المزاحمة في الاقتصاد

المزاحمة في الاقتصاد

 

م.م. نعم عبد الحميد فواز

قسم الاقتصاد الزراعي  

التفاعل بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص وانعكاسه على النشاط الاقتصادي   

المزاحمة تعني الوضع الاقتصادي الذي يتنافس فيه كل من الحكومة والقطاع الخاص من اجل الحصول على نفس الأموال أو الموارد المالية الأخرى، وحيث ان الاقتصاد لا يتمكن من تلبية هذا الطلب الكلي على الأموال  ، فيحدث ان ترتفع أسعار الفائدة بشكل كبير وهذا الارتفاع بدوره  يمكن أن يسبب تباطؤ في النشاط الاقتصادي. ويمكن ان تحدث المزاحمة بشكل اكثر وضوحا في ظروف اقتصادية وسياسة معينة مثل الحروب فعندما تقترض الحكومة مبالغ كبيرة من المال لتمويل الحملات العسكرية في الخارج، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الفائدة والتضخم. او عندما تعاني الحكومة من عجز كبير في الموازنة العامة.

ان المال سلعة في السوق الاقتصادي يتحدد ثمنه بتفاعل قوى العرض والطلب كما هو الحال مع أي السلع الأخرى . وتحدث المزاحمة عندما يطلب كل من القطاع الخاص والحكومة تمويلًا إضافيًا ، ولا يكفي توفير القروض لتلبية هذا الطلب عندما يكون هناك نقص في المعروض من رأس المال ، هذا الوضع سيعمل على زيادة أسعار الفائدة لخلق توازن جديد في السوق. غالبا يميل المقرضون إلى إقراض الحكومة أكثر من القطاع الخاص لأن الحكومة لديها سلطة الضرائب لدفع التزاماتها، وهذا يجعل الائتمان الحكومي أكثر أمانًا من مخاطر الإقراض في القطاع الخاص، بعبارة أخرى عندما ترغب كل من الحكومة والقطاع الخاص في الحصول على قرض ، فإن الحكومة بشكل عام تكون قادرة على الحصول على التمويل أولاً، هنا قد تضطر شركات القطاع الخاص والتي كانت ستقترض الأموال لتوسيع مصانعها وخطوط انتاجها ( والذي كان من الممكن ان يعمل على زيادة التشغيل) الى التخلي عن تلك الخطط لأن تكلفة رأس المال أصبحت مرتفعة للغاية ولم تعد هذه المشاريع المقترحة مربحة .

وهناك أنواع للتزاحم  - الاستبعاد المالي هو الشكل الأكثر شيوعًا كما اوضحنا اعلاه  -  منها مزاحمة الموارد ويمكن أن يحدث هذا عندما تشتري الحكومة جزءًا كبيرًا من المعروض من الموارد الاولية ، مما يجعل من الصعب على القطاع الخاص تحقيق مستويات الإنتاج المخطط لها . يحدث هذا غالبًا أثناء الحرب عندما تعطي الحكومة الأولوية لبناء الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى قد يتسبب هذا في عجز في السلع مثل خام الحديد والصلب والنحاس وما إلى ذلك. وقد تحدث مزاحمة البنية التحتية – الدول التي تتبنى اقتصاد السوق  -  حيث توفر كل من الحكومة والقطاع الخاص خدمات بنية تحتية معينة، هذا يمكن أن يثني الشركات الخاصة عن تقديم هذه الخدمات لأنه قد يكون من الصعب التنافس مع مزود تديره الحكومة والذي لديه دافع ربح أقل عند إدارة عملياته. هناك أيضًا شكل متخصص من المزاحمة حيث تكون الحكومة هي المشتري الأساسي لمنتج مصنع معين ، أي التعاقد على الشراء من الموردين الأساس مما يؤدي إلى نقص المعروض السلعي مثل التعاقد لشراء دواء معين او لقاح لصالح وزارة الصحة ما يجعل هناك ضعف في منافسة القطاع الخاص .

ان  المفهوم المعاكس للمزاحمة وهو اثر التحفيز او الجذب (Crowding-In )، وهو الوضع الذي يؤدي فيه الإنفاق الحكومي المتزايد إلى تأثير مضاعف يؤدي إلى مزيد من النشاط للقطاع الخاص. فإذا قامت الحكومة ببناء مطار جديد في منطقة ما ، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة النشاط الصناعي والتجاري حول المطار للاستفادة من الفرص التجارية المتزايدة ، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي العام، اذن هناك أنواعًا معينة من الاستثمارات الحكومية الاستراتيجية يمكن أن يكون لها تأثير مزاحم مفيد على الاقتصاد.

ان التميز بين الأثر السلبي للمزاحمة والاثر الإيجابي يمكن ملاحظته عن طريق الدورات الاقتصادية ،فخلال فترة الركود ، يمكن للحكومة أن تتصرف كمشتري الملاذ الأخير لمنع الاقتصاد من الدخول في مرحلة كساد عام ، هنا لا تتنافس الحكومة مع القطاع الخاص من أجل الوصول إلى رأس المال لان القطاع الخاص يعاني من كساد وتراجع في حجم الطلب على الأموال، ولكن بعد ذلك  وعندما ينمو الاقتصاد بسرعة ، من المرجح أن يؤدي الإنفاق الإضافي إلى مزاحمة استثمارات القطاع الخاص المثمرة بدلاً من إحداث تأثير مفيد.

 لتحميل المقالة انقر هنا