مكننة الري....... الواقع وافاق المستقبل

مكننة الري....... الواقع وافاق المستقبل

 

د. غزوان حسام توفيق 

يمكن تعريف الري بانه عملية إضافة مياه الى التربه عند عدم كفاية كمية مياه الامطار لسد حاجة نمو النبات. تعددت مصادر المياه المتاحه لعملية الري فمنها ما تكون سطحيه كالانهار والروافد ومجاري عيون المياه، او تكون مياه جوفية يتم سحبها بواسطة مضخات الى سطح التربة.

تاريخيا، تشير الدلائل الى ان البشر قبل حوالي 10000 عام مضى قد عملوا على استنباط طرق فلاحيه لزيادة الرقعة الزراعيه وهذا لسد حاجتهم من الغذاء. ربما حدثت مثل هذه التغييرات لأول مرة في التلال الواقعة شمال العراق وسوريا. هذه التغييرات أتت اما نتيجة ازدياد النمو البشري لتلك المناطق، او ان الفيضانات لنهري دجله والفرات في تلك الفترات أدت الى تدهور أراضي خصبه محيطه بحوضيهما. الامر الذي استرعى الى إيجاد طرق ووسائل للاستفاده من مياه الأنهر الفائضه في بادئ الامر. من هنا نجد في الرقم الطينيه القديمه والمدونات الحجريه ما يشير الى انشاء قنوات مائيه سطحيه لتصريف مياه الأنهر وتوزيعها على الأراضي المحايدة لممشى النهر او الرافد. تبعا لذلك، نشات وتطورت فكرة الزراعه للمحاصيل المتعدده وبالتالي ازدادت رقعة الأراضي التي يتم زراعتها لكفاية حاجة البشر من الغذاء في ذلك الحين.

في تقدم الزمن والى العصور الحاليه، تطورت فكرة نقل وتوزيع المياه على ارض الحقول المراد زراعتها، من طرق الري السطحي الى استخدام المكننه في الري. ان فكرة استخدام الناعور هي احدى الطرق الميكانيكيه لنقل ماء الري من المصدروصبه في قناة.  يدل التاريخ على استخدام النواعير المائيه قد كان منذ اكثر من 4000 عام. من الممتع بالامر ان هذه الطريقه مازالت مستخدمه منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا في العراق وسوريا وهولندا ودول متعدده. لكن بفضل من الله بانه علم الانسان مالم يعلم. ان طريقة الري بالرش المحوري هي يمكن القول انها مستوحاة من فكرة الناعور.

 

 

نظام الري المحوري هو أنبوب ناقل للمياه يدور حول نقطة محورية مركزية متصلة بمصدر المياه. وتتفرع من الانبوب المتحرك انابيب ذات قطر اصغر تنتهي بمرشات لتوزيع الماء على مساحة الحقل. تعتبر أنظمة الري المحوري أكثر أنظمة الري بالرش شيوعًا في العالم بسبب كفاءتها العالية وقدرتها على ري مختلف أنواع الترب وأراضي مستويه وغير مستوية. بدأ تاريخ أنظمة الري المحوري في ولاية نبراسكا في الخمسينيات من القرن الماضي، ويوجد الآن مئات الآلاف من أنظمة الري المحوري في العالم. إضافة الى ذلك، تتواجد وبشكل كبير مناطق زراعية يتم فيها استخدام الري بالرش المجنح ونظام الري بالرش الثابت.

هناك نظم أخرى غير الرش، حيث أصبحت معظم محاصيل الخضار بل حتى الفواكه ان تروى بنظم ري بالتنقيط. هذه تعتمد في شكلها على انابيب مائيه تنقل المياه من مصدرها بواسطه مضخات تدفع المياه الى المنقطات لتوزيع الماء حول كل نبات وبشكل خطوط. هناك أيضا طريقة ارواء النباتات على خطوط لكن بواسطة انابيب مدفونه وهي طريقة الري تحت التربه. من ذلك نجد تنوع طرق الري اعتمادا على نوع المحصول والمساحة والتربه والموسم. ان كلفة الري الممكنن قد تكون في البداية اعلى من كلفة نظم الري التقليديه كالسواقي والاحواض، لكن مع الوقت أثبتت جدارتها بتوفير المياه وبنسب عاليه من 80 الى 95 % مقارنة بالطرق الاعتياديه القديمه.

من جانب اخر، تشير دراسات دوليه كثيرة واحصائيات الأمم المتحده الى ازدياد الكثافة السكانيه وما يصاحبه من ازدياد الطلب على الغذاء. ان استخدام المكننه في الري والزراعه لتوفير الغذاء الكافي لحاجة البشر قد تماشى مع النمو البشري الجاري. مع ذلك، ان المحاصيل الزراعية تعتمد في الأساس على المياه الكافيه لنموها. هنا تجدر الإشارة الى ان مصادر المياه الصالحه الى الارواء تكاد تكون ثابتة المعدل على مر الزمن او بالحقيقه أصبحت اقل مما هي عليه نتيجة استهلاك نسبه منها لحاجة الناس اليوميه. بالرغم من انتشار استعمال الري الممكنن فهو لا يغني عن عدم استهلاك الماء بالزراعه وهذا هو مؤشر خطير بحقيقة الحال.

لذلك نشات دراسات كثيرة على مستوى الدول المتقدمه والناميه في وضع حلول لهذه المشكله. منها ما يدور حول الحد من التلوث والتقليل من ارتفاع حرارة الجو عالميا، منها ما يبحث عن إيجاد أصناف محاصيل مقاومه للجفاف. لكن الأكثر اهتماما كان من نصيب إيجاد طرق اكثر تقنيه عما هو عليه الان لتوفير المياه عند الزراعه. نجد الان ومن نتائج البحث العلمي ، وسائل وطرق اكثر تنوعا لري المحاصيل الحبوبيه والخضريه. نجد انتشار فكرة تدوير مياه المعامل مثلا وتصفيتها وإعادة استخدامها لأغراض الري وبطريقة المرشات او التنقيط. كذلك انتشار فكرة الزراعه المائيه باحواض صغيرة او كبيرة لانتاج محاصيل خضريه على المستوى المحلي لبعض الدول او لغرض التصدير.

ظهرت كذلك فكرة الري بالتضبيب لبعض المحاصيل البستنيه او الازهار, التي تحتاج الى ظلات بداخلها انابيب معلقه تحمل مرشات لنشر الماء  على شكل ضباب داخل الظله، يصاحبها ضرورة وجود مستشعرات الحرارة والرطوبه لضمان عمل المنظومة بالشكل الصحيح.

لم تتوقف التكنولوجيا الى هذا الحد، في كثير من الدول تم الاعتماد على الصور الفضائيه من الأقمار الصناعيه في تحديد المساحات الصالحه للزراعه وتوفر المياه عندها. بل اعتمدت الان نظم الري بالرش المحوري على وجود مجسات ارضيه صغيرة الحجم منتشرة في ارض الحقل بان تشير الى مدى رطوبة التربه وحاجتها الى الماء ومن خلال برنامج بسيط ممكن تشغيل المرشه او ايقافها عن بعد.

زيادة على ذلك وللحد من التلوث الحاصل للبيئه، تم الاعتماد على الواح الطاقة الشمسيه في توفير الطاقه الكافيه لتشغيل مضخات الماء او منظومات الري بالتنقيط او الرش. دراسات عديده اثمرت بإنتاج مياه صالحه للري كانت بالاصل مياه مالحه. حيث تطورت فكرة إزالة ملوحة الماء بوسائل تقليديه الى انتاج مصانع ذات تقنيات عاليه لانتاج الاف الالتار من المياه كافيه لري مساحات زراعيه بواسطة المرشات او المنقطات. وهذا ما نجده في دول الخليج العربي وبعض الدول الأخرى.

في مضمار اخر، كثير من دول المناطق الجافه وشبه الجافه اتبعت نظام حصاد المياه. حيث تعتمد على جمع مياه الامطار في احواض منتشرة بالباديه او الصحراء وخزنها واستهلاكها في مجالات زراعيه وري الحيوانات.

نجد من ذلك ان توفير المياه الصالحه للري هي التحديً الأكبر لإنتاج الغذاء في القرن الحادي والعشرين. ان تنافس القطاعات المختلفه على المياه أصبحت ذات تاثير قوي على حصة المياه ضمن القطاع الزراعي. لذلك اذا لم تتوفر وسائل اقتصاديات الري عبر المكننه وغيرها من الطرق الذكيه في توفير المياه، ستكون الزراعه الخاسر الأكبر وتواجه أزمة مياه زراعية في السنوات القادمة.