دور القطاع الخاص في نهوض صناعة الألبان في محافظة الأنبار

دور القطاع الخاص في نهوض صناعة الألبان في محافظة الأنبار

 

أ.د. علي أمين ياسين

قسم علوم الأغذية

تعاني محافظة الأنبار اليوم كما في الأمس من شحة في أعداد معامل الأغذية المقامة على أراضيها سواء كانت هذه المعامل إنتاجية أو تحويلية أو تكميلية. فباستثناء معمل ألبان أبو غريب (والذي أصبح يدار استثمارياً) وبعض معامل الألبان الصغيرة (على المستوى محلي ضيق جداً) والمتناثرة في بعض أقضية المحافظة ونواحيها علاوة على بعض المطاحن القديمة الموجودة في مدينة الرمادي وبعض أقضية المحافظة فأن المحافظة تقف عاجزة تماما عن سد أبسط احتياجاتها الأساسية من المواد الغذائية المصنعة ونصف المصنعة. ولذلك توجهت معظم العوائل التي تقطن مدن وأقضيه وقصبات المحافظة لسد احتياجاتها من الغذاء إلى السوق الخارجية والتي بدأت تمد الأسواق بأنواع مختلفة من الأغذية المصنعة؛ منها ما هو مطابق للمواصفات القياسية العراقية والعالمية ومنها ما هو غير مطابق ولم يُنتَج في ظروف صحية ولا إنتاجية مسيطر عليها. وخلاصة القول إن جُلَ المعامل المنتشرة في المحافظة هي معامل حرفية تفتقد أكثرها لمعايير السلامة والنظافة الواجب تواجدها في مثل هذه المعامل ومن هنا برزت مشاكل عدة مثل: افتقاد المحافظة لما يعرف بالأمن الغذائي، الاعتماد على المستورد الخارجي لسد النقص الحاصل في الأغذية مما يثقل كاهل المستهلك بنفقات الجمارك والنقل والشحن والتحميل والتي كان بالإمكان تخطيها في حال كان المنتج محلياً وارتفاع معدلات البطالة بين الفئات العمرية القادرة على العمل.

في ضوء معطيات اليوم يتضح بأن القطاع الرائد حالياً في مجال الألبان في هذه المحافظة بشكل عام هو قطاع التجارة والنشاطات التجارية المتعلقــة بالاستيراد والتصدير، في حين كان المفترض إن يكون قطاع الصناعة هو القطاع الرائد كون العراق يمتلك كل مقومات النهوض بصناعة الألبان. إن تشجيع وتنمية إنشاء الوحدات الصغيرة لإنتاج منتجات الالبان في القرى والنواحي والقصبات يساهم بصورة مباشرة في تنمية المجتمع الريفي من خلال دور مثل هذه الوحدات في رفع دخل الأسرة القروية وتشجيع الاستثمارات الصغيرة لرؤوس الأموال.

 ترجع أهمية مثل هذه الوحدات إلى مساهمتها في دعم الاقتصاد القومي كقطاع من قطاعات الصناعات التحويلية الريفية أو الحضرية وذلك من خلال مساهمتها في خلق نوع من الاكتفاء الذاتي وسد حاجة السوق لمنتجات الالبان وتوفير العملة الصعبة هذا علاوة على منح السوق المحلية نوعاً من الاستقرار وثبات الأسعار والتوازن بين العرض والطلب خلال الأزمات و الكوارث التي قد تعصف ببلدان الإنتاج الخارجي والتي بدت انعكاساتها واضحة جداً في السوق المحلية في الفترات الأخيرة، هذا علاوة على كون هذه الوحدات تمثل نموذجاً للتطبيق العملي والاندماج في سوق العمل لخريجي كليات الزراعة خصوصاً أقسام علوم الأغذية وصناعة الألبان إضافة إلى ما تقدمه من زيادة كفاءة استخدام الإمكانيات والتكنولوجيات الحديثة في العملية الإنتاجية وتحسين المهارات والخبرات الفنية والتكنولوجية لشباب المجتمع الريفي عموماً والمرأة الريفية على وجه خاص وهذه يتماشى مع نفسية المرأة العراقية التي تمتاز بحبها للمطبخ وبراعتها في صناعة الأطعمة. ولهذه الوحدات دور في تدريب الكوادر الفنية وتأهيلها في مجال تصنيع الألبان وتطبيق أحدث التقنيات في صناعة الألبان لتناسب ظروفنا البيئية والاجتماعية وتوفير المنتجات اللبنية الأساسية المطلوبة للمجتمع. علاو على ذلك تعمل هذه الوحدات الصغيرة على الاستخدام الأمثل للإنتاج القومي من الحليب المنتج محلياً مما يمنح مربي الحيوانات ومنتجي الحليب الأمان لتسويق منتجاتهم وهذا سيساهم مستقبلاً بتطوير وزيادة الثروة الحيوانية في المحافظة.

إن متوسط استهلاك الفرد في العربي من منتجات الالبان حوالي 40 كغم /سنوياً ويعتبر ذلك مستوى منخفضاً بالمقارنة مع الاستهلاك العالمي والذي يصل في بعض الدول الى أكثر من 205كغم/سنوياً للفرد الواحد. ولذلك تعمل الدول علي رفع المتوسط الاستهلاك عن طريق تنمية ورفع مستوى صناعة الألبان في القرى والأرياف باعتبارها داعماً للمعامل والمنشآت الكبيرة. وعليه فالفرصة كبيرة لعمل استثمارات في مجال تصنيع الألبان في الريف العراقي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة إنتاج الألبان والذي تعرض لهزات قوية بعد عام 2003 حيث كشفت منظمة الفاو في إحصائية لها إن نسبة 40 % من الثروة الحيوانية في العراق قد تم تهريبها بعد حرب 2003إلى البلدان المجاورة وهذا سيساهم في زيادة منتوج الحليب الذي يقدر حالياً بحوالي 2.2 مليون طن فقط والذي يعادل 32% من قيمة الإنتاج الحيواني ونحو 7% من قيمة الإنتاج الزراعي الكلي للبلاد وهي تعتبر نسبة منخفضة جداً إذا قورنت بالبلاد الأخرى حيث تمثل 25% من قيمة الإنتاج الزراعي.

ومما تقدم تتضح أهمية إقامة مشاريع للتصنيع الغذائي تسد حاجة المحافظة من العديد من الأغذية المصنعة خاصة تلك التي تشتهر المحافظة بوفرة أنتاج موادها الأولية، كالحليب ومشتقاته ومصانع الدبس وتصنيع وكبس التمور وتعليب أنواع من الفواكه والخضراوات وتعليب الفطر وصناعة الخل ومعجون المطاطة. على أن يضع مسؤولو المحافظة خطة مستقبلية طموحة وشاملة لسد حاجة المحافظة من الأغذية المصنعة بغية النهوض بواقع التصنيع الغذائي فيها. علاوة على تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي لبعض الأغذية وخلق فرص عمل جديدة لشباب المحافظة مما يساهم في رفع دخل الفرد اليومي ومن ثم تحسين الواقع ألمعاشي للأسرة. كما إن إقامة معامل صغيرة (محلية) لتصنيع الحليب وإنتاج مشتقاته واحدة من أهم الصناعات المحلية التي يمكن تنفيذها بنجاح على أرض محافظة الأنبار وذلك للأسباب التالية:

1-    سهولة تسويق الألبان ومنتجاتها المختلفة لتفضيل المنتج المحلي على المستوردة

2-    سهولة وسرعة نقل المنتجات المصنعة لامتلاك المحافظة شبكة طرق متشعبة وحديثة خصوصاً بعد مشاريع تحديث وإنشاء طرق جديدة فيها خلال السنوات الأخيرة

3-    امتلاك كثير من الأسر الريفية لرأس المال اللازم لإقامة مثل هذه المشاريع البسيطة.

4-    وجود كوادر وسطية ومتقدمة ترفد هذه المصانع بالأيدي الماهرة خصوصاً وأن قسم علوم الأغذية في كلية الزراعة-جامعة الأنبار قد ساهم ومنذ 2003 بتخريج المئات من هذه الكوادر.

إن الحكومة المحلية يقع عليها الجزء الأكبر في النهوض بهذا القطاع وذلك عبر العديد من الطرق والوسائل والإجراءات القانونية التي تشجع الفلاح على الدخول في هذا المجال ولعل أبرز هذه النقاط هي

1-    تقديم الضمانات اللازمة لتشجيع الفلاحين على الاستثمار في مجال التصنيع الغذائي وخاصة منتجات الألبان.

2-    وضع خطة زراعية قصيرة الأمد (5 سنوات) وأخرى طويلة الأمر (15 سنة) للوصول إلى مراحل الاكتفاء الذاتي في مجال التصنيع الغذائي عامة وتصنيع منتجات الألبان بصورة خاصة.

3-    دعم الفلاح المحلي بتيسير حصوله على قروض مالية زراعية وبفوائد منخفضة وفترات سداد طويلة الأمد. ومدهم بمستلزمات الإنتاج كالكهرباء والوقود.

4-    النهوض بواقع الثروة الحيوانية في المحافظة والتي تعد الركيزة الأساسية لمثل هذه المشاريع، وتشجيع منتجي الحليب على زيادة أعداد الحيوانات ضمن خطة زمنية محددة. وذلك عن طريق توفير الأعلاف بأسعار مدعومة لمربي المواشي الذين يتعهدون بتسويق الحليب إلى مثل هذه المعامل ودعمهم بالأدوية والعلاجات البيطرية وتهيئة العيادات البيطرية ورفدها بالكوادر المتخصصة.

5-    سن القوانين والتشريعات لحماية المنتج المحلي من منافسة المنتجات المستوردة. مع خفض رسوم التسجيل  والضربة لمثل هذه المشاريع

6-    فتح مراكز تسويق حكومية أو بمشاركة القطاع الخاص لاستيعاب منتجات الألبان وبأسعار تشجع المنتج على الاستمرار في إدارة وتشغيل مثل هذه المشاريع.