الاقتصاد الزراعي والتخصصات الزراعية الاخرى .. جنبا الى جنب

الاقتصاد الزراعي والتخصصات الزراعية الاخرى .. جنبا الى جنب

 الاستاذ الدكتور علي درب كسار

قسم الاقتصاد الزراعي

انطلاقا مما قاله البروفيسور غراي  فإن "الاقتصاد الزراعي هو مجرد مرحلة من حقل هائل يسمى الاقتصاد يتم فيه إيلاء الاهتمام الأساسي لتحليل المشكلات الاقتصادية المرتبطة بالزراعة"، وهو بشكل اعمق ووفقا لسنوغراس و والاس ، فانه مرحلة تطبيقية في العلوم الاجتماعية للاقتصاد والتي يتم فيها إيلاء الاهتمام لجميع جوانب المشاكل المتعلقة بالزراعة. ولعل من المفيد قولا ان العالم الحديث يتجه نحو احتضان الاختراعات في كل المجالات وفي مجال الزراعة  تكاد الاختراعات الحديثة تأخذ حيزا جعل من الانتاج العالمي من المحاصيل والاغذية والسلع ترتفع معدلاتها لتصل احيانا الى رمي الفائض في البحر خوفا من انخفاض اسعارها دون مراعاة لاحتياجات الاخرين في الدول الفقيرة فالمهم هنا هو الربح لا غيره. وهذا الامر هو ما دحض نظرية العالم الانكليزي مالثوس والتي وضعها في عام 1798 ، والتي  تؤكد أن وتيرة التزايد السكاني هي أسرع من وتيرة إنتاج المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة أهمها الجوع و الفقر. ان من اهم ما اهمله مالثوس في نظريته هو التقدم العلمي الذي يسمح بزيادة وحدة انتاجية الارض وبالتالي زيادة الانتاج الكلي من المحاصيل ومن ثم الغذاء مما يعني انتصارا كبيرا للبشرية في التغلب على مشاكل نقص الغذاء على الرغم مما نسمعه من وجود مجاعات كبيرة في العالم كان يمكن ان نتغلب عليها لو تم توزيع الغذاء على الجميع بعدالة اكثر ولو لم تتدخل السياسة في ذلك.

   ما اريد قوله هنا هو ان العالم ينظر الى ما تم تحقيقه من تقدم علمي كان له ثمن قدمته البشرية بجهود علمائها ومخترعيها واصحاب النظريات العلمية. وهنا هو المغزى... وهنا تكمن اهمية علم الاقتصاد بشكل عام والاقتصاد الزراعي بشكل خاص. وهنا نتحدث عن الاختراعات التي يقدمها اصحاب الاختصاصات العلمية في الزراعة .. وهنا نحصر الامر بالزراعة لأنه يتعلق بمقالنا هنا، فقد اتحفنا العلماء بكثير من هذه الاختراعات والتي سهلت لنا سبل الحصول على الغذاء وزيادة الانتاجية بشكل كبير ولكن الامر لا يقف عند هذا الحد، وانما ينبغي  ان  يكون الاختراع فضلا عن اصالته نافعا من الناحية الاقتصادية ، وهنا يبرز دور الاقتصاد الزراعي بواحد من اهم فروعه وهو دراسات الجدوى وتقييم المشاريع، فما فائدة ان يكون الاختراع مكلفا جدا مقارنة بما سيقدمه من منافع ؟ ولهذا نجد ان الشركات العالمية عندما تلتفت الى فكرة جديدة او اختراع جديد ، ولكي تتبناها فهي تنظر اليه من نواحي عديدة من اهمها هي الناحية الاقتصادية وتبرز هنا كثير من المصطلحات الاقتصادية كمعدل العائد المالي أو فترة الاسترداد أو صافي القيمة الحالية، أو نسبة المنافع إلى التكاليف. فقد تكون الفكرة جديدة ولكنها مكلفة وعندها تنتفي الحاجة اليها.

   ولا يقتصر الامر على موضوع الاختراعات وانما يتعداه الى جميع الدراسات في مختلف التخصصات الزراعية كالإنتاج الحيواني والمحاصيل الحقلية وعلوم الاغذية والمكننة الزراعية وغيرها ، فنجد كثيرا من الباحثين يقدمون دراساتهم الفنية عن استخدام الاسمدة والبذور المحسنة والمبيدات ودورها في زيادة انتاجية المحصول قيد الدراسة ويتحصلون على نتائج واعدة ، لكن الامر سيكون اكثر ايجابية لو اخذ الامر من الناحية الاقتصادية ، عندها ستكون الدراسة علميا متوافرة على النواحي التخصصية والاقتصادية.. فقد يكون السماد جيدا من الناحية الفنية لكنه مكلف من الناحية الاقتصادية اي ان نسبة المنافع الى التكاليف ستكون اقل من الواحد بمعنى اخر نسبة التكاليف اكبر من المنافع، وهنا نقول ان الفائدة تنتفي الا اذا اخذ بنظر الاعتبار ان المنافع الاجتماعية لا يهمها الناحية الاقتصادية بقدر ما يهمها توفير الغذاء للمجتمع.

   ان دور الاقتصاد الزراعي لا يقل اهمية عن دور العلوم الاخرى فهي تكمل بعضها البعض الاخر ، فكثير من الرسائل الجامعية في التخصصات الفنية في الزراعة ( ان صح القول) تحتاج احيانا الى ان يكون ضمن اعضائها باحث في الاقتصاد الزراعي ، ونفس الامر عندما تكون الرسالة في الاقتصاد الزراعي  فإننا نحتاج احيانا الى باحث في المحاصيل الحقلية او التربة او البستنة او التربة  لتكتمل الفكرة البحثية وتكون النتائج واعدة وحقيقية ، فلا ينظر لها من الجانب الاقتصادي دون الجانب الفني ام  الجانب الفني دون الجانب الاقتصادي. واخيرا لا بد من القول ان العالم المتقدم لم يكن ليتقدم دون اخذ جميع الجوانب العلمية بنظر الاعتبار فالتكاليف مهمة جدا ولان راس المال جبان فانه لن يدخل في مجال دون ان يؤمن نفسه.