المعادن الثقيلة وأثرها على نمو النبات وصحة الانسان: الكادميوم

المعادن الثقيلة وأثرها على نمو النبات وصحة الانسان: الكادميوم

 

الأستاذ المساعد الدكتور محمد حمدان عيدان

معاون العميد للشؤون العلمية والطلبة

على عكس بعض المعادن الثقيلة التي تعتبر مفيدة لنمو النبات (مثل: Mo و Cu و Cr و Co و V و Ni و Zn و Mn و Fe)، هناك معادن ثقيلة اخرى (مثل: Ag وHg وAs وU وPb وCd وغيرها) صنفت بأنها ضارة ولم يثبت ان لها وظيفة في حياة النبات بل على العكس فان وجودها في بيئة النبات يعرقل نموه وقد يدخل في السلسلة الغذائية وتصل الى المستهلك الامر الذي يشكل خطرا بالغ الاهمية على صحة الانسان كونها غير ذائبة وبالتالي فهي تتراكم  في جسم الكائن الحي، أذ ان عمر جزيئات هذه العناصر طويل نسبيا وهذا يسبب تجمعها في اجسام الكائنات الحية فيزداد ضررها.

تعد الاسلحة الكيمياوية المستخدمة في الحروب من أهم مصادر العناصر الثقيلة في البيئة ويأتي بعدها النفايات المتراكمة في المدن وضواحيها وكذلك المناطق الآسنة ذات الاوحال الدائمة، والغبار، ودخان عوادم المحركات، وغازات ومخلفات المصانع. فضلا عن تجوية صخور التربة التي تعتبر مصدرا للمعادن الثقيلة وبالاخص الكادميوم (Cd) والافراط  في استخدام الاسمدة الفوسفاتية. من جهة اخرى لابد من التنويه على ان مياه المجاري وفضلات المدن التى تلقى في الانهر بدون معالجة من اخطر مصادر الملوثات كالمعادن الثقيلة. قد لاتظهر اعراض التأثر بالمعادن الثقيلة حال دخولها الى الانظمة الحية لذا فأنها خطرها خفي لان تأثيرها يظهر بعد عدة سنوات بسبب قدرتها على التجمع (Accumulation).

الكادميوم من العناصر الثقيلة واسعة الانتشار وعالية السمية  في النظم البيئية ويأتي بالمرتبة الثالثة من حيث الخطورة بعد الزئبق والرصاص. لم يثبت لحد الآن منفعة معينة للكادميوم في حياة النباتات الراقية، أذ تبدأ وظائف النبات بالتدهور عند زيادة تركيزه عن 3 ملغم كغم-1 من المادة الجافة. يميل هذا العنصر بشدة الى الارتباط بالكبريت وهنا تكمن خطورته بتدمير بروتينات الخلية، وكذلك قابليته العالية على الاتحاد بالاوكسجين والمركبات النتروجينية محدثا بذلك اضطرابا في موازين الاكسدة داخل الخلايا. يتنافس هذا المعدن مع عنصر الكالسيوم المهم في عملية نقل الايعازات الخلوية عن طريق انزيمات Kinases لذا فأنه يحدث اضطرابا في نقل الايعازات الخلوية. بالنسبة لنواقل الكادميوم، فلم تشخص الى الآن اي نواقل متخصصة للكادميوم داخل النبات لكن يرى بعض الباحثين أن نواقل كل من الحديد Fe والزنك Zn  تقوم بنقل الكادميوم لكن بدرجة أقل، حيث ثبت أن الناقل ZNT1 المتخصص بنقل Zn يقوم بنقل الكادميوم لكن بكفاءة اقل. كذلك يقلل الكادميوم من توسع الخلايا النباتيه عن طريق تجميع بيروكسيد الهيدروجين (H2O2)في جدران الخلايا والذي بدوره يسبب تصلبا فيها وهذا يفسر ضعف نمو الجذور بتأثير الكادميوم. عند التعرض للتراكيز العالية من الكادميوم فانه سيحطم الهرمونات النباتيه المهمه كالاوكسينات (Auxins) والجبرلينات (Gibberellins) وغيرها والتي لها دور في نقل الايعازات الخلوية، بيد ان الكادميوم يحفز تراكم حامض الابسيسك (ABA) والاثيلين (ET) في جذور النباتات مما يسبب ضررا على نمو الاجزاء الخضرية في النباتات اذ يمنع الاثيلين توسع الخلايا بينما يسبب ABA تطبعا لنمو النبات ضد الاجهاد المائي المتسبب عن قلة الامتصاص من الجذور. قد يكون التسمم الوراثي (Genotoxic) من أهم أضرار الكادميوم على حياة الكائنات الحية أذ من الممكن أن يحصل تغايرات وراثية على جينوم الكائن الحي وعادة ما يحصل هذا خلال عمليتي التضاعف Replication  واعادة الالتحام Recombination للمادة الوراثية. يرى بعض الباحثين ان الضرر الحاصل على المادة الوراثية DNA الخلية هو نتيجة لفعل الاكسدة المتسبب عن الجذور الحرة (ROS) التي تجزئ مادة DNA وفقد بعض القواعد النتروجينية. بالنسبة للانسان  يدخل الكادميوم الى الجسم اما عن طريق التدخين او استنشاق الهواء الملوث بالكادميوم أو عن طريق تناول الغذاء الحاوي على الكادميوم. يسبب الكادميوم المتراكم في جسم الانسان اضرار كبيرة منها هشاشة العظام والفشل  الكلوي ويزيد من احتمالية الاصابة بسرطان الرئة وكذلك يؤثر على الاداء التناسلي للانسان.

للتخلص أو التخفيف من تأثير الكادميوم، تم توظيف عدة طرق وجميعا تتركز باتجاهين رئيسين: الاتجاه الاول هو تنظيف المناطق الملوثة عن طريق عدد من البروتوكولات الفيزيائية والكيميائية والتي تشمل الطرق الحرارية او طرق الفصل الفيزيائي. بالاضافة الى طرق الغسل او التثبيت والتصلب Stabilization/Solidification.   على الرغم من ان فعالية هذه الطرق الا انها مكلفه جدا فضلا عن تحطيمها لبناء التربة و النشاط الميكروبي فيها. وعليه فان المعالجة الحيوية (Phytoremediation)  باستخدام النباتات التي لها القابلية العالية على امتصاص الكادميوم مثل بعض المحاصيل العلفية، تعتبر طريقة كفوءة جدا و غير مكلفه فضلا عن كونها صديقة للبيئة. تزرع هذه النباتات في المناطق الملوثة وبعد ان تمتص كميات من الملوثات من التربة تعالج او تتلف للتخلص من هذه الملوثات. اما الاتجاه الثاني لتفادي خطورة الكادميوم وتقليل سميته فهو عن طريق تقليل او منع وصوله الى الاجزاء النباتيه القابله للاكل الامر الذي يمكن تحقيقه عن طريق اتباع اساليب التربية والتحسين وتقنيات  الوراثة الجزيئية. تعطي هذه التقنيات صورة  واضحة عن كيفية تحرك الكادميوم وانتقاله داخل النبات على المستوى الفسلجي و الوراثي. بالاضافة الى ذلك، فان اسلوب تغذية النبات الجيد يخفض من التاثير السمي للكادميوم وكذلك السيطرة على تراكمه في الاجزاء النباتيه القابلة للأكل.

 الكلمات المفتاحية : المعالجات الحيوية ، المعادن الثقيلة و التلوث