أهمية التشريعات والقوانين الزراعية في تحقيق بعض اهداف التنمية المستدامة

أهمية التشريعات والقوانين الزراعية في تحقيق بعض اهداف التنمية المستدامة

 

الأستاذ الدكتور علي درب كسار الحيالي

قسم الاقتصاد الزراعي

تؤدي التشريعات الزراعية دورا مهما في تنظيم النشاط الزراعي وتحديد قواعد العلاقات الزراعية بين الدولة متمثلة بدوائرها ذات العلاقة بالزراعة وبين المزارعين او المشتغلين بالزراعة وبين هؤلاء المزارعين بعضهم مع البعض الاخر، وطالما كانت هذه التشريعات محور النشاط الزراعي في الدولة فينبغي أن تكون واقعية وواضحة المعالم حتى يكون لها فاعليتها وجدواها، الامر الذي يجعلها ادارة سليمة لتخطيط السياسة الزراعية وبرامجها ويسهل تطبيقها بكفاءة وعلى الوجه المستهدف منها والتي من اجلها تشرعها الدولة. لقد صدرت تشريعات عديدة شملت مختلف النواحي للإنتاج الزراعي وبمرور الزمن ينبغي اجراء مراجعة شاملة لها حتى تتبين الدولة مدى سلاسة وفاعلية تلك القوانين ومسايرتها للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع وحتى تصبح موائمة تماما لحاجات المجتمع ووسيلة ايجابية لدفع التنمية ورفع مستوى الانتاج الزراعي. وأن مصطلح التنمية المستدامة وان لم يكن سائداً منذ بداية سن تلك القوانين الا ان المشرع العراقي اخذ على عاتقه تحقيق معظم الاهداف التي تم تحديدها واقرارها لاحقاً ضمن ما يعرف بالتنمية المستدامة. فقد اهتمت التشريعات بصورة عامة وبضمنها التشريعات الزراعية بتنظيم وحماية استخدام الموارد المتاحة في الوقت الحاضر مع ضمان ديمومتها للأجيال القادمة. إذ إن التشريعات الزراعية في العراق ومنذ صدور قانون الاصلاح الزراعي عام 1958 والى الوقت الحاضر كانت تحتوي بين طياتها وضمن فقراتها وموادها ما جاء متوافقاً مع اهداف التنمية المستدامة التي تم تحديدها من منظمة الامم المتحدة وما جاء في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تهتم بمسألة التنمية المستدامة مما يتطلب معه الوقوف على التوافقات وتحليلها للعمل على تأكيدها والتركيز على الاستمرار بالعمل بموجبها واضافة التشريعات والانظمة التي تعزز من وجودها وتضمن تحقيق اهدافها المرسومة. ولقد تعددت اهداف التنمية المستدامة والتي حددتها المنظمات الدولية بأهداف عديدة كان للتشريعات والقوانين الزراعية اسهاما بالغا في تجسيدها ضمن فقراتها وكما يأتي:

في ما يتعلق بهدف الحد من أوجه عدم المساواة فان قانون الاصلاح الزراعي رقم117 لسنة 1970 وفي ضوء المادة (2) جاء لتحقيق احد اهداف التنمية المستدامة المنصوص عليها وفق الاتفاقيات الدولية والمفاهيم العامة بتحديد الاراضي الزراعية الموزعة على المزارعين بمساحات محددة وفقاً لطبيعة المنطقة ووسيلة الارواء بغض النظر عن الاشخاص والتمييز فيما بينهم وانما يتم توزيع تلك الاراضي وفقاً للبيئة المحيطة بتلك الفئة من الافراد وهذا ما يضمن الحد من اوجه عدم المساواة وعدم احتكار الارض بيد مجموعة معينة من الافراد على حساب الاخرين.

   أما فيما يتعلق في هدف التنمية المستدامة المتمثل بالسلام والعدالة والمؤسسات القوية فقد جاء قانون الاصلاح الزراعي  رقم 117 لسنة 1970 متوافقاً مع هذا الهدف ضمن المادة (6) وذلك لضمان حقوق المزارعين في الاراضي التي خضعت للإصلاح الزراعي وحصولهم على ناتج ما تم زراعته في الموسم الذي صدر فيه هذا القرار, أما المادة (8 و 9) فقد ضمنت حقوق المزارعين ممن استولي على ارضه بهدف اصلاحها بحق التعويض عن قيمة ما تم استثماره على تلك الارض وفق مجموعة من المقاييس التي تتبع في التقدير العادل وكذلك تعويضه بمساحة اخرى تعادل قيمة تلك الارض من الاراضي التي تم استصلاحها .

 اما تشريع قانون صندوق الاقراض الزراعي الميسر فقد جاء متناسقاً مع اهداف التنمية المستدامة ومنها هدف القضاء على الفقر الذي استشرى بين المزارعين في المناطق الريفية وتوفير التمويل اللازم لاستثمار اراضيهم وزراعتها بما يحقق لهم دخلا مجزيا يعمل على تحسين مستواهم المعيشي وتطوير انتاجهم الزراعي في الوقت ذاته.

أما هدف عقد الشراكة مع القطاع الخاص لتحقيق اهداف التنمية المستدامة كان فقد تناوله القانون رقم 35 لإيجار اراضي الاصلاح الزراعي للشركات الزراعية والافراد  وفق المادة 1 من هذا القانون لإعطاء الصلاحية لوزارة الزراعة والري بإيجار مساحات من اراضي الاصلاح الزراعية الفائضة عن حاجة المزارعين للشركات الزراعية العراقية والعربية او للأفراد واستثمارها لغرض وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة وبما يحقق اهداف التنمية المستدامة، أما المادة (4) من هذا القانون  فقد جاءت ملائمة لهدف تطوير الصناعة والابتكار والبنى التحتية عن طريق تقييد شركات القطاع الخاص والمستثمرين باستخدام الاساليب العلمية في الاستثمار وصيانة شركات الري والبزل والطرق وعدم الاضرار بالأرض المؤجرة وعدم استغلالها لغير الاغراض التي خصصت لأجلها, فضلاً عن قانون صيانة شبكات الري والبزل رقم 12 لسنة 1995 والذي يهدف الى مساهمة المزارعين المستفيدين من المشاريع الحيوية للري والبزل في ادامتها وصيانتها مما يؤدي الى رفع مستوى الانتاج الزراعي كماً ونوعاً ويحافظ على خصوبة الارض وحيويتها لديمومة استخدامها للأجيال القادمة  وهذا مما يعد تحقيقا لاهم اهداف التنمية المستدامة في التفكير بمستقبل الاجيال القادمة وعدم استنزاف الموارد لمصلحة الاجيال الحالية.

   اما فيما يتعلق بهدفي الاستهلاك والانتاج  واللذين من احد مقاصدهما انتاج المزيد بشكل افضل وتكلفه اقل فقد تم معالجته ضمن التشريعات الزراعية وفقاً لقانون تنظيم تداول المواد الزراعية رقم (46) المادة 2 والذي استهدف تنظيم عمليات تداول المواد الزراعية لضمان مطابقتها مع المواصفات المطلوبة وحماية الانتاج الزراعي وسلامته والعمل على تقليل التكاليف وزيادة دخول المزارعين . فضلاً عن قانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي ذي الرقم 71 لسنة 1978والذي يهدف الى ألزام المزارعين للتصرف في الاراضي الزراعية والبساتين ووسائل الانتاج الزراعي وادارتها واستغلالها وفقاً لخطط الدولة ومنهاجها ورعايتها وتطويرها والامتناع عن كل ما يؤدي الى تلفها والاضرار بها بما يؤمن استغلال واستثمار تلك الثروات استثماراً علمياً وفقا لخطة التنمية المستدامة وذلك لضمان توفر الانتاج الزراعي وديمومته.

كما ان قانون تنظيم تداول المواد الزراعية رقم (46) فقد تضمنت الشروط والادوات التي يتحقق من خلالها هدف التنمية المستدامة لضمان الصحة الجيدة والرفاه للأفراد في ضوء المادة (10) وذلك بالسيطرة على المواد الكيمياوية من اسمدة ومبيدات التي يتم التعامل بها لإنتاج السلع الزراعية الغذائية بما يضمن سلامتها من الامراض والاثار الجانبية الاخرى التي تنعكس سلباً على صحة المواطن المستهلك, فضلاً عن قانون الحجر الزراعي رقم 76 لسنة 2012 والذي هدف الى منع دخول الآفات الزراعية وانتشارها وتوطينها بالقدر الضروري لحماية الانتاج النباتي ومن ثم صحة الانسان من اخطارها ومن انعكاس اثارها المستقبلية على الصحة العامة.

  لقد كان قانون زراعة الرز رقم  (135)  متوافقاً مع هدف الحفاظ على الموارد الطبيعية والذي يعد احد اهداف التنمية المستدامة من خلال تنظيمه لزراعة محصول الرز وتحديد المناطق والمساحات المشمولة بزراعته وذلك لكونه من المحاصيل المتطلبة لكميات كبيرة من المياه، وان ترك زراعته بصورة عشوائية ودون تحديد سيؤثر على زراعة وانتاج المحاصيل الزراعية الاخرى الاساسية في غذاء الانسان, فضلا عن قانون حماية وتنمية الانتاج الزراعي رقم (71) لسنة 1978والذي سعى الى استغلال الموارد الزراعية المتاحة من ارض ومستلزمات انتاج وغيرها الى تسخيرها بما يخدم هدف توفير الغذاء المستدام للأفراد وزيادة الانتاج الزراعي ولا سيما السلع الغذائية الاساسية التي لها مساس في حياة المواطن.

في حين أن هدف التنمية المستدامة المتمثل بالمساواة بين الجنسين كان قد اهتم به المشرع العراقي في ضوء القانون المدني العراقي لسنة 1951 فيما يتعلق بالأراضي الاميرية والتي تكون ملكيتها للدولة مع اعطاء حق التصرف والحيازة للأفراد للاستفادة منها وتنتقل الى ورثة المستفيد بعد الوفاة من دون التفريق في حق الانتقال بين الذكر والانثى ويساوي بينهما بالنصيب وذلك لتحقيق عدة غايات احدها المساواة بين الجنسين .

الكلمات المفتاحية: الغذاء المستدام ، حماية الإنتاج المحلي، المجتمعات المستدامة، التمويل الزراعي

المصادر:

علي ، نور عامر. تحليل اقتصادي قياسي لاثر بعض القوانين الزراعية في رسم السياسات الزراعية في العراق لتحقيق اهداف التنمية المستدامة. أطروحة دكتوراه. قسم الاقتصاد الزراعي. كلية علوم الهندسة الزراعية. جامعة بغداد. 2021.

علي ، نور عامر واخرون. 2021.  تحليل موقف مزارعي الرز من نتائج تطبيق السياسة الزراعية في العراق باستخدام مقياس ليكرت. مجلة المثنى للعلوم الزراعية .. المجلد (8) العدد (4)-  DOI 10.52113/mjas04/8.4/30

علي ، نور عامر واخرون . 2022. أثر بعض التشريعات الزراعية والتزام مزارعي القمح بها في محافظة واسط- مجلة الانبار للعلوم الزراعية –– المجلد 21 – العدد 1.  

 

 

 

 

 

 

 لتحميل المقالة انقر هنا