كم كبير من الأبحاث التي تختص بالحراثة ومع ذلك سأحاول الإجابة عليه بما هو متوافر من معلومات.  

إن حراثة التربة مفهوم يرتبط ارتباطاً وثيقاَ بخصائص وصفات التربة الفيزيائية ككثافة التربة الظاهرة وبناء التربة وإيصاليتها المائية المشبعة وغير المشبعة وتهويتها وحرارتها والتي هي بدورها نتاج لبناء التربة وبشكل غير مباشر بتعقيم التربة بأشعة الشمس للتخلص من بعض أحياء التربة المجهرية غير المرغوب فيها، على أي حال قد تكون مفاهيم التربة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية مرتبطة ببعضها البعض. ففي الوقت الذي نحتاج إلى حراثة التربة من أجل خفض كثافتها الظاهرة فأننا نعمل على تحطيم بناء التربة (انتظام وارتباط دقائق التربة الأولية بشكل هندسي بمواد لاحمة) والذي بدوره سيؤدي إلى تدهور باقي صفات التربة المرتبطة به ككثافة التربة نفسها وبالتالي إعادة رصها بعد الرية الأولى أو الثانية بعد الحراثة (هبوط التربة)، ما يسبب إعادة توزيع سيء لفراغات ومسام التربة والذي سيؤثر في حركة الماء والمذاب والذي سيقود إلى عدم الاستفادة الكاملة من المياه والأسمدة المضافة إما لعدم الاحتفاظ بالماء والمذاب في جسم التربة ضمن حجم التربة المتأثر بالجذور أو الانخفاض الناتج في اذابة وحركة مغذيات النبات في التربة.

إن أهم صفة فيزيائية تؤثر في حركة الماء المذاب في التربة هو نسبة وتوزيع مسام التربة الهندسي وهما نتاج مباشر لبناء التربة وإن الحفاظ عليه سيظل مهمة صعبة مع إجراء عملية الحراثة، إذاً متى تحرث التربة وما مقدار الحراثة المطلوب، من وجهة نظر الكاتب فان معيار الكثافة الظاهرة للتربة سيكون معياراً مناسباً للعاملين في الزراعة على الأقل في الوقت الحاضر لاتخاذ قرار الحراثة، للإجابة على الشق الأول من التساؤل متى تحرث التربة فان كثافة التربة الظاهرة والتي تقل عن 1.3 ميكا غرام م-3  (كثافة التربة الملائمة لأغلب المحاصيل هي 1.2-1.3 ميكا غرام م-3 ) لا يستوجب معها إجراء عملية الحراثة بينما زيادة كثافة التربة الظاهرة عن هذا الحد سيحدد الإجابة على الشق الثاني من التساؤل ما هو مقدار الحراثة المطلوب، يمكنني تقسيم الحراثة إلى أربعة أنواع هي الحراثة الصفرية، حراثة الحد الأدنى ( أو الحراثة المحافظة)، الحراثة التقليدية والحراثة العميقة.

عندما يراد زراعة نباتات لا تحتاج إلى تغطية بذورها بالتربة كبعض نباتات المراعي والحشائش وكثافة التربة الظاهرة تقل عن 1.3 ميكا غرام م-3 فان الحراثة الصفرية سيكون خياراً مناسباً بينما إذا كانت بذور النباتات تحتاج إلى التغطية بالتربة ولنفس كثافة التربة أعلاه فلا بد لنا بالتفكير بالحد الأدنى من الحراثة وذلك باستخدام الباذرات وكلما كان خدش التربة أقل بكثافة التربة هذه كان خيارنا هو الأفضل وذلك للمحافظة على بناء التربة من التحطم والتدهور، وكذلك فان استخدام الخرماشة بشكل غير متعامد سيكون خياراً مناسباً أيضاً وهو ما درج علية مزارعو الحنطة الديمية في بلدنا، بينما عندما تزداد الكثافة الظاهرة عن 1.3 وأقل من 1.45 ميكا غرام م-3 قد يكون خيار الحراثة بالخرماشة لعمق 10 سم بشكل متعامد مقبولاً بينما إذا زادت كثافة التربة الظاهرة عن هذا المدى فإن اللجوء إلى الحراثة التقليدية باستخدام المحاريث التي تحقق عمق 30 سم امرٌ لا بد منه خصوصاً عند وصول كثافة التربة الظاهرة إلى حدود 1.6 ميكا غرام م-3، في حين ان اللجوء إلى الحراثة العميقة فهو مرتبط بوجود طبقة غير منفذة للماء (الطبقة الصماء) وهذا النوع من الحراثة يحتاج إلى الآلات حراثة ضخمة تجرها المعدات الثقيلة كالترنبولات أو المحاريث المنشارية والتي قد تحقق عمقا يزيد عن المتر، وفي الحالة الأخيرة وما قبلها سيكون تفكيرنا  بالمحافظة على بناء التربة ضعيفاً وقد يكون غير مهم ذلك أن بناء التربة أصلاً قد وصل إلى حالة متدهورة كنتيجة لرص التربة والتي أصبح فيها التوزيع الهندسي لدقائق التربة في أسوء حالاته.

وهذا ما سأتكلم عنه في مقالة أخرى تحت عنوان خصوبة التربة الفيزيائية أن شاء الله