تقنيات الإنجاب الجديدة: هل تمنحنا الحياة فرصة أخرى؟

تقنيات الإنجاب الجديدة: هل تمنحنا الحياة فرصة أخرى؟

 تقنيات الإنجاب الجديدة: هل تمنحنا الحياة فرصة أخرى؟

م. د. نافع احمد سعود محيسن

eps.nafiea.suud@uoanbar.edu.iq

 الصفحة الرسمية الالكترونية للكاتب

يلتقيان، يعقدان قِرانهما، وبعد عدة أسابيع تستبشر الأم – والعائلة – خيرًا بمن يتحسس باب الحياة في أحشائها بنبضاته الصغيرة. هكذا كانت بداياتنا جميعًا. فمن بين ظلماتٍ ثلاث يولد البشر ليروا نور العالم. يتلقّون أول صفعة منه حتى يستفيق وعيهم وإدراكهم. تصرخ أفواههم كإشارة أولى على وجود الحياة فيهم. تلك الصرخة التي لا يمتلك المولود سواها فترة من الزمن قبل تعلّم الكلام؛ هي تعبيرٍ عن أي شيء يريده، أو أي شيء يؤلمه، أو أي شيء لا نعلمه! محظوظون أولئك الذين تمنحهم الحياة فرحة الشعور بموعد قدوم كائنٍ صغير سيملأ فراغًا ما في المنزل. ومن حُرموا ذلك؛ فربما يكمن العِوَض في شيءٍ أفضل. وربما يكون العِوَض في إيجاد حلول بديلة أو الخطة (B)؛ مثل تربية يتامى، أو الإنجاب من خلال تقنيات المساعدة على الإنجاب، أو حتى – في مجتمعاتٍ كثيرة – يلجأ الأزواج لتبنّي طفل ورعايته. ومهما تعددت الوسائل والأسباب؛ فالجميع يهدف إلى إيجاد طفل في العائلة. ومع تطور الوسائل الحديثة، ربما هناك طرق أكثر تطورًا لإنجاب الأطفال، حتى لو مرت عقود من الزمن.

وسائل مساعِدة   

بشكلٍ عام، يلجأ كثيرون ممن تعثر عليهم إنجاب طفل بشكلٍ طبيعي، إلى بدائل لمساعدتهم على الإنجاب. إحدى هذه البدائل، هي «تقنيات المساعدة على الإنجاب » والتي ساهمت بشكلٍ كبير في إعطاء الأمل، ومساعدة الأزواج غير القادرين على الإنجاب في الحصول على طفل. في هذه التقنيات، تتم عمليات التخصيب -أولى المراحل في بدء خلق الجنين- يدويًا خارج الأرحام.

الإخصاب خارج الرحم

إحدى أشهر العمليات، والتي بدأت مبكرًا، هي عملية «الإخصاب خارج الرحم»، ، وتعرف عامةً بالتلقيح الصناعي، أو «أطفال الأنابيب». تتم هذه العملية عن طريق أخذ عينة (بويضة ناضجة) من مبيض الأم، وإخصابها يدويًا في أطباق «بتري» في المختبرات، بإطلاق عينة من ملايين الحيوانات المنوية -المأخوذة من الذكر- في طبق «بتري» الذي يحتويها. تبدأ هنا عملية تخصيب عادية/ طبيعية، حيث يكون البقاء للأقوى حين يتمكن حيوان منوي واحد من اختراق البويضة، وبذلك يكوم قد تم إخصابها. يتم بعد ذلك زرع البويضة المخصّبة  في رحم الأم، لتبدأ رحلة الحياة الجنينية فيه بشكلٍ طبيعي, في العام 1978، ولدت الطفلة البريطانية «لويز براون» في الــ 25  من يوليو/ تموز، لتصبح أو طفلة بشرية على الإطلاق تولد من خلال تلك العملية. ومنذ ذلك الحين حتى الآن؛ ولد أكثر من مليوني طفل بواسطة عملية «التلقيح الصناعي». يلجأ الأزواج عادةً لتلك الوسيلة لعدم تمكّن الشريكان من الإنجاب بسبب العقم، أو وجود عراقيل تصعّب تخصيب البويضة. بمعنى آخر، تصعّب وصول الحيوان المنوي إلى البويضة في الرحم، أهم هذه العراقيل الآتي:

1. في الأنثى؛ «انتباذ بطانة الرحم ». وهو مرض يتسبب في خروج أنسجة بطانة الرحم خارجه. تنمو هذه الأنسجة (البطانة) على جانبي تجويف الرحم، ثم تمتد إلى قناتي فالوب ثم إلى المبيضين. أو تسلك طريقًا آخر إلى عنق الرحم مسببة التهابات، والتصاقات وآلامًا شديدة ودورية. تسلك تلك البطانة سلوك الغشاء المخاطي المبطن للرحم. حيث تبدأ بالاستجابة للهرمونات التي يفرزها المبيض، وتبدأ في إهدارها مما يتسبب في انخفاض نسبة الهرمونات في الدم. بالتالي يؤدي ذلك الانخفاض إلى اضمحلال الأنسجة المبطنة للرحم، وخروجها على هيئة دم الدورة الشهرية. أبرز العلامات على وجود هذه الحالة المرضية؛ هي آلام حوضية، وآلام في البطن، ونزول دم الدورة الشهرية فيما يشبه (النزيف). 2. انخفاض عدد الحيوانات المنوية في الذكر. 3. مشاكل أخرى في الرحم، أو قناتي فالوب. 4. مشاكل الإباضة في الأنثى. 5. الأجسام المضادة التي قد تضر (بالحيوانات المنوية) في الذكر، أو (البويضات) في الأنثى. 6. ضعف الحيوانات المنوية، الذي يتسبب في عدم قدرتها على اختراق البويضة، أو البقاء على قيد الحياة في مخاط عنق الرحم. 7. مشاكل خصوبة غير مفسّرة.

الحقن المجهري: ICSI

عملية «الحقن المجهري »، هي إحدى عمليات «المساعدة على الإنجاب خارج الرحم». آلية عملها مشابهة لعملية التلقيح الصناعي (السابق ذكرها)، حيث تتم يديويًا في المختبر، لكن المميز فيها؛ هو أنه يتم تحديد حيوان منوي واحد يُختار عشوائيًا من عينة السائل المنوي؛ ويتم حقنه مباشرة في البويضة بواسطة (حقنة). تم إجراء أول عملية حقن مجهري في التاريخ البشري في عام 1988، لسيدة فشل «التلقيح الصناعي – IVF» العادي في تخصيب بويضتها بسبب «قلة عدد الحيوانات المنوية»، التي من المفترض أن تقوم بذلك. أما حالات الحمل الأولى التي حدثت من خلال هذه العملية -ICSI-، فقد سجّلت في بلجيكا عام 1992.

تساعد عمليات الحقن المجهري في علاج عقم الرجال أيضًا، حيث يصنّف عقم الرجال كالآتي:

1. «فقد النّطاف الانسدادي»: وهي حالة عقم شائعة لدى الذكور؛ حيث «ينعدم» وجود حيوانات منوية في السائل المنوي؛ نتيجة وجود خلل في قنوات توصيلها. وفي كثيرٍ من الأحيان؛ قد يصاحب قلة تركيز الحيوانات المنوية، ظهور بعض التشوهات الكبيرة في شكل الحيوانات المنوية، وحركتها.

2. «فقد النّطاف اللاإنسدادي»: يشير هذا النوع من العقم إلى عدم وجود الحيوانات المنوية في السائل المنوي بسبب إنتاج حيوانات منوية شاذة (غير مكتملة أو بها عيوب). هذا السبب يمكن أن ينتج عن مشاكل هرمونية، أو فشل الخصية، أو الإصابة بدوالي الخصية.

3. «قلة النّطاف الشديد»: حالة عقم شائعة بين الذكور أيضًا؛ حيث يقل عدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي مكّنت عمليات استخدام الحقن المجهري من معالجة عقم الرجال في الولايات المتحدة من 84% في عام 2003، إلى 93% في عام 2012.