الاسراف أحد مهددات الأمن الغذائي في العراق

الاسراف أحد مهددات الأمن الغذائي في العراق

 

الأستاذ الدكتور مشعل عبد خلف

قسم الاقتصاد الزراعي

يعرف الامن الغذائي على انه مقدرة جميع الافراد في المجتمع من الحصول على الغذاء الكافي ليعيشوا حياة سليمة في كل الاوقات ووفق هذا التعريف فان للأمن الغذائي اربعة اركان اساسية يتمثل الركن الاول بالتوافر اي ان الغذاء يجب ان نضمن توافره في الاسواق والركن الثاني يتمثل بالمقدرة على الحصول اي تمكين جميع افراد المجتمع من القدرة على وصول اسواق الغذاء واخذ احتياجاتهم الاساسية منها اما الركن الثالث فيتمثل بالسلامة اي ان الغذاء المتوفر في الاسواق والذي يستطيع جميع الافراد شراء احتياجاتهم منه يجب ان يكون مغذي وسليم من الناحية الصحية ويتمثل الركن الرابع بالاستقرار اي ان سوق الغذاء يكون مستقرا من حيث ما يتوفر فيه من كميات ومن حيث مقدرة الافراد على الحصول على احتياجاتهم منه ومن حيث سلامة الغذاء. لذلك فان الامن الغذائي يمكن ان يكون مطلقا عندما يستطيع المجتمع أنتاج غذائه ذاتيا ولا ترتبط اسواق الغذاء فيه بالتأثيرات الخارجية ولا يتأثر بالصدمات، ويتوزع بشكل عادل على افراد المجتمع. ويعتبر الامن الغذائي نسبيا عندما يرتبط بالتأثيرات الخارجية وتتعرض قدرة الافراد او المجتمع بشكل عام على توفير متطلباته الغذائية فتسهم الاستيرادات فيه بنسبة مهمة مما يجعل الامن الغذائي في ذلك البلد عرضة للازمات السياسية والاقتصادية التي قد يتعرض لها الاقتصاد العالمي. ان الامن الغذائي لأي بلد له عدة محددات منها ما يأتي:

اولا:- محددات مادية تتعلق بقدرته الانتاجية من الغذاء والتي ترتبط بدورها بما يتوفر في ذلك البلد من موارد زراعية متمثلة بالأراضي الصالحة للزراعة ووفرة الموارد المائية وراس المال والايدي العاملة والتطور التقني الذي يمكنه من  استخدام تلك الموارد استخداما مثاليا في انتاج الغذاء وبأسعار تنافسية تجعله يمتلك ميزة نسبية في انتاج جزء مهم واساسي من غذائه.

ثانيا:- المحددات الديموغرافية في ذلك البلد ومدى تناسب سكانه مع موارده الزراعية وان يكون النمو السكاني فيه اقل او مساويا لمعدل نمو ناتجه الغذائي لكي لا تتسع الفجوة الغذائية فضلا عن ضرورة التناسب المقبول بين سكان الريف والحضر في ذلك البلد وضمان استخدام موارده بما يتناسب وشروط التنمية المستدامة فيه.

ثالثا:-محددات الدخل القومي بحيث يتحقق للبلد دخل قومي مناسب لتلبية متطلبات الحياة الكريمة لأفراد المجتمع يمكنه من استيراد متطلبات سد الفجوة الغذائية ان وجدت وفي كل الاوقات وان يتسم دخله القومي بالاستقرار وعدم التأثر بالصدمات السياسية والاقتصادية في العالم الخارجي التي تجعل امنه الغذائي عرضة للتهديد.

رابعا:- الاستقرار السياسي اذ ان توافر الظروف الامنية المناسبة للاستثمار في مجال الزراعة وانتاج وتداول الغذاء في الاسوق المحلية وضمان قدرة الافراد من الوصول الى تلك الاسواق في كل الاوقات والحصول على احتياجاتهم الغذائية السليمة.

خامسا :- الرقابة الصحية والامنية فلابد من وجود رقابة على اسواق الغذاء تمنع تداول الاغذية غير الصحية كما انها تعمل على حماية المستهلك من الاستغلال غير المبرر الناجم عن قوى الاحتكار في سوق الغذاء.

سادسا :- المحددات التوزيعية التي تتعلق بالتوزيع الشخصي للدخل القومي وبما يضمن عدم تحول المجتمع الى طبقات غنية جدا واخرى فقيرة جدا تمكن الغنية من التبذير وتمنع الفقيرة من الحصول على متطلبات العيش السليم.

    بالرغم من اهمية كل المحددات التي اشرنا اليها سابقا والتي في حالة تعرض اي منها لظروف لا تناسب تحققه سيمثل تهديدا للأمن الغذائي الا ان امننا الغذائي في العراق يتعرض لتهديدا اضافيا يتمثل بالإسراف في تناول الغذاء من قبل الطبقات المترفة مما يعرض الطبقات الفقيرة الى الجوع. وعلى الرغم من اننا جزء من المجتمع الاسلامي الذي ينهى عن الاسراف كما جاء في قوله تعالى في وصفه للمؤمنين بسم الله الرحمن الرحيم(وَ?لَّذِينَ إِذَا? أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَ?لِكَ قَوَامًا) ان مظاهر الاسراف في استخدام الغذاء في بلدنا تكاد تتسع ويروج لها في بعض الاحيان ولا توجد قوانين تمنع هذا الاسراف وتحد منه فالإسراف في المطاعم والاسراف في المناسبات فضلا عن الاسراف  في مطابخ الاسر المترفة يمكن مشاهدته يوميا واصبح ظاهرة اعتيادية لا تتعرض للانتقاد ولا المحاربة فتجد تجار الخبز اليابس تتجول في الشوارع وتشتري الخبز اليابس وتحوله الى علف للحيوانات كما نرى بأم اعيننا بان بقايا المواد الغذائية الاساسية تأخذ حيزا من مكبات النفايات واصبحت تشكل بؤرا للتلوث ليتحول الغذاء من نعمة يتنعم بها افراد المجتمع الى نغمة تهدد بيئتهم الصحية.

     يعتبر الامن الغذائي مسؤولية تقع على عاتق كل من الافراد والجماعات والحكومة في نفس الوقت. فلابد من التعاون على كل تلك المستويات لضمان الامن الغذائي في المجتمع كل حسب الدور الذي يناط به. اذ اننا بحاجة الى اعادة النظر في انماطنا الاستهلاكية وتشكيل الموائد بما يضمن محاربة الاسراف على مستوى الافراد والاسر والمطاعم وان تعلم كل تلك الوحدات الاقتصادية بان الغذاء هو ملك المجتمع ففي اكثر بلدان العالم يقدم الغذاء في الاسواق باقل من تكلفته الحقيقية فلا يحق لاحد ان يتصرف به خارج الحدود الصحيحة لان هنالك تكلفة اجتماعية غير منظورة وان الاسراف به يكون على حساب الطبقات الفقيرة في المجتمع. كما يقع على المجتمع محاربة ظواهر الاسراف والمباهاة في الولائم التي تعد بالمناسبات واعتبار المبالغة في ذلك شكل من اشكال الاسراف التي تضر بالطبقات الفقيرة من المجتمع ويجب ان تشاع ثقافة تغذوية سليمة من خلال الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني على اختلاف الوانها في النهي عن الاسراف في الاطعمة واستهجان المباهاة في عرض الولائم والمبالغة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقع على الحكومة ضرورة سن القوانين اللازمة لمحاربة الاسراف في الاطعمة في الاماكن الخاصة والعامة ومحاسبة من لا يتجنب الاسراف والتباهي بالإسراف.         ترتيبا على ما تقدم فان الامن الغذائي يتحقق عندما تتم ملاحقة الغذاء في كل مظاهر الحياة الاقتصادية (الانتاج والتوزيع والاستهلاك) في الانتاج من خلال اخذ كل التدابير التي من شانها رفع قدرة البلاد في انتاج الغذاء وتكملة الفجوة في عجز الانتاج من الاستيراد. فضلا عن الدور المطلوب خلال مرحلة التوزيع لتقليل الفجوة بين مقدرة الاغنياء والفقراء على توفير متطلباتهم الغذائية اضافة الى مرحلة الاستهلاك من خلال النهي عن الاسراف في الاطعمة.