جدري القردة

جدري القردة

جدري القردة

 أ. م. د. فرقد حواس موسى- قسم علوم الحياة

eps.farqad.hawas@uoanbar.edu.iq
  الصفحة الرسمية الالكترونية للكاتب

جدري القردة:  مرض فيروسي حيواني المنشأ (فيروس ينتقل من الحيوانات إلى البشر) وتشابه أعراضه كثيرا تلك التي شوهدت في الماضي لدى مرضى الجدري، على الرغم من أنها أقل خطورة من الناحية السريرية. وبعد استئصال الجدري في عام 1980 وتوقف التطعيم بالتالي ضد الجدري، ظهر جدري القردة باعتباره أخطر فيروس من فصيلة الفيروسة الجدرية على الصحة العامة. وينتشر جدري القردة بشكل رئيسي في وسط وغرب إفريقيا، غالبًا بالقرب من الغابات الاستوائية المطيرة، وبدأ ظهوره يتزايد في المناطق الحضرية. وتشمل الحيوانات المضيفة له مجموعة من القوارض والرئيسيات غير البشرية.

العامل الممرض : فيروس جدري القردة هو فيروس بحمض نووي مزدوج مغلف ينتمي إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري. وقد حُدّدت منه زمرتان متمايزتان هما زمرة غرب أفريقيا وزمرة حوض الكونغو، التي تُعرف أيضاً بزمرة أفريقيا الوسطى. وتسبب زمرة حوض الكونغو تقليدياً مرضاً أكثر وخامة ويُعتقد أن عدواها أشد قابلية للانتقال. وقد تركز التقسيم الجغرافي بين زمرتي الفيروس حتى الآن في الكاميرون - البلد الوحيد الذي اكتشفت فيها كلتا الزمرتين.  

 المضيف الطبيعي لفيروس جدري القردة: حُددت في أفريقيا أن أجناس عديدة من الحيوانات المعرضة للإصابة بعدوى جدري القردة. وهي تشمل السناجب المخطّطة وسناجب الأشجار والجرذان الغامبية الجرابية والزغبات والرئيسيات غير البشرية وأجناس أخرى. ولا تزال هناك شكوك تحيط بالتاريخ الطبيعي لفيروس جدري القردة ويلزم إجراء المزيد من الدراسات لتحديد مستودعه (مستودعاته) بدقة وكيفية بقائه في الطبيعة. 

فاشيات المرض: كُشِف لأول مرّة عن جدري القردة بين البشر في عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية لدى صبي عمره 9 سنوات كان يعيش في منطقة استؤصل فيها الجدري في عام 1968. وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن ظهور معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات المطيرة الواقعة في حوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وتزايد الإبلاغ عن حالات الإصابة البشرية في جميع أنحاء وسط وغرب أفريقيا. ويشكل مرض جدري القردة خطرا على الصحة العامة العالمية لأن تأثيره على يقتصر على بلدان غرب ووسط أفريقيا، وإنما يمتد إلى العالم برمته. فقد سُجل أول ظهور للمرض في عام 2003 خارج أفريقيا في الولايات المتحدة الأمريكية وكان مرتبطًا بالاختلاط بكلاب البراري الأليفة المصابة. وأغلب الظن أنها تقاسمت نفس المأوى مع جرذان غامبية جرابية وزغبات مستوردة من غانا. وأدى هذا التفشي إلى أكثر من 70 حالة إصابة بجدري القردة في الولايات المتحدة، كما تم الإبلاغ عن جدري القردة لدى مسافرين من نيجيريا إلى إسرائيل في أيلول/سبتمبر 2018، وإلى المملكة المتحدة في أيلول/سبتمبر 2018، وكانون الأول/ديسمبر 2019، وأيار/مايو 2021 وأيار/مايو 2022، وإلى سنغافورة في أيار/مايو 2019، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية في تموز/يوليو وتشرين الثاني/نوفمبر 2021. واكتشفت في أيار/مايو 2022 حالات متعددة من جدري القردة في العديد من البلدان غير الموبوءة. وتجري الدراسات حاليًا لفهم الخصائص الوبائية للمرض ومصادر العدوى وأنماط الانتقال. 

انتقال المرض: يمكن أن تنتقل العدوى من الحيوان إلى الإنسان (مرض حيواني المنشأ) عن طريق المخالطة المباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو سوائلها الجسدية أو آفاتها الجلدية أو إفرازاتها المخاطية. ووُجدت في أفريقيا دلائل على الإصابة بفيروس جدري القردة في العديد من الحيوانات بما في ذلك السناجب الحبلية، وسناجب الأشجار، والجرذان الغامبية الجرابية، والزغبات، وأنواع مختلفة من القردة وغيرها. ولم يُحدد الخزان الطبيعي لجدري القردة بعد، على الرغم من أن القوارض هي المصدر الأكثر احتمالا. ويعد تناول اللحوم غير المطبوخة جيداً والمنتجات الحيوانية الأخرى المستمدة من الحيوانات المصابة أحد عوامل الخطر المحتملة. وقد يكون الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الغابات أو بالقرب منها معرضين بشكل غير مباشر أو متدنٍ للحيوانات المصابة. ويمكن أن ينتج انتقال العدوى من إنسان إلى آخر عن المخالطة الوثيقة بإفرازات الجهاز التنفسي أو الآفات الجلدية لشخص مصاب أو أشياء ملوثة حديثًا. وعادةً ما يتطلب انتقال العدوى عبر القطيرات التنفسية اتصالًا طويلًا وجهاً لوجه، مما يجعل العاملين الصحيين وأفراد الأسرة وغيرهم من الأشخاص المخالطين للحالات النشطة أشدّ عرضة لخطر الإصابة بالعدوى. ومن ناحية أخرى امتدت أطول سلسلة انتقال مجتمعي موثق للعدوى في السنوات الأخيرة من ست إلى تسع إصابات متتالية من شخص إلى آخر. وقد يعكس هذا انخفاض المناعة لدى جميع الفئات السكانية بسبب التوقف عن التطعيم ضد الجدري. ويمكن أن تنتقل العدوى أيضًا عن طريق المشيمة من الأم إلى الجنين (مما قد يؤدي إلى جدري القردة الخلقي) أو أثناء المخالطة اللصيقة أثناء الولادة وبعدها. وفي حين يعدّ الاتصال الجسدي الوثيق عامل خطر معروفاً لانتقال العدوى، فليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان جدري القردة ينتقل على وجه التحديد عن طريق الانتقال الجنسي. ويتعين إجراء دراسات بهذا الشأن للإلمام بهذا الخطر على نحو أفضل. 

العلامات والأعراض: عادة ما تتراوح فترة حضانة جدري القردة (الفاصل الزمني من الإصابة إلى ظهور الأعراض) من 6 أيام إلى 13 يومًا ولكن قد تستغرق من 5 أيام إلى 21 يومًا. 

 ويمكن تقسيم العدوى إلى فترتين:  1-  فترة الغزو (تدوم بين صفر يوم و5 أيام)  : وتتّسم بالحمى والصداع المبرح وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر وفي العضلات ووهن شديد (فقدان الطاقة). ويعدّ تضخم العقد اللمفاوية سمة مميزة لجدري القردة مقارنة بالأمراض الأخرى التي قد تبدو في البداية مشابهة له (الجدري المائي والحصبة والجدري). 2- فترة ظهور الطفح الجلدي : والتي تبدأ عادة في غضون يوم واحد إلى 3 أيام من ظهور الحمى. ويتركز الطفح الجلدي غالباً على الوجه والأطراف وليس على الجذع. فهو يصيب الوجه (في 95 في المائة من الحالات)، وراحتَي اليدين وباطن القدمين (في 75 في المائة من الحالات). كما تتأثر الأغشية المخاطية للفم (في 70 في المائة من الحالات)، والأعضاء التناسلية (30 في المائة)، والملتحمة (20 في المائة)، وكذلك القرنية. ويتطور الطفح الجلدي تدريجيا من بقع (آفات ذات قاعدة مسطحة) إلى حطاطات (آفات صلبة ناتئة قليلاً)، ثم حويصلات (آفات مليئة بسائل شفاف)، فبثور (آفات مليئة بسائل يميل إلى الصفرة)، قبل أن تتحول إلى قشور تجف وتتساقط. ويتفاوت عدد الآفات/التقرحات من بضعة إلى عدة آلاف. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تلتحم الآفات حتى تنسلخ أجزاء كبيرة من الجلد. وعادة ما تزول أعراض مرض جدري القردة من تلقاء ذاتها بعد فترة تتراوح من 2 إلى 4 أسابيع. وتشيع الحالات الشديدة بين الأطفال وترتبط بمدى التعرض للفيروس والحالة الصحية للمريض وطبيعة المضاعفات. وقد تؤدي أمراض نقص المناعة المصاحبة إلى أسوأ الحصائل. وعلى الرغم من أن التطعيم ضد الجدري كان وقائيًا في الماضي، فإن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 إلى 50 عامًا (حسب البلد) قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بجدري القردة بسبب وقف حملات التطعيم ضد الجدري على مستوى العالم بعد القضاء على المرض. ويمكن أن تشمل مضاعفات جدري القردة الالتهابات الثانوية والتهاب الشعب الهوائية والإنتان والتهاب الدماغ وعدوى القرنية مع فقدان البصر. ولا يُعرف إن كان يمكن حدوث العدوى دون ظهور أعراض. وتراوحت نسبة الإماتة من الحالات المصابة بجدري القردة تاريخيًا من 0 إلى 11 في المائة في عموم السكان وكانت أعلى بين الأطفال الصغار. وفي الآونة الأخيرة، بلغت نسبة الإماتة من الحالات المصابة حوالي 3-6 في المائة. 

التشخيص: يشمل التشخيص التفريقي السريري الذي يجب أن يُنظر في إجرائه أمراضاً أخرى مسببة للطفح، من قبيل الجدري المائي والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية. ويمكن أن يكون تضخّم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدري المائي والجدري. وفي حالة الاشتباه في الإصابة بجدري القردة، يجب على العاملين الصحيين أخذ عينة مناسبة من المصاب ونقلها بأمان إلى المختبر ذي القدرات المناسبة لفحصها. ويعتمد تأكيد الإصابة بجدري القردة على نوع العينة وجودتها ونوع الفحص المختبري. وبالتالي، يجب تعبئة العينات وشحنها وفقًا للمتطلبات الوطنية والدولية. ويُفضل استخدام تفاعل البوليميراز المتسلسل  polymerase chain reaction (PCR) كفحص مختبري نظرًا لدقته وحساسيته. ولهذا الغرض، تُعد العينات التشخيصية المثلى لجدري القردة تلك المأخوذة من الآفات الجلدية - سقف أو سوائل الحويصلات والبثور والقشور الجافة. وتعتبر الخزعة بديلاً مناسباً، حيثما أمكن. ويجب تخزين العينات المأخوذة من الآفات في أنبوب جاف ومعقم (بدون وسائط نقل فيروسية) وحفظها في وسط بارد. وغالباً ما تكون فحوص الدم التي تُجرى بواسطة تفاعل البوليميراز المتسلسل غير قطعية بسبب قصر مدة وجود الفيروس في الدم مقارنة بتوقيت أخذ العينة بعد بدء ظهور الأعراض، ولذلك ينبغي عدم أخذ الدم من المرضى لفحصه بشكل روتيني.